( 1 من 2 )

ولدت حركة التغيير بقيادة السياسي الكردي نوشيروان مصطفى في ظروف مؤاتية من حيث إزدياد النقمة الشعبية ضد سلطة الحزبين الرئيسيين في كردستان وهما الديمقراطي الكردستاني ( البارتي) والإتحاد الوطني ( اليكيتي ) التي بدت مظاهر الفساد تستشري في أوصالهما، ويخطيء من يظن أن توهج شخصية نوشيروان ومواقفه الداعية الى إجراء الإصلاحات داخل حزبه السابق الإتحاد الوطني الذي كان يحتل فيه منصب نائب طالباني والذي ت تلك المواقف سببا ساعد في الإنتشار السريع لحركة التغيير وسط الجماهير الشعبية، حيث نجحت الحركة في فترة قياسية لم تتجاوز عدة أشهر قليلة من إنتزاع ربع مقاعد البرلمان الكردستاني وإضعاف موقع الإتحاد الوطني في معقله التقليدي بمحافظة السليمانية، لكنني أعتقد بأنه حتى لو لم تكن تلك الحركة بقيادة نوشيروان فإنها كانت تحقق نفس النتائج لو قادها شخص اخر لسبب بسيط وهو أن الغضب الشعبي من سلطة الحزبين بسبب إيغالهما في الفساد وإهمالهما لحاجات ومطالب الشعب خصوصا المعيشية قد وصلت الى الذروة، وكانت الإنظار متجهة بالحاح الى ظهور المنقذ من الوضع الكارثي الذي حل بالمجتمع الكردستاني نتيجة انتشار الفساد الذي وصلت الى جميع مرافق الحياة.لذلك كان من الطبيعي أن تنعقد الآمال الشعبية على نوشيروان وحركته السياسية الجديدة الداعية الى التغيير، ونسي من دخلوا الحركة أو ساندوها سواء بالتصويت لصالحها في الإنتخابات أو بالإنضمام اليها كأعضاء، أن نوشيروان الذي فشل في توجيه قيادة حزبه وهم لا يتجاوزون بضعة عشرات ممن بيدهم مقاليد الأمور داخل الحزب نحو الاصلاح والتغيير، هو أعجز من أن يقود حركة جماهيرية بإتجاه التغيير كما ظهر فيما بعد.

ومن الأخطاء التي يؤاخذ عليها نوشيروان هو إمتناعه عن المشاركة بحكومة الإقليم التي تشكلت بعد الإنتخابات البرلمانية لعام 2009، فرغم أن أنصار حركته قد صوتوا لبرنامجه الداعي الى مكافحة الفساد وكان ذلك شعاره الإنتخابي الرئيسي، وبرغم العروض التي قدمت له بمنحه 4-5 وزارات بحكومة الإقليم بما يتناسب مع حجم مقاعده في البرلمان، لكنه رفض المشاركة بتلك الحكومة مفضلا قيادة جبهة المعارضة،مع أن وجوده داخل الحكومة كان سيساعد على أن يكون له مواقف ضاغطة عليها في العديد من القضايا الأساسية للمواطن الكردي في مقدمتها قضية الفساد، وبهذا الرفض للمشاركة خيب نوشيروان امال انصاره ومؤيديه وظهر الاحباط مبكرا بين أنصار حركته.

الخطأ الثاني الذي إرتكبه نوشيروان كان من خلال ركوبه لموجة الإحتجاجات الأخيرة التي شهدتها السليمانية. فبرغم مشروعية الإحتجاجات الشعبية التي لم ينكرها أحد من قيادات الإقليم بما فيهم رئيسها مسعود بارزاني ورئيس الحكومة برهم صالح، لكن حركة التغيير سارعت بإستغلال الفرصة لتمرير أجنداتها السياسية من خلال الحدث،وهذا أمر طبيعي من كل حركة سياسية أن تستغل التظاهرات أو الإحتجاجات لفرض أجندتها على السلطة، ولكن الذي حدث أن أداء حركة التغيير خلال فترة الإحتجاجات تحول من مشروع للأصلاح السياسي الى مشروع إنتقامي هدفه الإتحاد الوطني الذي إنشق عنه نوشيروان ولم يستثن ذلك المشروع الحزب الديمقراطي الحليف للاتحاد الوطني.

يتذكر المواطن الكردي أنه عندما هبت عاصفة الثورات على المنطقة العربية وإنتقلت الى كردستان كانت السلطة وخوفا من تداعيات الأحداث ونتائجها على إستعداد تام لتلبية مطالب الشارع الكردي، وأكرر ثانية بان تلك المطالب كانت مشروعة مئة بالمئة قبل أن تستغلها حركة التغير والحزبين الاسلاميين الآخرين لتمرير أجنداتهم من خلالها، ولكن اصرار نوشيروان قائد المعارضة على إسقاط الحكومة والبرلمان معا وهما مؤسستان شرعيتان منتخبتان ولهما مدة دستورية محددة تنتهي بنهاية الولاية البرلمانية، حول مشروعهم التغييري والإصلاحي الى مشروع إنتقامي ضد سلطة الحزبين الرئيسيين، وهذا ما أرعب المواطن الكردستاني من ان تؤدي الاحداث والتطورات المتلاحقة الى إنهيار تجربته الديمقراطية التي ضحى من أجلها مئات الآلاف من أبناء الشعب الكردي، الى جانب تعزيز مخاوف هذا المواطن من عودة الإقتتال الداخلي بكل مآسيه مجددا الى كردستان، خاصة وأن نوشيروان المعروف بتطرفه وراديكاليته قد لا يتردد في اشعال فتيلها مرة أخرى، خاصة وأن هدف هذه المرة هو السعى لتسلم السلطة والإطاحة بالحزبين العريقين في كردستان.

لكن الخطأ القاتل الذي إرتكبه نوشيروان في أوائل أيام إندلاع التظاهرات هو توجيهها نحو استهداف مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني رغم معرفته الأكيدة بأن هذا الحزب بحكم إنقسام إدارة كردستان لا سلطة له في السليمانية، لكن يبدو أن نوشيروان أراد من وراء ذلك إحداث الفتنة في المدينة ودفع قيادات السلطة الى التقاتل فيما بينها، وكادت الأمور في البداية أن تتطور فعلا الى ما لايحمد عقباه عندما أغضبت تلك الإعتداءات الحزب الديمقراطي على السلطات الأمنية التابعة للإتحاد الوطني بالسليمانية والتي إتهمها الحزب الديمقراطي بالتلكوء والتقصير في حماية تلك المقرات. والى اليوم لا زال الكثير من المراقبين يتساءلون عن أسباب ذلك الهجوم غير المبرر على مقرات الحزب ولا يجدون تفسيرا لذلك اللهم إلا عند قادة التغيير.

مع سماع ردود الفعل الدولية الغاضبة على السلطات الحاكمة ببعض الدول العربية التي لجأت الى استخدام العنف ضدد متظاهريها وقتلت العديد منهم، وما تبع ذلك من رفض المجتمع الدولي لتصرفات وتعامل الاجهزة الامنية لبعض الدول مع المتظاهرين بالقوة المسلحة، تشجع نوشيروان لتوجيه التظاهرات السلمية نحو مزيد من العنف، فحدثت صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية التي تلقت أوامر صارمة من رئيس الإقليم مسعود بارزاني ومن رئيس الحكومة برهم صالح بضمان أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، ولولا تلك التوجيهات لحدثت حمامات دم فاقت كثيرا ما حصل في العيد من الدول العربية بحكم الحساسيات الحزبية المتجذرة بكردستان وبحكم الثقافات القبلية والصراعات السياسية التي كانت دائما تحمل طابعا دمويا، هذا التصرف الذي كان لعبا بالنارمن نوشيروان سرعان ما إحتاطت لها السلطة بكردستان وحاولت السيطرة على القوات المكلفة بحماية التظاهرات رغم كل الإستفزازات التي كانت تواجهها تلك القوات من قبل المتظاهرين، ولقد كان رئيس الإقليم مسعود باراني محقا في تساؤله عندما قالquot; أين حدث بالعالم أن قتل الشرطي بالتظاهراتquot;؟ ففي العادة أن يقتل الشرطي المتظاهرين وليس العكس، ولكن ذلك حدث في كردستان، وهذا يفضح نوايا وأهداف بعض القوى التي إنسلت الى تلك التظاهرات الشعبية.

عندما إندلعت التظاهرات في السليمانية عاد برهم صالح رئيس الحكومة الذي كان في مؤتمر إقتصادي دولي مسرعا الى كردستان ليتابع الحدث ويتحمل مسؤولياته في إدارة الازمة،ولولا سيطرته المبكرة على الوضع بما عرف عنه من رفضه لإراقة دماء أي مواطن في ظل حكمه لكانت الأحداث تاخذ مسارات غير مرغوب بها خاصة وأنه كانت لدى الطرف الاخر نوايا مبيتة بتحويل التظاهرات الى اشكال اكثر عنفا.

قبل إندلاع الإحتجاجات الشعبية بأيام أعلن الرئيس مسعود بارزاني عن مشروع إصلاحي سياسي بالإقليم، وطلب من الأحزاب الكردستانية بما فيها حركة التغيير والحزبين الإسلاميين اللذان ركبا عربة المعارضة تحت قيادة نوشيروان ان يسهموا جميعا في صياغة مشروع اصلاحي متكامل لتشرع الحكومة بتنفيذه على طريق تحقيق الاصلاح، وبارزاني بما عرف عنه من الوفاء بالعهود كان جادا بإجراء التغيير المطلوب جماهيريا،ولكن حركة التغيير بدلا من أن تستجيب لذلك المشروع أعلنت اصرارها على إسقاط المؤسسات الشرعية بالإقليم، بل أنها رفضت كل الحلول الوسط التي طرحتها قيادة السلطة بما فيها إجراء الإنتخابات المبكرة التي هي تعني بوضوح حل البرلمان والحكومة معا، ولكن حركة التغيير رفضت ذلك أيضا بحجج غير منطقية في مقدمتها تشكيل حكومة إنتقالية تأخذ على عاتقها تنظيم إنتخابات برلمانية بذريعة إجراء إنتخابات نزيهة تحت مراقبة دولية، في حين أن جميع الإنتخابات التي جرت في كردستان في السنوات الأخيرة كانت تجري تحت إشراف ورقابة دولية صارمة آخرها الإنتخابات التي فازت بها حركة التغيير عام 200 بربع مقاعد البرلمان.