حدثني أحدهم أنه وفي يوم من الأيام، في أول وصوله لبلد أوربي، دخل لنادٍ ليلي (الديسكو) الذي كان فقط يسمع به في بلده الذي هرب منه وذلك لتجربة شيء جديد. لقد كان دخوله من أجل التمتع بمشاهدة الجميلات أو لجزء من جسد عارٍ يتلألأ مهتزا ً تحت الأضواء ويرقص على أنغام موسيقى الديسكو الصاخبة مع دوار قليل في الرأس من أثر كأس من الويسكي. لقد قدم وصديقه الذي لم يسمح له بالدخول لكونه مخالف لشروط الملبس بعد أن قرر أن يأتي فقط بنعليه من غير أن يكلف نفسه بلبس حذاء أنيق. يقول صاحبنا بينما كنت أحتسي كأسي بأجواء جديدة والذي طالما أحتسيته في رأس الدربونة (الشارع) تحت جنح الظلام، وأذا بأسامة بن لادن أمامي! لقد ذهلت من أثر الصدمة حتى طار أثر الكأس من رأسي بعد أن شاهدت رجل وهو يرتدي بلوزة طبع عليها صورة أسامة بن لادن. لم أكن مندهشا ً بقدرما كنت مرعوبا ً وقد تخيلت أن رأسي سيلتصق بكأسي وهو يطير نحو السماء ليسقط فيرتطم بقنانٍ فارغة وذلك بعد أن يفجر ذاك الشخص نفسه وسط الحشد الذي يهتز من الرقص عن بكرة أبيه. وفي لحظات حسدت صديقي الذي جاء بنعليه وقلت لنفسي، ما هذا الحظ العاثر ولماذا لم آتي بنعلين، لقد هربت من القاعدة إلى هنا فلحقتني حتى إلى الديسكو. فحينها صرت مؤمنا ً أيما إيمان بعد أن تخيلت نفسي أرقص على جمر نار جهنم، حيث فكرت بأنها ليست النهاية المثالية والسعيدة لرجل يرغب بأن لاتمسه النار، حتى أن هذا الرجل لم يدع لي فرصة للتوبة أن قدح حزامه الناسف. ولكن، وياللطف القدر، لقد رقص الرجل رقصتين وأحتسى كأسيين ومر من أمامي كعابر للسبيل متجها ً نحو الخارج.

لم يكن ببال صاحبنا أن يجد صورة أسامة بن لادن في الديسكو، فقد أصبح أسامة بن لادن رمزا ً للتطرف الذي يفعله الكثيرون حتى من غير المسلمين. حيث تحول التطرف إلى رفض لكل ماهو أمريكي، ولكل ماهو غربي، ولكل ماله صلة بالغرب وأن كان ذي فائدة ونفع. وما العجب أذ عرفنا أن الكثيرين من جندوا في تنظيم القاعدة من الجيل الثالث هم أصحاب سوابق إجرامية حسب الباحث في شؤون التطرف الإسلامي أوليفر روي. إن أسهل شيء يفعله المرء هو التطرف، نعم التطرف عندما يصبح الإنسان عاجزا ً من أن يقبل الآخر، أو أن يتعب نفسه قليلا ً ويخرج رأسه من النافذة ليرى أن هناك أناس كثيرون غيره موجودون وليس هو وحده يعيش في هذه المعمورة. التطرف صنيعة الجهل عندما لايتعب الإنسان نفسه بمعرفة الآخر، الآخر المختلف في اللون والعقيدة والمذهب والدين والجنسية ووو. أتعرفون ماهو أصعب شيء؟ نعم إنه الإعتدال! فالإعتدال أشبه بمن يمشي على حبل ويخاف أن يسقط على جانبيه حيث التطرف. فالإعتدال حركة يبذلها الإنسان لحفظ التوازن، والحركة هي التفكير وهي التسامح في قبول الآخر، وفي الحركة يكون الإنسان حذرا ً من أن يجرح الآخرين ويكون مكتشفا ً ماهرا ً غير كسول، حيث يوجد هناك الكثير مما يكتشفه ويمنحه الحرية. أما التطرف فهو السكون، وفي السكون جمود وبلادة وتقوقع وإنغلاق، وفي السكون عبودية حين لايجرؤ الإنسان على الحركة، وفي السكون جهل مطبق حيث الموت المحتم.

لست هنا في محل تقييم بن لادن، فذلك لن يجدي نفعا ً للقراء بل أردت أن اتناول الطريقة التي نفكر بها ونقييم الأشياء بها. لقد هالني ما قرأت وما سمعت من ردود فعل مستنكرة وتعليقات غاضبة على موت أسامة بن لادن، في مقالتي السابقة (هل قتل أسامة بن لادن فعلا ً؟!) وتعليقات من كثير من النخب والإسلاميين في تصريحاتهم والقراء الذين يعلقون على المقالات في مواقع عديدة. فمنهم من سماه مجاهد ومنهم من منحه الشهادة ومنهم من تنبأ له الجنة أو ضمنها له، وهكذا. فهل استحق بن لادن موته، وهل يستحق كل هذا الأسف؟

لا أريد التعليق على عملية الكوماندوس الأمريكية، فالكثير يضع أكثر من علامة إستفهام حول التصريحات المتضاربة والمتناقضة أحيانا ً حول طريقة التنفيذ وإحتمال أسر بن لادن بدل قتله والذي حدث ربما بدم بارد. فالكل يستنكر الحدث إن تم القتل بهذه الطريقة بإعتباره منافية لأخلاقيات التعامل مع العدو، وإن كان هذا العدو أشر الناس. لكن ومن الطرف الآخر، علينا أن لاننسى مالذي فعله بن لادن بنا كمسلمين وعرب بالذات. ففكر الإلغاء والإقصاء وعدم الإعتراف بوجود الآخر هو سمة من سمات تنظيم القاعدة بمباركة أسامة بن لادن. وعلى يد القاعدة إنتفت كل أخلاقيات الإسلام الذي يدعو لصون النفس المحترمة. فيقول الله سبحانه: ولاتقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. فكم نفس أزهقت بتفجيرات كانت ورائها تنظيمات تتصل بالقاعدة، وبالخصوص في بلاد المسلمين! كلنا يعرف أن التنظيمات الجهادية تقسم الناس لمسلمين وغير مسلمين، والأرض لدار الكفر ودار الأسلام. لكن الله لم يخص المسلمين حيث قال النفس على إطلاقها، أي كل نفس بلا إستثناء. أما إذا أعتبر المتطرفون أن مايحدث من قتل الأبرياء هو في دار الحرب، فقد أوصى رسول الله المحاربين بأن لاتقطعوا شجرة، ولاتقتلوا مدبرا ً ولا تجهزوا على جريح، فما بالك بالأبرياء الذين يذهبون في تفجيرات عشوائية.

نحن مشكلتنا إننا لانتعلم إلا من خلال التجربة. فعدم شعورنا بالآخرين يجعلنا لانحس بآلامهم. فندعوا بن لادن الشيخ المجاهد وهو يقتل بإبناء جلدتنا من مسلمين وغير مسلمين. فكم سعودي وعراقي ومغربي ومصري ذهبوا ضحية لتفجيرات كانت ورائها القاعدة لا لشيء إلا لأنهم كانوا في المكان الخطأ. ولو كان لأحد مناصري بن لادن ضحية من أبنائه أو بناته الصغار لصار من الد أعداء بن لادن. لقد كفر محبي بن لادن بروح الإنسانية عندما يتأسفون على رجل كان يغتال الإنسانية، لقد كفر محبي بن لادن بروح الأخوة وقد قتل أسامة الآلاف من أخوتهم، لقد كفر محبي أسامة بن لادن حتى بالحرية التي أعطاهم الله أياها بحجة إنها من الغرب، لقد كفروا حتى بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، بحجة إنها من الغرب. لقد كفروا حتى بالتعددية والتنوع وقالوا إنها صنيعة الغرب الكافر، ولابد أن نعيش على نمط ثقافي واحد في الملبس والمأكل مستمد من الف عام مضت، بالرغم من أن الله يقول خلقتكم من ذكر وأنثى وجعلتكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، بالرغم من أن الله يقول لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة. لم تدع القاعدة مخالفا ً إلا وقاتلته، وذلك بحجة إنها تمتلك الحقيقة المطلقة والتفسير الأوحد للدين، وهي حصرا ً الفرقة الناجية لاغير. فقد قتلت من الشيعة والسنة، صغارا ً وكبارا، نساءا ً ورجالا، ولم تقدم سببا ً واحدا ً مقنعا ًيدعو لقتل الأبرياء، ولو بالخطأ. فهل يستحق القاتل كل هذا الأسف?!

[email protected]
http://www.elaphblog.com/imadrasan