لا شك في أن دفاع المسلم عن المسيحي في وجه التطرف الديني الأحمق الذي تشهده مصر هو أسمى أنواع التسامح الإنساني الذي يجب أن يسود بين المصريين. وللحق فعلى الرغم من حالة التنافر الطائفي التي تنتشر بشكل مخيف في السنوات الأخيرة إلا أن مصر مازالت تقدم أمثلة رائعة لمسلمين يدافعون عن قضايا الأقباط بكل جرأة وصلابة أمام محاولات المتطرفين تحويل الأقباط إلى أقلية منزوعة الحقوق. ولعلنا لا ننسى أبداً مفكراً مصرياً مسلماً خالداً ضحى بحياته بسبب دفاعه منقطع النظير عن الأقباط وهو الراحل العظيم الدكتور فرج فودة الذي اغتالته أيادي الإرهاب الأثمة بهدف إيقاف مواقفه المشرفة. الأمر إذن ليس غريباً عن المصريين رغم حاجتنا للاعتراف بخفوت صوت الاعتدال في مصر. لا يجد الأقباط حرجاً في الإعتراف بالدور المهم للمعتدلين المسلمين في تبني القضايا القبطية وذلك إيماناً مهمهم بأهمية وحدة أبناء الوطن في التصدي لمخططات التطرف الدنيئة.

يدرك الأقباط أهمية وقوف المعتدلين من المسلمين بجوارهم في الدفاع عن قضاياهم العادلة. ويثبت ترحيب الأقباط باشتراك المسلمين في الدفاع عن قضاياهم مدى صدقهم وحسن نواياهم وثقتهم بأشقائهم المسلمين المعتدلين ورغبتهم ليس فقط في السلام والحياة المشتركة معهم ولكن أيضاً في الاستقواء بهم كشركاء في الوطن وليس الاستقواء بالخارج كما يتهمهم زُرّاع الفتن. الحديث عن إيجابية دفاع المسلمين عن الأقباط يقودنا لتناول أناس يدّعون دفاعهم عن الأقباط ولكنهم في الحقيقة ينكرون عنهم أبسط حقوقهم الإنسانية. يأتي من ضمن هؤلاء الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي أعلن رجل الأعمال المصري القبطي نجيب ساويرس قبل أيام توكيله بمهمة الدفاع عن الأقباط في وجه قوى التطرف، وهو التوكيل الذي بدا لي أمراً غريباً تماماً بالنظر لمواقف شيخ الأزهر من حقوق المسيحيين.

لا يساوروني الشك في أن الشيخ الطيب شخص غير مناسب للقيام بمهمة الدفاع عن الحقوق المنقوصة للأقباط، إذ لا يكفي أن يقوم الرجل بزيارات للبطريركية المرقسية للتهنئة بالأعياد للاعتقاد بقدرته على الدفاع عن الأقباط. كانت للدكتور أحمد الطيب مواقف وتصريحات تتنافى مع الواقع الذي يعيشه المسيحيون في مصر منها ما قاله بأن المسيحيين في مصر يتمتعون بكامل الحريات والحقوق. وقد جاءت أشهر مواقف الدكتور الطيب من حقوق الأقباط في إجتماع لمجمع البحوث الإسلامية ترأسه الرجل بنفسه في ديسمبر الماضي بغرض مناقشة تقرير الحريات الدينية الذي أصدرته الخارجية الأمريكية. أعلن شيخ الأزهر من خلال بيان الاجتماع رفضه التام لكل ما جاء بالتقرير في ما يتعلق بحقوق الأقباط المنقوصة. يضاف إلى ذلك مواقف أخرى اتخذها الدكتور الطيب في الخمسة عشر شهراً الماضية التي تولى فيها إدارة مشيخة الأزهر، وهي مواقف لا تلتقي أبداً مع مطالب الأقباط المشروعة. ولإيضاح حقيقة موقف الدكتور الطيب، سأسعى لتلخيص هذا الموقف في النقاط التالية:

- رفض شيخ الأزهر الإعتراف بوجود مشاكل في مسألة بناء الكنائس، مشيراً إلى أنه لا توجد مشاكل في بناء دور عبادة المسيحيين ولافتاً إلى أن بناء دور العبادة ينظمه القانون. وأكد الدكتور الطيب في بيان اجتماع مجمع البحوث الإسلامية المشار إليه على أن بناء المساجد له شروط تفوق في الضوابط نظيرتها في بناء الكنائس، وأن عدد الكنائس في مصر يعتبر مناسباً لعدد المسيحيين.

- دافع الدكتور الطيب، كما جاء في نفس بيان مجمع البحوث الإسلامية، عن منع التحول إلى المسيحية لاعتباره عملاً متعارضاً مع الاستقلال الحضاري والأمن الإجتماعي والوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن المجتمعات الشرقية والمسلمة لا تنظر إلى الدين كشأن فردي وشخصي يتم تغييره دون مشكلات بل يعبر عن هوية إجتماعية، وهو يماثل العرض والشرف وقد يعلو عليهما.

- نفي الدكتور الطيب، في ذات البيان، وجود تمييز ضد الأقباط في ما يتعلق بالمشاركة السياسية مؤكداً على أن ضعف نسبة الأقباط في المؤسسات المصرية يعود إلى حالة السلبية العامة التي أفرزتها عوامل سياسية لا علاقة لها بالتمييز السلبي ضد المسيحيين. وأكد أن المسيحيين عزفوا عن السياسة واتجهوا نحو الأنشطة المالية والإقتصادية التي يمثلون فيها ثقلاً وثراءً يفوق نسبتهم العددية أضعافاً مضاعفة.

- يبدي الدكتور الطيب إهتماماً دائماً بالشريعة الإسلامية ويؤكد باستمرار على أهميتها باعتبارها من ثوابت الدولة والأمة. وقد اعترض الرجل بشدة على مطالبة الأقباط بتغيير أو تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وأن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

- تضامن الدكتور الطيب مع متعتصمي قنا الذين رفضوا تعيين محافظ قبطي، وهدد بالاستقالة من منصبه إذا ألقت الدولة القبض على أي من المعتصمين.

- رفض الدكتور الطيب بشدة تناول مسألة الأقباط في المحافل الدولية أو من قبل الدول الغربية، حتى أنه قام بتعليق الحوار مع الفاتيكان بعد مذبحة كنيسة القديسين بسبب مطالبة بابا روما المجمتع الدولي بالتدخل لدى الحكومة المصرية لتوفير حماية أفضل للمسيحيين.

بعد كل هذا لست أعتقد بحاجتي للتعليق على مواقف الدكتور أحمد الطيب المناوئة لحقوق الأقباط. من إنكار وجود تمييز ديني ضد المسيحيين إلى تبرير منع التحول إلى المسيحية مروراً بإنكار وجود تعنت في مسألة بناء الكنائس، الرجل باختصار يرى أن لا مشاكل تواجه الأقباط على الإطلاق. هل يمكن بعد هذا كله أن يتوقع أحد أن يدافع الدكتور الطيب بصدق عن حقوق المسيحيين؟ الأمر واضح تماماً والإجابة بالطبع هي لا. لن يدافع الدكتور الطيب عن حقوق المسيحيين ولن يتبنى مطالبهم لأنه لا يتعقد بوجود تمييز ضدهم أو تفرقة في معاملتهم. لست أدري إن كان عدم اعتراف الدكتور الطيب بالحقوق المشروعة للأقباط راجع لإيمانه بعدم مشروعية مطالبهم أم لأنه يريد أن يغازل التيارات الدينية التي تستفحل قواها في الوقت الراهن، خاصة وأنه لا يريد أن يلقى مصير سلفه الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي اتهمه المتطرفون في عقيدته وأهانوا كرامته بسبب عدالته وروحه الطيبة تجاه المسيحيين وأعترافه الدائم بحقوقهم.

بعيداً عن جدارة الدكتور الطيب بمهمة الدفاع عن الأقباط، من المؤكد أن توكيل رجل الأعمال نجيب ساويرس لشيخ الأزهر للدفاع عن حقوق الأقباط صدر بحسن نية تدل على أن المسيحيين يمدون يد المحبة للمسلمين. ولكن دعونا نؤكد أن مبادرة ساويرس لا ينبغي أن تُفهم على أن الأقباط يسلّمون أمورهم للأزهر، ولا تعني أن الأقباط سيقبلون بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، ولا تعني كذلك أن الأقباط يرحبون بالحلول الوسطية لقضاياهم ومشاكلهم التي تفرضها المجالس العرفية والعائلية. من المهم التأكيد هنا على أن القانون، والقانون المدني وحده، هو الذي يجب أن يحمي جميع المصريين ويدافع عن حقوقهم. لا أحد يحمي احداً في الدولة المدنية الحديثة، ولا شريعة دينية تحمي أقلية دينية أيضاً. القانون هو من يحمي الجميع. المسيحيون لا يريدون المستحيل حين يطالبون بحقوقهم، هم فقط يريدون عدالة ومساواة أمام القانون، حرية العبادة والإعتقاد، السماح لهم ببناء وترميم دور عبادتهم. وليت مسلمي مصر وعلى رأسهم شيخ الأزهر يتفهمون مطالب المسيحيين المشروعة.

[email protected]