حين تحتل الشهوة الجسد، ويقود العناد العقل، وتطمس القسوة معالم الروح.. يصل الإنسان إلى حافة المجهول. فعلاقة لا تمنح طرفيها قدراً من السعادة والرضا.. يأتي يوم وتفوح منها رائحة الموت.. وصلتني رسالة من رجل (41 عاماً)، يقول: أنا أب لطفل، وزوج لامرأة أتمنى أن أقتلها ألف مرة.. تزوجنا منذ خمس سنوات بطريقة تقليدية وعشنا مع بعض ستة أشهر فقط، ثم اضطررت للسفر للإشراف على مشروع في فرع الشركة في دولة أوروبية وتركتها مع أسرتي وكانت حاملا في طفلنا الأول، وهناك بدأ الشك يملأ قلبي فأصبحت أتصل بها مرات عدة في اليوم الواحد، وأتضايق جدا إذا لم ترد علي لدرجة أن أهلي ألقوا علي اللوم وعاتبوني على سلوكي الغريب وأكدوا لي أنها لا تخرج من البيت إلا بمعرفتهم وبرفقة أحد منهم أو من أسرتها. قضيت عاما من العذاب حتى عدتُ إلى عملي الأصلي وانتقلنا إلى شقتنا وغمرتني الفرحة حيت رأيت ابني، لكنني لا أعرف لماذا كنت أقسو على زوجتي وأتعمد الإساءة إليها حتى في وجود الآخرين، ومع مرور الوقت أصبحت هي أيضا ترد إلي الإهانة حتى تحولت حياتنا إلى جحيم.
أشار علي أهلي أن أنجب طفلا آخر يشغلها ويزيد من ثقتي فيها ويجعل حياتنا أهدأ، لكن حين طلبت منها رفضت بشدة، فزاد شكي فيها وأصبحت أمنعها من الخروج، لكنها كانت تخرج من دون إذني، فاتخذت من الضرب وحبسها بغرفتها أسلوبا لعقابها، وحين طلبت الطلاق رفضت أنا بشدة، فلجأت للمحكمة ولكنها خسرت القضية ورجعت إلى البيت مرة أخرى. استمرت هذه المشاكل عامين تقريباً، بعدها استأنفنا العلاقة من جديد، وهدأت الحياة قليلاً وشعرت بالندم على ما فعلته فيها، لكنني لم أخبرها بذلك. كنا نعيش كغريبين، نمارس حياتنا الزوجية بشكل روتيني.
منذ ثلاثة أشهر اكتشفت خيانتها لي مع عامل بسيط، واجهتها فاعترفت وقالت أنه يعاملها بآدمية أكثر مني، لم أدر بنفسي، ظللت أعذبها حتى نُقلت إلى المستشفى وظلت في العناية المركزة أسبوعين. الآن أفكر أن أطلقها وأحرمها من الطفل، لكنني لا أريد أن تهنأ بيوم واحد في حياتها، لذلك قررت أن تبقى في البيت حبيسة غرفتها حتى تشعر بالذل وأعطيت الطفل لأمي دون أن أخبرها بأي تفاصيل لما حدث. مشكلتي أنني لا أطيق الحياة معها وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أخبر أحدا لماذا طلقتها، وأشعر أحيانا أنني أُعاقب لأنني كنت رجلاً مستهترا قبل الزواج مع أني لم أعرف امرأة غيرها منذ زواجنا!
قسوة متبادلة
يقول الإمام علي رضي الله عنه: quot;خالطوا الناس مخالطة إن متم بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكمquot;، فمن خلال المعاملة الحسنة يضاعف الإنسان رصيده من الحب والاحترام في قلوب الآخرين، ويصنع تاريخاً قوياً للعلاقة بين الطرفين يحميها من الانزلاق في مشكلات قد لا يجدي الندم عليها. منذ البداية وعلاقتك بزوجتك مضطربة وتسير على حافة القلق والتوتر. لقد تبادلتما القسوة حتى قضيتما على ما تبقى من الود والاحترام اللازمين لاستمرار علاقة الزواج، ولم تراعيا وجود طفل منّ الله عليكما به.
إن حياتك المستهترة قبل الزواج خلقت داخلك إحساساً مستمرا بالذنب وخوفاً من أن تفعل زوجتك بك ما فعلته أنت مع نساء أخريات، فظل الشك هو المحرك الأول لك، وكأنك تنتقم من كل النساء في شخصها، فأصبحت تهينها باستمرار أمام الآخرين كما لو كنت تزيح عليها كل كراهيتك للأخريات، فمن الواضح أنك لم تستطع أن تسامح نفسك على علاقاتك ولكنك أبقيت الجرم كله على شريكاتك اللاتي ربما من بينهن زوجات، فتحولت زوجتك إلى كبش فداء لهن جميعا!
إن إفراطك في ضربها وإهانتها خلق داخلها دافعاً قويا للانتقام منك.. ولم يعصمها من ذلك وجود طفل يجب عليها احترامه وحفظ حقه في الإبقاء على صورة إيجابية للأم، فأطفالنا جاءوا إلى الحياة بقرار منا لا بإرادتهم هم ورغبتهم، لذا يجب علينا حفظهما بعيدا عن أي تشوه أخلاقي واجتماعي ونفسي نعاني منه.. لذا فإن إقامة زوجتك لعلاقة مشوهة مع إنسان غير متكافئ معها لا تعني بحثها عن الإشباع الجنسي المفتقد في علاقتكما، وإنما انتقام نفسي من ذاتها ومنك. تنتقم لكونها لم تستطع الانفصال عنك وفرض عليها أن تعيش علاقة هي الطرف الضعيف فيها. تنتقم منك فتلحق بك العار مع شخص أدنى منك وكأن لسان حالها يقول: quot;أُجبرت على الحياة معك مُهانة، ضعيفة وها أنا أعيش معك جسداً فقط، بل وأعطيه لمن هو أدنى منك، أما روحي فقد ماتت على أعتاب القسوةquot;. بالطبع لا أبرر خيانتها لك ولنفسها ولطفلها، فالخيانة لا يبررها شيء.. وإنما فقط أحاول إضاءة زوايا معتمة في علاقتكما ربما تصلح ما فسد.
لا أملي عليك قراراً وإنما أعتقد أن التعذيب لن يحل الأمر ولن يعيد حياة فقدت معناها، فلا تعالج الخطأ بخطأ أكبر.. راجع نفسك بصدق، فكلاكما شارك في هذا الوضع المؤسف، وجعل من الطفل دُمية وساحة للحرب غير الشريفة بينكما. إن استطعت أن تغفر أنت لها، وتتسامح هي معك وتستأنفا حياتكما بشكل حقيقي وتحاولا الاستفادة من أخطاء قاتلة في العلاقة وتتعاملا باحترام وإن كان خاليا من الحب.. فهذا أفضل من أجل ابنكما. أو لا مفر من اتخاذ قرار الطلاق الذي فرض نفسه أكثر من مرة، وليتحمل كل طرف وزر ما قام به في حق الآخر.
د.رضوى فرغلي / مُعالجة نفسية
التعليقات