لاشك ان المواطن العراقي المغلوب على امره والمحاصر بالفقر والبطاله والحرمان من ابسط مقومات الحياة الاعتياديه، والذي يعاني الامريين من الاحتلال المزدوج، يتطلع بمزيد من الامل الى توصل العراقيه ودولة القانون الى اتفاق يرسى الاسس السليمه لدولة الشراكة الحقيقيه في الحقوق والواجبات التي تفرضها المرحله، دولة المؤسسات، دولة الشفافيه والعداله وتكافؤ الفرص، دولة الخدمات واعادة الحياة للبنى التحتيه المنهاره، دولة النزاهة والحرص على الاموال العامه، دوله تعيد للعراق استقلاله الحقيقي ودوره البناء في المنظومة الاقليميه، دولة تحترم نفسها وشعبها وتراثه الحضاري، دولة قادره على انقاذ العراق مما هو فيه من تخلف وفقر وحرمان وصراعات طائفيه عبثيه ومحاصصه غير مجديه على حساب مبادىء الديموقراطيه وحقوق الانسان.

نعم المواطن العراقي يتطلع بشغف الى مصالحه وطنيه حقيقيه والى انهاء هذه الفتره المظلمه من تأريخه والازمة السياسيه الخانقه التي تهدد مستقبله وحريته ووحدة بلاده، ليتفرغ للبناء والتقدم وكلها متعلقه اليوم على الاقل بمبادرة السيد البارزاني ومدى التزام الاطراف الموقعه عليها بتنفيذها.

اليوم وبعد تشكيل الحكومه بمباركه ايرانيه ورضوخ امريكي ومضي اكثر من ستة اشهر على ذلك، لاتزال العمليه السياسيه تراوح في مكانها وتتعمق الخلافات بين أطرافها دون بارقة امل او ضوء في نهاية النفق وهناك تصريحات من اغلب الاطراف تقريبا، بما فيها التحالف الكوردستاني راعي المبادره، ينعيها ويعتبرها في حكم الميت سريريا، فهل بامكان فخامة رئيس الجمهوريه خلال مبادره جديده، من إعادة الحياة لميت خاصة وان عصر المعجزات قد ولى.

من الواضح ان رئيس الوزراء مصمم على الاستحواذ على كل مقاليد السلطه، وتجاهله الرد على رسالة العراقيه جزء من هذا التصميم، وقد سبق له ان قام بانقلاب علني ضد الدستور للبقاء في سدة الحكم رغم ان العراقيه كانت القائمه الاولى ومن حقها على الاقل ان تكلف بتشكيل الحكومه، فكيف يمكن ان يقبل بشريك له في سلطته، وكيف يمكن ان يلتزم بمبادرة البارزاني وهو لم يلتزم بدستور البلاد، وأي شراكه حقيقيه ممكنه مع من يحمل هكذا فكر وتوجهات تكرس لغة ومفاهيم الاقصاء والالغاء والاستقواء بالاجنبي حتى داخل حزبه الذي يعاني من تسلطه، وهل من الممكن حقا اجراء أي اصلاحات جذريه في المجتمع كمثل المصالحه الوطنيه واحترام الاخر وثقافة التسامح ونبذ الطائفيه والمحاصصه ومحاربة الفساد مع هكذا شريك.

أغلب الظن ان المبادره الجديده، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان رئاسة الجمهوريه ورئاسة الوزراء هي جزء من صفقه واحده، لن تؤدي الا الى إضفاء المزيد من الشرعيه على تنصل دولت رئيس الوزراء من اتفاقية اربيل ومبادرة البارزاني مما يوفر الارضيه اللازمه لابعاد العراقيه الى موقع المعارضه وتشكيل حكومة الاغلبيه التي بشر بها رئيس الوزراء، وهي مغامره محفوفه بالمخاطر وقد تؤدي الى انهيار العمليه السياسيه برمتها، فأي مبادره لا تاخذ بعين الاعتبار، مشاركه حقيقيه للقوى الاساسيه الفاعله في المجتمع، ستترك الحكومه عاجزه تماما عن اتخاذ أي قرارات جوهريه تجاه المسائل المصيريه التي تواجهها اليوم، كقضية بقاء القوات الاجنبيه من عدمها على سبيل المثال، وهي وحدها كافيه لاسقاط أي حكومه، مالم يكن هناك اجماع وطني.

ما يحدث الان في الشارع العراقي هو بداية الغيث الذي سينهمر إذا لم يقتنع هذا الشارع بحكومه قادره على الاستجابه لمطاليبه المشروعه، والنظام العراقي الحالي الغارق في المشاكل والصراعات والوضع الامني شبه المنهار، اضعف بكثير من الانظمه التي نشاهدها تتهاوى الواحده بعد الاخرى ومن المؤكد ان وضعه لن يكون بافضل، حتى مع الدعم الاقليمي المعروف، اذا لم يستجب لاستحقاقات مرحلة الشراكه والتقاسم العادل للسلطه بين قواه الاساسيه وفي مقدمتها العراقيه الممثله لاكثر من عشرة ملايين ناخب، الرقم الصعب الذي يجب ان يأخذه فخامة رئيس الجمهوريه بنظر الاعتبار فيما إذا اراد النجاح لمبادرته، مع ان اسؤال المهم يبقى هو: هل فعلا يريد النجاح لمبادرته...... هذا ما ستكشفه الايام القليله القادمه!
bull;كاتب عراقي