قالت له: هل جفت خواطرك؟! قال لها شيئا بين الفصيح والشعبي: جف القلم عن النزف جفت حروف الخاطرة ومابقي في الناس حس يحرض شموخ الذاكرة قالت: الهذا السبب اراك شاحبا حزينا؟! قال: يتلبس الشحوب ملامحي كلما رأيت هذا الانسان القابع في زاويته الضيقة لايأبه بما يدور حوله في العالم، ويسكن أعماقي الحزن كلما ادركت تمام الادراك انه يقدس التفكير بعقل خياله من ظلام، وحلمه ان ينجز فعلا بكراهية ! قالت: هل بدأ تفاؤلك ينضب، وحلمك يتحطم؟! قال: احاول منذ سنين طويله ان اخفي شعوري بالتشائم واستمر في طريقي المفخخة بالأشواك اغرس بذرة التفائل، اما حلمي فانه يتعرض للتحطيم منذ ان بزغ نور عقلي العاشق للحرية، لكنه ظل صامدا في وجه كل الهجمات الشرسة ولايزال ينبض بالحياة برغم القسر والقهر وعذابات الألم التي تتوسد آهات ساعات آخر الليل كلما تأملت في واقع هذا الانسان الذي يرفض ان يتغير. حلمي: تعرض للاغتيال مرات عدة، وكان الجناة دائما أجبن من الاقدام على المواجهة، لكنهم كانوا اقدر على تأخير خطوات الحلم من التحقق. حلمي: أكبر من هم الذات، وعصبة الحيز، وعقدة الاضطهاد والتاريخ والمكان، وظلمة الفكر، وجفاف الروح، وتقمص الايمان، وقصر النظر وضيق الأفق. حلمي: ليس دينا مسيسا، ولا سياسة متلبسة بثوب الدين. حلمي: ان يسود العدل الذي لايتحيز، وينبعث الجمال من كل العقول المستنيرة الى كل الزوايا والأمكنة. حلمي: ان يكون الانسان.. حقا.. انسانا، ولايكون وحشيا في ثوب انسان. وأعرف انه لكي أكون انسانا لابد ان اكون حرا. حلمي: ان يكون الكون.. كله.. حرية ! قالت: بل الكون كله حرية... والانسان يحمل سجنه في عقله أو قلبه، او يصنع حريته بفكره وينسج جناحيه كي يحلق بهما اينما اراد عندما يختار ان يكون حرا. أنت السجن والسجان... أو الفضاء والأجنحة ! قال: صحيح... ان الانسان يحوي العالم كله بداخله. قد يكون عالما من السجون والقيود والحواجز، وقد يكون عالما من الفضاآت الواسعة. لكن المشكل هنا : عندما يكون الانسان صنيعة لثقافة قامت فلسفتها ايمانا بالقيود والموانع، وعندما تتشبع روح الانسان بثقافة القيود يفقد ارادته ويصبح كالدمية او البهيمة حين يقاد وكأنه بلا عقل. وتكون الدمى البشرية او البهائم البشرية اخطر على الحياة من كل المخاطر، لأنها تستطيع ان تحدث فعلا بدون وعي، حسب هدف من يحركها، وعادة ما يكون محركو الدمى والبهائم البشرية من الشريرين الذين يحملون حقدا على الحياة لأنهم لم يختزنوا ذاكرة جميلة او ثقافة متسامحة. هنا: يكون السجن ليس من صنع الانسان القابع في سجنه.. ولايكون الفضاء حلمه. وانما تكون تلك الثقافة السوداء هي من يغرس في فكره القيد فينشأ ماسوشيا يتلذذ في ألم السوط والعصا،او ساديا يتلذذ في قهر واقصاء الآخر، وكلاهما السادي والماسوشي صنيعتا ثقافة سوداء وحبيساء مكان مظلم وضيق يكرهان كل شيء عدا ما يشبع نزعة التلذذ بالتأليم والتألم. هذا النوع : من الدمى والبهائم البشرية... بحاجة الى صدمة قوية كي تجتث جذور فكرهم الكاره للحياة لتغرس بدلا منها بذورا تنمو في حقول تتسع لتنوع الغرس وتقبل العيش في الفضاء الذي يتسع لكل العقول بكل ما تنتجه من فكر مختلف او اتجاه مناقض لكل سائد وبائد. الانسان: خلقه الله ان يكون حرا... ولايمكن ان تهفو نفسه كي تصنع قيدها باختيارها، لكن ذلك الانسان عندما يكون صنيعة ثقافة تقدس صناعة القيود، لايلام عندما يكبر وقد تشبع بعشق القيود والموانع والمذلة. ومثلما يكون للحرية ابناؤها الذين يقدسون فضاءها، فان للاستبداد مريدوه الذين يناضلون من اجل ان يبقى سيفه مسلطا على اعنقاهم. لكن ابناء الحرية : عاشوا حياتهم كما ارادهم الله... وابناء الاستبداد عاشوا كما اراد لهم المستبد! قالت: أتريد ان تقول ان ابناء الاستبداد عاصون لأوامر الله؟! قال: نعم.. تلك حقيقة! الأحرار، أكثر مخلوقات الله ايمانا بخالقهم... اما العبيد فانهم لايؤمنون الا بمن يستبد بهم ويقودهم كما تقاد البهائم الى زرائبها حتى وان ادعو الايمان او تلبسوا بعباءته. الأحرار: لايكرهون ولا يحقدون ولا يحسدون ولايدعون ان الكون لهم والحقيقة ماتظنه اوهامهم. اما العبيد: فإنهم اقذر مخلوقات الله وأكثرهم ميلا لنفي الآخر واقصاءه وتشويه صورته. يزورون الحقائق، ويشوهون الجمال مما يجعلهم يحتقرون الوردة ويقطعون الشجرة ويحولون الأرض الخضراء الى يابسه ويمنعون الماء ان يسيل بأرض الوادي. الأحرار: أطهار... والعبيد : نجس ! قالت: من تقصد بالأحرار... وبالعبيد؟! قال: الأحرار... هم المناضلون من اجل ان يبقى الانسان اينما كان ومهما بكون جنسه او دينه او فكره.. حرا كريما. والعبيد: هم الساديون الذين يتلذذون في استعباد من هو أدنى من دناءتهم... او الماسوشيين الذين يتلذذون فيمن يستبد بهم. الأحرار : لاينتمون الى عصبة او مكان او فكرة غير ان تكون : الحرية عصبتهم، والكون مكانهم، والايمان بالتعدد فكرتهم. اما العبيد : فانهم دائما.. متعصبون، ولهم مكان واحد يكره النور المشع، ولايؤمنون بغير ما يبرر لهم كره الاخر وقسره وظلمه! قالت له : ها أنت لاتجف.. انت سحابة ماطرة. قال : مطري دم أحمر تنزف به اعماقي الحزينة بسببكم و المشفقة عليكم.. ليسقي قاعكم المقفرة. لأن سحابتي : تجف.. كلما جفت اعماقكم عن التبخر أنتم: البحر... وفكري سحابة فلتثر امواجكم بماءها... وتتعملق، لينطلق بخار جموحكم نحو السماء كي تتشكل سحابتي، فأمطر فكرا من ماءكم وليس من دمي! قالت: أي ثورة تدعو اليها؟! قال : ثورة الناس على أنفسهم وعلى ثقافتهم التي تجعلهم دائما يقبعون في الماضي. ليست المشكلة فيمن يحكمكم ايها العرب : المشكلة في ثقافتكم التي تقدسونها وهي تجلدكم منذ قرو طويلة.. بالطغاة والاستبداد والتخلف. ثقافتكم: هي المستبد بكم.. عليكم.. ثوروا عليها لتتنفسوا نسائم الحرية!! سالم اليامي [email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات