أظهرت الانتفاضات الشعبية التي عمت العالم العربي من بداية العام الحالي ٢٠١١، أنه عندما يشعر الناس بالغبن وانعدام العدالة في بيئتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفترة طويلة من الزمن، تنطلق فيهم شرارة الغضب الأخلاقي والسخط المعنوي، مما يدفع الضحايا الى raquo; ضخ حديد في نفوسهم.laquo; ذلك أن الغبن وانعدام العدالة يستدعيان حضوراً قوياً للرغبة في الانتقام والرد لمعاقبة مضطهديهم. والانتقام والعقاب يتمخضان بدورهما عن تأكيد raquo; الكرامة أو القيمة الإنسانية بعد وقوع العسف والضرر. لكن متى وقع الضرر فإنه من غير الممكن استرداد.

laquo;المفقود كله وجعله سوياًويؤكد بارينغتون مور الإبن في كتابه بعنوان raquo; الغبن: الأساس الاجتماعي للطاعة والعصيانlaquo; أنه raquo; بدون المشاعر الأخلاقية القوية، ومشاعر السخط، فإن البشر لا يتحركون ضد النظام السياسي الذي يظلمهم. إن تاريخ جميع الصراعات السياسية الكبرى يبين مدى تصادم العواطف والقناعات وأنظمة العقائد.laquo; ويمضي بارينغتون مور الإبن الى القول بأن raquo; إن قيام البشر بامتلاك ناصية انفعالاتهم هو جزء من طريقة تلمسهم مقاومة السلطة الطاغية، ومقاتلة النواحي المادية والمعنوية معاً من بيئة قاسية ومهينة. إنه جزء من تعلُّم طرق مقاومة السلطة المعنوية للطغيان، فيقنعون أنفسهم بأنهم لا يستحقون ما أنزله بهم الطغاة من عقاب.

وكما يدرك كل الثوريين، فإنه لا مفر من أن يضخ.laquo; الضحايا الحديد في نفوسهم ففي دولة عصرية مكتملة يحدث التغيير السياسي بصورة سلمية. وهذا مرده الى المقتضيات الثلاثة الأساسية التي يجب أن تتمتع بها الدولة العصرية، وهي: أولاً، أن تكون الدولة قوية ومقتدرة.
ثانيا، أن تُخضع الدولة نفسها لحكم القانون.
ثالثاً، أن تخضع الدولة للمحاسبة من قبل مواطنيها.

وفي هذا يقول فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية raquo; نهاية التاريخ raquo; :laquo; لا يقوم نظام سياسي دائم، ولا تزدهر المجتمعات، إلاّ عندما تقوم الدولة، وعندما تعمل الدولة ذاتها بموجب حكم القانون، وعندما تخضع الدولة للمحاسبة.

laquo; أي المساءلة من قبل المواطنين ويضيف فوكوياما قائلاً : raquo; وأن تكون الحكومة خاضعة للمحاسبة يعني أن يدرك الحاكمون أنهم مسؤولون عن الشعب الذي يحكمون، وأن يضعوا مصلحة شعبهم فوق مصالحهم الخاصة.laquo; يضاف الى ذلك أن الخضوع للمحاسبة يفرض على الحاكمين احترام الحقوق الأساسية لمواطنيهم. ومن أهم تلك الحقوق الواجب احترامها حق التملك، والحق في المحاكمة العادلة، والحق في برلمان منتخب يمثلهم ويدافع عنهم.

وفي رأي فرانسيس فوكوياما أن شرعية الحكومة أو الدولة raquo; تتوقف على قدرتها في تحقيق التوازن بين ممارسة.laquo; الدولة للقوة عند الضرورة وبين كفالة حريات الأفراد، وهي حريات تشكل أساس الشرعية الديموقراطية إن المطلوب من الدولة العصرية أن توفر لمواطنيها، من خلال قادتها ومؤسساتها، حرية الفكر والقول، والأمن والنظام، والهدوء والرفاه الاقتصادي. وأي دولة تتركز فيها السلطة السياسية والاقتصادية لن تكون قادرة على توفير الكرامة لمواطنيها، ولا تأمين معيشتهم، أو إرساء نظام قضائي وقانوني عادل ومنصف. وهي لن تكون قادرة على إقامة اقتصاد قوامه سوق حرة ومنصفة وكافلة للتنافس تقوم بدورها على أساس الموهبة والجدارة.

ذلك أن المجتمع المنصف والعادل هو وحده القادر على تأمين الهدوء. وحول هذا الموضوع يؤكد الفيلسوف جون رولز في كتابه raquo; نظرية العدالةlaquo; أن المبادىء الأكثر معقولية للعدالة هي تلك التي تقبل وترتضي raquo; تشكيل وضعية.laquo; منصفة ولا بد من إجراء إصلاحات اقتصادية لتخفيف الفقر عن كاهل الشرائح الدنيا من المجتمع، وأن يتأمن لأبناء تلك
الشرائح تعليم جيد، وفرص عمل، ومستويات أعلى للمعيشة. أما الإصلاحات السياسية التي لا تفيد سوى الأغنياء لتجعلهم أكثر غنى، عن طريق المحسوبية والتبعية، فإنها لا تنتج ازدهاراً مستمراً أو استقراراً دائماً.

وخلاصة القول إنه في الدولة العصرية يواجه الحاكم نتائج وخيمة إذا ما تصرف تصرفات غير عادلة وغير منصفة، وهي نتائج تترتب على المواطن أيضاً.
ومغزى ذلك أنه لا يجوز أن يكون أحد فوق القانون، وأنه من واجب الحاكمين احترام الحقوق الأساسية لمواطنيهم.

عدد أيار/مايو ٢٠١١ ndash; المجلد ١٥

فلينتبه الحكام العرب.

الدكتور عودة ابو ردينة، اميركي من اصل عربي، متخصص في شوؤن الشرق الاوسط وسياسات دوله، وله مساهمات كتابية عدة في المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية والنفطية، وهو يقيم في واشنطن. وهذا المقال تنشره quot;ايلافquot; بإتفاق خاص مع quot; الديبلوماسيquot; التقرير الذي يصدره شهرياً من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله ndash;