وجدتُ أن طريق الأصلاح والتقدم مغلق من كل الجوانب، لذلك أُعاود من منطق الأنصاف والحكمة أن أبحث عما يريد قادة العراق تحقيقه، ومايريدون من الشعب أن يعي ويدرك ويستجيب وهو في الحالة المرثية التي فيها.
من يقود العراق حالياً، قوى التأمر أم قوى الفساد؟
على صعيد التأمر، يصطف ويتشاور متأمرون تتحكم في أفكارهم طرق أغلاق أي منجز وعرقلة بداية تنفيذ أي أصلاح، يُشيعون الأراجيف ويتحاورون في أفضل طريقة لاضعاف حكومة المالكي وأزاحته شخصياً من رئاسة الحكومة سياسياً ودستورياً.
السياسة المُتبعة من قادة حركة الوفاق والصدرية، وبالأخص تصور أياد علاوي والنجيفي والصدر، هي أن العراق الحالي بلا قيادة سياسية أو وضعه في ذلك القالب، بلا أرادة وطنية وبالتالي بلا توجه مستقبلي، على الأقل وضعه في ذلك القالب. فالقادة المذكورون على خلاف مع قيادة رئيس الحكومة الحالي للسفينة المُحملة بالمأسي وهي تتفقد برالأمان دون الوصول أليه. الأعتراض على مرشحي المالكي للوزارات الأمنية، يُشكل أكثر هماً من خلافهم وأعتراضهم على أي منهج أو مشروع أصلاحي يروجون له ويتنافس ممثليهم على التعبير عنه بطرق الجاهلية الأولى. ولايبشر ماضي المعارضة العراقية من الفئات الدينية والقومية أنها تَعقل مغزى التوجه للنهظة العلمية وبناء الأنسان حضارياً، وقواها(على أختلاف مذاهبها) لا تستطيع أن تنهض بالعراق سياسياً، أجتماعياً، وأقتصادياً.
وتتركز حملاتهم فيما بينهم، التي تتصاعد في مؤتمرات صحفية متوترة، على مهاجمة قدرات وصلاحيات كل منهم، وهو دليل ضعف على اداء المؤسسات وتفاهة القائمين على الأدارة وظنونهم أن هذا الطريق سيكسبهم حب الشعب وتأييده، أِلا أنه بتأكيداتهم العفوية الفريدة يُعبّرون بأعلان واضح للمواطن على الأفلاس السياسي وحاجة العراق الى من يقوده الى شاطي السلام دون تأمر أو تصفية جسدية.
والقيادة بسبب ضعف الأدارة لاتعني الركون الى شخصية دكتاتورية وطنية فردية، وأنما اللجوء الى القيادة الجماعية الفذة التي تمتلك التصور لأغناء تراث العراق وبنائه لبنة لبنة دون فوضى. كما أن القيادة السياسية ليست تهيأة الشعب لخوض معارك وصراع وأقتتال شخصي في الخفاء والعلن بين نجوم يتقاتلون(وهم أصلاً في قمة القيادة) للأنفراد بالسلطة و قيادة دولة مضطربة التوجه والمصير. القيادة هي القدرة الفكرية والمَلكة الذكية الأدبية والاخلاقية للألتزام بتحويل العراق سلمياً ودستورياً الى دولة لها نظم مُنتجة حضارية مقبولة.
فاذا كان في أستطاعة شخص أُمي جاهل تحريك مليون شخص لتأييد ما يدعو اليه، فلابد أن مستوانا في الثقافة الشعبية أصبح دون المستوى المطلوب ويتماشى مع مستوى الجهل والتخلف ولا يصلح المجتمع سوى للحالة التي نحن عليها الان. وأذا كان العراق قد فقد 40 بليون دولار ولايعرف أحد سُراقها، فلابد أن ألأمر يدعو الى الشك في جميع من تولوا قيادته وأدارته منذ 2003.
وأذا كانت الضغوط الأدبية والاخلاقية التي تُمارسها بعض أحزاب السلطة أنتقامية لعدم سيطرتها الكلية على السلطة التنفيذية، فأنها قد تتحول بين ليلة وضحاها الى فجر دموي مُدمر يقوده أنقلابيون ذو ميول متطرفة لتُعتقل على أِثرها مجموعات بأسماء محددة وتُثبّت عليهم تهم الخيانة والفساد، مع أن الأصلاحيين يعتقدون أن الإصلاح هو الطريق وليس التغيير السياسي بالعنف والدم. ومايختمر في عقول بعض رواد النظام الثيوقراطي الديكتاتوري هو رجوع الرايات الفاشية تحت راية الأصلاحات والقضاء على الفساد. وليس غريباً أن كيفية ترتيب نظم الأصلاح وعزل العناصر الفاسدة، يدور في أوساط ومحافل تعمل سراً وعلناً وتُلمحُ لأعضائها بضرورة الأصلاح وأنتظار الفرصة المناسبة للأنقضاض بقوة السلاح على الحكومة الحالية بحجة ضعف ألأداء والفساد.
ذلك ماحدث فعلاً للرئيس عبد الرحمن عارف عام 1967، وقبله عند الأطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم عام 1963 في عملية أعادة ترتيب الأدوار التاريخية.lt;br /gt; تحاور مُحدثي معي مراراً عن لغة التهديد المبطن وأعطاها الطابع العام والخاص في السياسية العراقية وأقنعني (نظرياً) بأحتمال قيام( قوة مُفوضة) من السلطة التنفيذية بأعتقال شخصيات في السلطة الحالية ووضعهم السجون للتحقيق معهم في قضية تأمر لقلب نظام الحكم الدستوري الحالي. وكان ردي العفوي هو أن الرئيس السابق صدام كان قد كيّفَ نفسه بتصفيته كبار أعضاء حزب البعث عام 1979 وأعدامهم لشكوك التأمر. وبشكل عام، يبدو أن لغة التهديد والضغط والأشارات الأعلامية المرافقة لها، تَسبقُ عادةً التصفيات والعزل والسجن، بل وحتى أصدار ألأحكام النهائية بالتأمرعلى الدولة ليعيش العراق حقبة مظلمة جديدة. وماتحويه الأدارة من شخصيات لاتتفهم واقع العراق وظروفه ولاتستطيع بقدراتها وكفاءاتها المحدودة تحقيق الأصلاحات في الأجل القريب، فأن مثل هذا الصراع على السلطة يومي، ويرافقه بث السموم لمن هُم (أو هو )الأفضل أن يقود وتفسيرات صماء للصلاحيات الدستورية ومن خولها، وكل هذه العوامل لن تؤدي أِلا الى خراب زمني أعظم، وجمود أداري عام، وعدم أصلاح ما خربته أيادي القوى الداخلية والخارجية، ضف لها أنها دعوة مُعلنة الى أستمرار التخريب والتدمير.
ولقتل الشك باليقين، يستطيع المتابع التمعن في الشأن العراقي بالطرق الأجرائية لموضوع محاسبة أداء حكومة المالكي التي يلوح بها النجيفي في كل مناسبة للتشهير به وبحكومته، وهمسات المالكي في آذان الجميع بأنه قد يختار حلّ مجلس النواب وتقديم أستقالته وأجراء أنتخابات تشريعية جديدة نظراً للأعاقات الشخصية للخصوم وعدم أتفاق القيادات المشاركة معه في السلطة على ترشيح قيادات أخرى لخدمات الأمن والدفاع وأدارة عمل المُخابرات وقوات المهمات الخاصة، والأبتعاد عن التصرف بنيات سليمة واضحة تخدم البلاد وتدفع المواطن للعمل، فأن كل هذه ألآمور تُعتبر في غاية الحساسية وتدعونا للقول أن القادة الحاليين يدينون بالولاء لقيم ومفاهيم وضعوها لأنفسهم بفرض نظريات مركونة في رفوف قديمة ولاتحضى بتأييد شعبي، وهي من الأسباب المباشرة في تلكؤهم في تنفيذ ماأسند أليهم من واجبات، حتى أصبحت معظم هذه الواجبات تتصادم مع حاجات الأنسان اليومية الضرورية.
العراق يبحث عن من يقوده قد يكون في اللجوء الى حياكة مؤمرات الستينات والسبعينات من القرن الماضي وبدايات جديدة لتصفيات وأعتقالات بين الأخوة الأعداء.
يأتي ذلك في وقت جدّد فيه مقرر مجلس النواب والنائب عن القائمة العراقية محمد الخالدي تمسك قائمته بمرشحها سالم دلي لوزارة الدفاع، واصفا المبادرة التي دعا إليها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بأنها عقيمة.
كما أضاف تصريحاً لصحيفة amp;quot;المدىamp;quot; بانه في آخر اجتماع داخل القائمة العراقية تم الاتفاق على ترشيح سالم دلي لمنصب وزير الدفاع، نافيا أن يكون خالد متعب العبيدي من بين الأسماء المرشحة.
وعن سبب عدم قبول العراقية بالعبيدي يقول الخالدي انه رُشِحَ من قبل جهة معينة من داخل العراقية، إلا انه لقي اعتراضا من بقية الأطراف، واصفة إياه بالضعيف ولا يستطيع إدارة الوزارة على عكس مايراه ضباط محترفون بعدم صلاحية أيُّ منهما لأمور القيادة، التسليح، الأدارة، أو التدريب.
ولحقن الأجواء بلغة الأنقلابات والتهيأة لها فقد أتهم النجيفي رئيس مجلس النواب في مؤتمر صحافي في بغداد يوم الخميس 12 آيار مايو 2011، أتهمَ نوري المالكي رئيس السلطة التنفيذية بالأنفراد بالسلطة.
وتتزامن هذه المتناقضات مع دعوة الصدر الى انتفاضة شعبية ضد وجود القوات الاميركية في البلاد وتهديده بأن جيش المهدي التابع له سيقاومها عسكريا وسياسيا وثقافيا في حال بقائها بعد الموعد المقرر لرحيلها بنهاية العام الحالي. ويقف علاوي وكتلته موقف المتربص لأجهاض أي مقترح يتعلق ببقاء القوات أو تجديد أو تغيير نصوص الاتفاقية، والنيل من خصمه المالكي الذي ترك أمر الوجود العسكري الأمريكي الى من له الكفة الراجحة.
أننا نرى التراجع الكلي والخيبة الشعبية العامة في من يتقاتلون في الخفاء والعلن على قيادة دولة مضطربة التوجه والمصير، ويسرقون الأموال العامة وتخصيص المنافع المالية والاجتماعية الخيالية لأنفسهم بقوانين تفسيرية ملفقة، بينما يدعي روؤسائهم تمثيل الشعب في السلطة التنفيذية ومقرالسلطة التشريعية في دولة تمتلك سلطة قضائية تتمتع بالرمزية لاغير. وتتضح يوماُ بعد يوم، طرق هذه السلطات الخبيثة في الحث على تدمير العراق بنشر الفوضى والاحتجاج وتأزيم الوضع وشل الأعمال التي تخص المصلحة العامة ووضع الأولويات على الرفوف.
باحث سياسي وأستاذ جامعي
للمراسلة مع الكاتب: [email protected]
التعليقات