بالتحديد قبل خمسة اشهر نشرنا في quot;ايلافquot; مقالا بعنوان quot;قدوم عقد التغيير الشامل في العالم العربيquot; بيننا فيه توقعات بحصول تغييرات سياسية هامة وجذرية في المنطقة ابتداءا باستفتاء جنوب السودان وقبل اندلاع الثورتين التونسية والمصرية، وقلنا فيه quot;أمام هذا الواقع المتناقض الذي عاش فيه ويعيشه الانسان في العالم العربي نتيجة لاسباب سياسية، وأمام حالة الركود التي مر بها المنطقة لاكثر من قرن كامل، فان مؤشرات التغيير الشامل في هذا العالم بدأت بالظهور في بداية العقد الجاري وهذا التغيير سيرسي واقعا جديدا بخارطة غير مالوفة عن الواقع السياسي، لضرورات يحتمها واقع حياة شعوب والتطورات السريعة التي يشهدها المجتمع الدولي والحاجة الاقتصادية والسياسية التي تفرضها القوى الرئيسية في العالم منها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوربي وروسيا والصين، لضرورات تفرضها العالم المتقدم وفقا لمصالحه واستراتيجياته الامنية والاقتصادية والتجاريةquot;. وطرحنا رؤية في المقال عن مستقبل المنطقة جاء فيها quot;إزاء هذه الرؤية الميدانية لوقائع أمور الحياة في المنطقة وأمام التحديات الجديدة التي تجابه أنظمة الحكم مع استمرار المعضلات الحقيقية وغياب المنظور المستقبلي، فان الرؤية المبصرة لمستقبل المنطقة ترسم لنا عالما جديدا بتغيير شامل ستشهده المنطقة على مدى سنوات العقد الحالي الى نهايته، وأهم التغييرات ستشمل ظهور الدولة الصحراوية في جنوب المغرب ونيل الشعب الامازيغي لحكم ذاتي متقدم في منطقة قبائل الحزائر، وانشاء الدولة الفلسطينية باتفاق مع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، وانفصال اليمن الجنوبي عن اليمن الموحد، وبزوغ الدولة الكردية في العراق، وحصول الكرد في تركيا على حكم ذاتي متطور قريب للفيدرالية، وظهور حركات انفصالية في ايران ستؤدي بها الى تقسيمها في العقد اللاحق، وارساء أنظمة ديمقراطية حقيقية في السعودية ومصر والحزائر وليبيا وسوريا، وظهور قوة اقتصادية شرق اوسطية تشترك فيها فلسطين واسرائيل لتحديد التجارة الاقليمية في المنطقة، واستقرار فيدراليات فردية وجماعية بين المحافظات العراقية، وستحتفظ الاردن باستقرار هاديء خلال هذا العقد ولبنان ستتحول الى امارات شبيهة بدويلات داخل سيادة الدولة اللبنانية، وستشهد الدول التي تمتلك أنهرا صراعات سياسية غير مستقرة حول السدود وتقسيم المياهquot;. ويومها لم تنال الرؤية المستقبلية المطروحة الاهتمام الكافي لصعوبة التصديق بها، واليوم أثبتت الأحداث التي مرت بها المنطقة خلال الفترة الماضية سرعة حصول بعض التوقعات بعد ان توقعنا حصولها خلال سنوات. ما يهمنا في هذا الرأي واستنادا الى ما ذهبنا وسياقا ضمن التصورات المتوقعة لمستقبل العالم العربي ان تغييرا جوهريا سيحصل في دولة اليمن، وواقع الأحداث فيها يشير الى حصول تغييرات جوهرية في بنية الكيان الموحد الذي اقيم في سنة تسعين نتيجة اخطاء استراتيجية في رؤى القيادات السياسية في اليمن الجنوبي ما لبثت ان نتجت عنها حرب أهلية في السنوات اللاحقة للوحدة بسبب سيطرة الشمال على الجنوب واختلال التوازن والمعادلة في حكم اليمن. والملاحظ ان أهم التطورات الجديدة التي اخذت طريقها الى واقع العالم العربي بفعل امتداد ربيع الثورات العربية هو قبول التغيير بسرعة في مجمل مجالات الحياة السياسية والاتقصادية والاجتماعية والثقافية، والايمان بحصول التغيير بالاحتجاجات المدنية والتظاهرات السلمية والخروج عن قاعدة الانقلابات الثورية والعسكرية التي سادت المنطقة في القرن الماضي، والظمأ الجارف للتلذذ بالحرية والمواطنة واحترام حقوق وكرامة الانسان التي حرم منها شعوب المنطقة لقرون وعقود طويلة بسبب استبداد وطغيان أنظمة الحكم. ضمن هذه الرؤية فان أحداث الثورة اليمنية برهنت أنها سلمية ومدنية وأصرت على الاحتفاظ بمسارها السلمي بالرغم من تعرضها الى اعتداءات دموية صارخة من قبل قوات ورجال نظام الحاكم المستبد العنيد علي عبدالله صالح، وأثبتت يوميات الاحداث وقوف جميع اليمنيين شبابا وشيوخا ونساءا ورجالا الى جانب الثورة الشبابية التي اندلعت من ساجة التغيير في صنعاء، والوقائع الراهنة تشير ان الثورة في طريقها الى نجاح ونصر كامل على النظام قريبا وعاجلا. وكما هو جار مع سياق التاريخ فان كل ثورة يحمل معها تغييرا سريعا في الحكم والدولة والمجتمع، ولكن المتوقع في الثورة اليمنية ان التغييرات ستكون هادئة وبعيدة عن التحولات الثورية الضارة التي شهدتها المنطقة في الماضي والتي الحقت اضرارا جسيمة بشعوبها، واحدى التغييرات المتوقعة التي ستشهدها مرحلة ما بعد الثورة في اليمن هي اعادة النظر في الوحدة التي فرضت على اليمنيين بدون حكمة وتعقل، والحل الأرجح الذي سيتفق عليه هو ارساء النظام الفيدرالي بين عدن وصنعاء تمهيدا لانفصال الجنوب في السنوات اللاحقة بسبب خصوصيات الشعبين في الجنوب والشمال والتي لم تقدر الوحدة على اذابتها. لهذا فان تفكير القيادات الجنوبية بالفيدرالية كحل سياسي ليمن ما بعد الثورة لم يأتي من فراغ بعد ان طرح بعض الاطراف السياسية بالجنوب خيار الانفصال والعودة الى الواقع الذي كان سائدا قبل سنة التسعين، وهذا التفكير والحل يتسمان بالعقلانية والحكمة نظرا للميزات التي يتسم بها النظام الفيدرالي والذي يضمن برلمانا وحكومة بهياكلها التنظيمية والإدارية والسياسية المستقلة وبخصوصياتها الوطنية لخدمة المجتمع وفقا لموارده وطموحات افراده. وللتأكيد في حالة تحقيق فيدرالية الجنوب والشمال في اليمن فان هذا النظام سيحقق ما يلي: دعم الديمقراطية وضمان حقوق سكان الوحدات الادارية، وارساء التوازن والتوافق بين المصلحة العامة والمجموعات السكانية، وضمان التوازن بين مصلحة الدولة ومصلحة الوحدات الادارية، والاستغلال الامثل للموارد (البشرية والطبيعية والمالية) لصالح التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة، وخلق فرصة الاستغلال الامثل للموارد لغرض تلبية حاجات السكان وخلق تنمية حقيقية، وزيادة القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات ومتابعة نتائجها، وتخفيض حدة التوتر والنزاعات التي تبرز لأسباب سياسية او اقتصادية او اجتماعية او تقليدية، حل المعضلات والمشاكل المحلية، وتلبية الحاجات للاقاليم والمقاطعات والوحدات الادارية، واستمرارية وديمومة التنمية والتطور وتحقيق الرفاهية، وتنشيط المحافظات والمناطق المهمشة واستثمار مواردها، وزيادة مشاركة السكان في وضع السياسات واتخاذ القرارات، والتوافق والانسجام مع الوضع المحلي والداخلي والاقليمي والدولي، وابقاء تأثير المشاكل والأزمات السياسية في العاصمة الاتحادية دون بقية المناطق، والاستقلالية قي ضمان التصرف بمواردها واستحقاقاتها المالية، وضمان الأمن والاستقرار السياسي بعيدا عن تأثيرات المناطق الأخرى، وتشريع وسن القوانين التي تضمن حماية حقوق مواطني الاقليم حسب مصالحهم وخصوصياتهم، وتشكيل برلمان وسلطة تنفيذية ورئاسة منتخبة حسب الرغبة الوطنية للمواطنين. باختصار هذه أهم التغييرات التي ستشهدها دولة اليمن بعد الثورة، وهذا التغيير سيكون باهمية بالغة لتعلقه بتحديد مصير اليمنيين في الجنوب والشمال، وبفضل هذا الخيار المستند الى النظام الفيدرالي ستشهد السنوات اللاحقة في اليمن وضعا مستقرا وسيكون عاملا مساعدا لضمان حياة كريمة من خلال تحقيق برامج اقتصادية واجتماعية وخدمية فعالة على مدى السنوات القادمة، وهذا ما سيحمل على ارساء حياة جديدة مفعمة بالأمل والتجديد لكل اليمنيين، وفي الختام نبارك ثورة الشباب ونأمل كل الخير والنصر لشعب التغيير في اليمن السعيد. كاتب صحفي - بغداد
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات