بعد توقيع الرئيس السوري على مرسوم إلغاء قانون الطوارئ، والذي إعتمده مجلس الوزراء الجديد، يبدو إن مفعول هذا المرسوم لم يجري تطبيقه على أرض الواقع. كون مثل هكذا مرسوم يترتب عليه جملة من الإجراءات في مجال الحريات العامة على سبيل المثال، رفع سيف التسلط عن رقاب السوريين، فتح مجال الحراك السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي أمام الشعب، إزالة الأجهزة الأمنية المتعددة ( أمن الدولة والأمن السياسي....الخ) لعدم جدواها، إزالة المحاكم الإستثنائية كمحكمة أمن الدولة والمحاكم الخاصة، بالمقابل تفعيل المحاكم المدنية. رفع قوائم منع السفر على المواطنين السوريين المهتمين بالشآن العام، السماح بعودة المهجرين السوريين إلى الوطن والمتهمين فقط بالعمل في المجال السياسي، أو المطلق عليهم تسمية quot; المعارضةquot;. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي. بمعنى آخر، بعد إلغاء هذا القانون، ليس للفروع الأمنية أي عمل مع النشطاء السياسيين، كونهم (السياسيين بالطبع) يمارسون حقهم الطبيعي في السعي إلى الحرية والديمقراطية للبلاد.

لكن الذي حدث في الجمعة الدامية 22.04.2011 والتداعيات التي نتجت عنها في اليومين الأخيرين، إزداد العنف أكثر من القبل وقمع المتظاهرون بشكل فظيع وتم قتل أكثر من 120 سوريا في الأيام الثلاث الأخيرة. بمعنى ان المرسوم الموقع من قبل رئيس الجمهورية كان مجرد حبر على ورق، لا يعيره الأجهزة الأمنية بشيء. بمعنى آخر ان هناك أكثر من قوى في البلاد تتحكم في أحداث سوريا. وكأن الرئيس بشار الأسد لا يملك كل خطوط اللعبة في الساحة السورية.

كما هو معروف للمتهمين في الشآن السوري بإن هناك أربعة جهات في سورية تتمسك بالنظام في سوريا وهي التي تدافع الآن عن مصالحها بالدرجة الأولى، وتحاول كل جهة وبشكل متفاوت ان يبقى هذا النظام مهما كلف الأمر، ومهما تكن النتيجة، مقابل تقديم بعض التنازلات البسيطة إلى المحتجين وكأنها منحة أو هبة من هذه الأطراف إلى الشعب. والجهات الأربعة هي، حزب البعث العربي الأشتراكي والذي يضم أكثر من مليونين من الأعضاء والمناصرين. الفروع الأمنية المتعددة والمتنوعة، و هم أحد الأقطاب الأساسيين من تركيبة هذا النظام. الجيش السوري، بقياداته المقربة من مركز القرار والمتخيرة جيداً، والتي ترى في إنهيار هذا النظام هو إنهيار لهم. وأخيراً عائلة الأسد والمقربين منهم، والذين حكموا البلاد والعباد منذ 41 سنة بيد من حديد وسرقة المال العام، فمن المستحيل ان تتخلى عن الحكم والنظام بسهولة، كونها ترى في نهاية هذا النظام هو نهاية العائلة أيضاً.

موقف الدول الغربية عن مايجري الآن في سوريا، أكدت تقريبا جميع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك منظمة الأمم المتحدة، بان الذي يجري في سوريا من قتل المحتجين أمر غير مقبول إطلاقا، وعلى النظام السوري إجراء إصلاحات حقيقية ومباشرة على أرض الواقع والتوقف عن قمع الحريات العامة والكف عن إستخدام العنف المفرط إتجاه الشعب. الدول الغربية تسعى أيضاً بفرض عقوبات معينة على النظام السوري لكبح جماحها ضد شعبه. بينما موقف الدول العربية والجامعة العربية فمع الآسف، ظل صامتا حتى الآن، فهو موقف متخاذل، موقف جبان عن ما يحدث للشعب السوري على يد النظام. وعلى العكس هناك بعض الدول الصغيرة التي تؤيد النظام وتقف جانب إجرامه. أما موقف المثقفين العرب إتجاه مايجري في سوريا فهم قلة الذين يؤيدون الحركة الشعبية في سوريا من أجل الحرية.

الخطاب الثالث. يبدو أننا على موعد مع الخطاب الثالث للرئيس السوري في خضم الأحداث الجارية في البلاد، والمطلوب منه ان يكون هذا الخطاب، خطابا حاسما لكل الأمور التي يسعى له الشعب السوري الآن، وإلا إذا ما ماطل أيضا كعادته، وهو المتوقع على ضوء كل تلك المقدمات فستكون نهايته ونهاية حزب البعث قريبة جداً. هذه هي الفرصة الأخيرة على الأقل كوجهة نظر مواطن سوري يريد الحرية والديمقراطية في سوريا بإقل الخسائر، وإن كان مقتل حوالي 400 مدني أعزل لمجرد أنهم طالبوا بالإصلاحات قد أحرق كل أوراق هذا النظام. فالمطلوب هو: القيام بإصلاحات سريعة وفي كل النواحي الحياتية، من سياسية، إقتصادية، إجتماعية وثقافية. حل مجلس الشعب وإجراء إنتخابات حرة تقودها الأحزاب السياسية التي تملك إرضية جماهيرية حقيقية في الواقع، لا تزوير إرادة الشعب، بقوائم جاهزة بما يسمى quot;أحزاب الجبهة الوطنيةquot;. وضع دستور جديد لسوريا يضمن حكم مدني للسوريين، وتحديد مدة الرئاسة بإربع سنوات بدلا من الدستور القديم والمعتمد على النصوص الفرنسية لمدة سبع سنوات، وكذلك تحديد فترات الرئاسة لفترتين فقط. تداول السلطة في إنتخابات حرة وبإشراف دولي، فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. الإعتراف بالقومية الكردية كقومية ثانية في البلد مع تثبيت كافة حقوقه القومية في الدستور السوري. والأهم من هذا كله فتح تحقيق شفاف ومحايد ومعاقبة المسؤولين عن كل القتل الذي تم في البلاد، والإعتذار لآهالي الضحايا الذين وقعوا في الأحداث الأخيرة وإعتبارهم شهداء وتعويض ذويهم بشكل لائق. بهذا ربما يعفو الشعب عن النظام ويعطوه فرصة أخرى للإستمرار في الحكم.