(1)

مِن أفضل المكاسب التي جاءت بعد يوم 25 يناير 2011 في مصر، سواء اتفقت معي أنها ثورة أو حركة أو فوضى، ففي النهاية، تَعلّم الناس أن يقولوا: quot;هذا لا يعجبناquot;، أو يقولوا لقد وصلنا إلى حالة quot;القرفquot; مِن هذا الوضع أو ذاك.

ساهم في ذلك كثرة الضغوط، والتنوير المتنامي مِن نشر المعرفة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وتبادل الخبرات السيئة والمفيدة، وهي كلها عمليات تَعلُم مقصودة أو غير مقصودة.

مِن أجمل مزايا الشبكة العنكبوتية، بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، هو زيادة التعرف على الحضارات التي سبقتنا والتعلم مِن الشعوب التي تحررت في مجالات عديدة، وأهمها التقدم في مراعاة إنسانية الإنسان.

(2)

من المعروف تاريخياً أن المعرفة والتعلم والدعوة إلى القراءة وإتاحة المعارف بين أيدي البسطاء مِن عامة الشعب هي التي ساعدت الفكر الإصلاحي أن ينتشر في كل أوربا بعد عصور الظلام التي ساد فيها الظلم على أيدي المتسيدين مِن رجال الدين.

كان رجال الكنيسة في أوربا وقتها يمنعون عامة الشعب مِن الإطلاع على الكتب المقدسة، ولم يكونوا يريدوا ترجمتها مِن اللغات الأصلية إلى لغات الشعب المتداولة، وأيضاً لم يرغبوا في طباعة نسخ مِن الكتب المقدسة لتكون بين أيدي الشعب حتى يعرفوا الحقائق اللاهوتية بأنفسهم بعيداً عن وصاية الكهنة والمؤسسة الباباوية.

(3)

وبناء عليه، فإن وجود المعرفة والمعلومات، وتبادل الخبرات بين أبناء الكنائس البروتستانتية هذه الأيام سيكون وسيلة ثورة قادمة مدمرة لكل الأعراف وأطر الإستقرار الوهمية التي يظنونها ترسخت على مدار عشرات السنين. سيكتب التاريخ أن المنظومة التي ترهلت ووصل بها الحال إلى أن نخر السوس في هيكلها الإداري، وإنحرفت عن مفهومها الإصلاحي للإنسان والمجتمع والرؤية العقائدية، وتغيرت المفاهيم والأشكال عما بدأت عليه واصبحت صورة أو إستنساخ ممل من المؤسسات التقليدية بكل ما فيها من موت روحي وروتين بيروقراطي لا علاقة له بأن يعيش الإنسان إنسانيته في حرية، وهكذا سقطت صورة مؤسسة الكنائس البروتستانتية المصرية كما ورق التوت حين يجف من أقل شعاع شمسي دافئ!!!!

(4)

ويبقى السؤال: لماذا هذه الثورة المرتقبة؟

middot; الرأس أو مئات الرؤوس المتصارعة مريضة بأمراض الزعامة والسلطة المطلقة ويقود الجماعة المفتتة إلى الخلف أو التخلف الحضاري. الرأس أعني بها كل الجالسين على الكراسي، والمتشبسين بها، والذي يحيكون quot;التربيطاتquot; كما كتب أحد المتصارعين للوصول إلى كرسي الزعامة.

middot; العبادة، في أغلبها وممارساتها، لا فرق بينها وبين النظم التقليدية التي أرى أنها تمجد وتسبح لمفاهيم بعيدة عن الواقع المُعاش، ربما الفرق هي لغة متغربة حضارياً بعيدة عن الواقع أيضا، والأخرى متغربة تاريخياً.

middot; معظم التعاليم المنتشرة والمقدمة والمتفشية لا طعم ولا رائحة ولا لون ولا هوية، أقرب ما تكون إلى مناهج الدراسات الاجتماعية المقدمة إلى تلاميذ التربية الفكرية في قرية نائية.

middot; الشعب استسهل الاستسهال والكسل والنوم في العسل، فقدوا القدرة على التناسل ولا حتى القدرة على النمو أو حتى التكاثر الطبيعي مثل الطيور أو القطط. طبعًا الأغلبية وليس الكل، فالمستيقظ يترك المنظومة ويخرج للهواء الطلق.

middot; النظام الإداري أشبه بمبنى الحزب الوطنى في ميدان التحرير يحتاج حرق الوثائق المشبوهة التي يحتويها ثم يتم حرق بقية الغرف والأجهزة التنظيمية التي وصلت نظاميتها كطابور الديدان التي تسير بجوار جثة متحللة لا تجد حتى ما تأكله مِن بقايا الجثة.

middot; النظام المالي هو أفضل ما في المنظومة العامة حيث أكثر عناصر المنظومة العامة كوميديا، فتجد المشرفين على النظام المالي هم مجموعة من القساوسة الأفاضل (طبعا) بذلك أصبح القسيس مهندس وطبيب ونجار وكهربائي ومدرس وحلاق صحة بعد الظهر، إن أمكن، وهذا ممكن في عصر العولمة!!!!؟؟؟

middot; كثير من رجال الدين الأفاضل المحترمين أصبحوا الآن ليسوا فقط نواب الإله، لكن هم مكان الإله الذي أعطوه أجازة مفتوحة. أنظروا كم منهم احتل المنبر وجلس متربعا على العرش مستوياً، وترك الرعاية.

middot; وهؤلاء المتشردين وراء منصب أو لجنة أو مجلس أو مؤتمر للابتعاد عن رعيتهم التي صنعوا منها قطيع مُسيس يأخذ المواعيد مِن السكرتارية أو مساعدي الآلهة.

middot; لذلك أصبح شعار الأكثرية من الشعب البروتستانتي المصري الذي يفهم هو: كفاية. إن الشعب الذي ترك مؤسسة الكنيسة البروتستانتية المصرية يريد منظومة جديدة، لا تكون ملتقى إجتماعي منغلق على طائفة عنصرية، ولا تكون مؤسسة تؤدي واجب مثل طالب فاشل يعيد كتابة الدرس المفروض عليه دون فهم ولا حرية وإبداع ولا رؤية للتقدم!!!

middot; كم أنا سعيد من أجل الذين تركوا هذه المنظومة، لا أعرف كيف أعبر عما في قلبي من الفرح حين قال لي صديق ممن يترددون على إحدى هذه المباني يحاول إصلاحها، لقد ترك صديقك (س) (هذه المسيحية البروتستانتية) بسببهم، وأصبح مثلك إنسان.

middot; إن ندائي هو التفكير الجدي في إصلاح كل عناصر منظومة الكنيسة البروتستانتية المصرية من أجل مزيد من التقدم والإزدهار لكل المجتمع المصري. وللمرة الألف في كتاباتي: ليس لي أي إنتماء، ولا أمثل أي جهة أو مؤسسة تابعة لهذه المنظومة. إنتمائي الوحيد إلى إنسانية الإنسان أياً ما كان وأينما كان.

شعاري: قل هو الإنسان أهم.

[email protected]