CHINA TOWN، هذا هو العنوان وعندما تقصده يخيل اليك أنك في الصين حقاً، تحاول أن تقرأ ما كتب على آرمات المحلات ولكن عبثاً فاللغة الصينية تتحدث، كل شيء يشعرك أنك في الصين، طراز الأبنية، الوجوه... كل شيء.

تدخل الى محطة الباص لتحجز التذاكر وهناك يراودك الشعور مجدداً، وتسأل نفسك هل أنا في الصين، فكل الوجوه هناك تحمل الملامح الآسيوية، تبذل أذناك الجهد محاولة أن تفهم شيئاً ولكن ايضاً عبثاً، وفي تلك اللحظة يطرأ على بالك ذلك المثل اللبناني quot;مثل العميحكي صينيquot; ولوهلة يخيل اليك أن قائله كان في تلك المحطة وخبر شعورك في تلك اللحظة بأنك لا تفهم شيئاً مما يدور حولك. تحاول أن تطلب منه التذاكر، بالكاد تفهم على انكليزيته وكأن هذه المحطة للصينيين فقط ومن لا يتكلم الصينية يجب أن يكون حاضراً لاحتمال أن لا يفهم الكثير.

بطاقتان الى هارسنبورغ في ولاية فيرجينيا، يرفع ورقة مطبوعة كتب عليها عدة عناوين من بينها العنوان الذي تقصده.. نعم هذا هو.. تشعر ببعض الارتياح، وتقول في سرك المهم أن نصل الى هناك.. وعندما يعطيك البطاقة يكون الريب لا يزال يراودك فالرحلة من نيويورك الى هاريسنبورغ تستغرق ست ساعات ونصف، والانطلاق الساعة السابعة مساء وبالتالي الوصول الواحدة والنصف ليلاً وطبعاً لن تستسيغ أن تصل الى العنوان الخطأ في هذه الساعة المتأخرة. وتبدأ الاحتمالات ترد الى ذهنك ماذا لو كان هناك لغطاً والشكوك تدفعك الى التمحيص في تفاصيل البطاقة.. وهنا تكتشف أن العنوان الذي كتب على البطاقة غير العنوان الذي تقصد، تعيد الكرة وتسأل البائع مرة جديدة وتتأكد من أن هذا الباص سيصل الى عنوانك... ومجدداً يؤكد لك ذلك مع أنه ليس هناك ما يطمئن... تقرر أن تكتشف بنفسك، وتبدأ بتحليل التفاصيل ومقارنتها مع تلك البطاقة المعتمدة بالعناوين.. ويلمع الرقم 271... الرقم المتطابق بين البطاقة التي قطعتها وبطاقة تفاصيل العناوين.. تصل الى هذا الاكتشاف أنت والساعة السابعة معاً.. تحضّر نفسك للانطلاق ولكن يبدو أن الباص لم يأت بعد... ولكن الرقم 271 محفوراً في ذهنك فتبتسم في سرك وتقول ليتأخر المهم أننا في المكان الصحيح... دقائق وتسمع هدير الباص وهنا تنفرج أساريرك تصعد فوراً ترتب أغراضك وتجلس على أحد المقاعد.. وتظن أنك بالصعود الى الباص تودّع CHINA TOWN بكل ما لـ CHINA من معنى.. ولكن الحق أن هذا الافتراض خاطىء جداً، فالرحلة الصينية تبدأ في الباص..

تحاول أن تغمض عينيك بعد يومين متعبين في المدينة المجنونة ولكن تكتشف أن محاولاتك عبثية وجداً، فهناك صيني يجلس على المقعد الأمامي خلف السائق الصيني ويتحدثان بالصينية... نعم تعرف أن الصين غزت الأسواق اللبنانية والأسواق الأميركية حتى ولكنك لم تأخذ في الحسبان أن القضايا الصينية ستغزو رحلتك من نيويورك الى هاريسنبورغ.. ولا تستطيع مقاومة الضحك عندما تسأل صديقتك السورية quot;بما يتحدثون يا ترى.. هل يتباحثون بحل قضية الشرق الأوسطquot;... وتقول في سرك quot;بعد هذا الغزو الصيني للعالم... من يدري قد يكون حل قضية الشرق الأوسط على أيديهمquot;.

يصل الباص الى أول محطة ينزل بعض الركاب، وتلاحظ أنهم صينيون وبانتظارهم صينيون أيضاً وثاني محطة وثالث محطة.. صينيون في صينيون ترى كل الأعمار... حتى الأطفال في المحطة ينتظرون.. وتشعر هذا النوع من الألفة بين السائق والركاب يودعهم وكأن الكل يعرف الكل وأنت الغريب الوحيد في هذا الباص... وتبتسم بينك وبين نفسك لذكاء هؤلاء، حتى في أميركا خلقوا تجارة تسهّل حياتهم وتجمعهم معاً.. أما اللبنانيون، وما أصغر لبنان مقارنة بالصين، فأبناؤه لم يصلوا الى تشكيل حكومة بعد... يختلفون على أصغر التفاصيل وأسخفها، في الوقت الذي يبدع اللبنانيون خارج بلادهم، ومثلاً هذا الباص الصيني من نيويورك الى فيرجينيا اكتشف وجوده أحد اللبنانيين الذي قدم مؤخراً الى البلاد، علماً أن الأميركيين الموجودين في الموقع لا يعرفون بوجوده وفوجئوا عندما أرشدهم اللبنانيون اليه... تضحك وتبكي في داخلك... وما بين هذا وذاك يعلمك السائق أنك وصلت الى هاريسنبورغ تنتظر بعض الوقت قبل أن يصل سائق التاكسي ولكن هذه المرة أميركي... تصعد الى السيارة يبتسم لك ويسألك بالانكليزية عن المكان المقصود... عندها تشعر أنك تستعيد عافيتك الاستيعابية على التفاهم والحوار بلغة تفهمها... تضع رأسك على المقعد في اشارة الى الشعور بالأمان أنك وصلت وفي داخلك احساس أنك أتيت للتو من الصين الى أميركا.