بالصوت والصورة تأكد لكل من له عيون أن ما يفعله نظام البعث السوري بالمتظاهرين المدنيين المسالمين العزل يفوق ما فعله القذافي وعلي عبد الله صالح بكثير، ولا يختلف في شيء عما كان يفعله البعثي العراقي الراحل صدام حسين.
لا يوجد ديكتاتور أفضل من ديكتاتور، ولا ظالم أكرم من ظالم، ولا حرامي أشرف من حرامي.

والعالم كله، شرقُه وغربُه، أجمع على احترام حقوق الإنسان وتحريم مصادرة الحريات والقتل الجماعي، إلا حكام العراق الديمقراطي الجديد، فهم يصرون على تبرئة النظام السوري من الديكتاتورية والظلم والعنجهية والهمجية، ويعلنون، دون حياء، أن بعث سوريا مختلف كثيرا عن بعث العراق، وبشار الأسد، ومن قبله الوالدُ الراحل حافظ أسد، غيرُ صدام حسين. فذاك بعثٌ شريرٌ نازيٌ فاشي ديكتاتوري قاتلٌ فاسد، وهذا بعثٌ حضاريٌ ديمقراطي عادل وإنساني ورحيم ولطيف وناعم ورقيق، يموت حبا في عمل الخير، ويتفانى في خدمة الفقراء والمحتاجين، لا يعتقل أحدا، ولا يعتدي على أحد، ولا يدوس بدباباته على إنسان ولا على حيوان، ولا يهدم مسجدا، ولا ينسف منزلا، ولا يحاصر بالدبابات مدينة ولا قرية، ولا يذبح متظاهرا، ولا يطلق رصاصه الحي على امرأة أو شيخ أو طفل، بل يبحث عن طلاب الحرية والمعارضين للديكتاتورية ليدعمهم ويرعاهم، لوجه الله تعالى، دون ثمن سوى مرضاة الله ورسوله والمؤمنين، لا يكتنز ذهبا ولا فضة، ولا يختلس، ولا يخون، ولا يفرط بكرامة شعبه وأمته أبدا، ويقف بالمرصاد لمن تسول له نفسه أن يمد إصبعا إلى شبر ٍ من أرض سوريا، أو إلى زيتونة واحدة من زيتون فلسطين. وإذا ما قصفت إسرائيل موقعا من مواقعه العسكرية يرد بقوة وشجاعة وإباء، ولا ييبيع لاجئا سياسيا لجأ إليه وطلب منه أن يجيره، ولم يدبر اغتيال أحد ٍ في لبنان، ولا في العراق، ولا في جزائر الواق واق.

أحزابُ الإسلام السياسي الطائفي الحاكمة في العراق تقيم المآتم إلى اليوم على ضحايا البعث العراقي ولكنها لا ترى ضيرا في ذبح مئات المتظاهرين في درعا وحمص وحماة واللاذقية ودمشق، ودون حياء.

القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى جلال الصغير قال إن حزب البعث السوري يختلف عن حزب البعث العراقي، وأعلن أنه يعارض التغيير في سوريا خشية وصول السلفيين الى السلطة، مؤكدا أن هذا سيجعل quot;المشكلة الطائفية تتعاظمquot; في المنطقة.

ودلل على نظافة البعث السوري وتاريخه النضالي العريق بأنه استضاف المعارضة العراقية أيام صدام حسين، وسمح لقادة الأحزاب الدينية (الإيرانية) بممارسة التجارة في السيدة زينب، وامتلاك الدكاكين والمنازل والعمارات والفنادق، وبيع المسابح وجوازات السفر السورية الصادرة من المخابرات، والعراقية المسروقة أو المزورة، وتزويرَ الوثائق وبيعَها لمن يحتاج إليها من أخوة الجهاد.

من جانبه أعرب خالد الاسدي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية والنائب عن ائتلاف المالكي عن قناعته بأن quot;معظم ما يجري في سوريا مُفتعل، وليس شيئا جذريا أو أساسيا أو شعبيا، مئة بالمئةquot;. وأشار الى أن quot;هناك عناصر أجنبية تتدخل في الوضع السوري، الأمر الذي نرفضه كما رفضناه في البحرينquot;.

وقال الاسدي quot;نعتقد بأن تدخلا او تحريضا طائفيا او عنصريا في الوضع سيمس القضايا العربية الأساسية، ويؤثر علينا في العراق بشكل مباشرquot;.

يبدو أن هذين القيادييْن الإسلاميين نسيا تلك الزوبعة التي أثارها أخوهم في الديمقراطية نوري المالكي ضد البعث السوري حين اشتكى من غدر النظام، وقال إن لديه كثيرا من الوثائق التي تثبت تورط البعث السوري بإرسال المفخخات والانتحاريين والإرهابيين والبعثيين العراقيين و(القاعديين) لقتل (عملاء) الاحتلال الأمريكي في المساجد والحسينيات ومدارس الأطفال والأسواق الشعبية والمستشفيات والمسيرات الحسينية، وطالب َ الأممَ المتحدة، يومها، بإدانة هذا السلوك البعثي العدواني الأثيم.

لا أعجب إلا من جرأة هؤلاء. كيف يقفون بين يدي الله ويصلون فجرأ أو ظهرا أو عصرا أو عشاءً وهم يباركون حمامات الدم في درعا وحمص وحماة واللاذقية ودمشق وطرطوس ودير الزور، ويجيزون ذبح النساء السوريات والشباب السوريين المسالمين العزل بنيران المدافع والدبابات لأنهم تجرأوا وطالبوا بالعدالة ونادوا بالحرية وحلموا بالكرامة وسألوا عن الفساد والمفسدين؟

كيف يلطمان الخدود ويشقان الجيوب على المتظاهرين البحارنة ويلعنان حكومة البحرين لأنها قتلت ثلاثة ً أو أربعة ً من المحتجين، واعتقلت عشرة أو مئة منهم، ثم يسكتان عن بشار ومخابراته وجيشه الجرار وهو يدك مدنا وقرى آمنة، ويعتقل المئات، ويذبح العشرات من الأبرياء وهم يهتفون (الله أكبر) ويحتمون بالمساجد ويرفعون كتاب الله؟؟

إن العادل والمنصف وصاحب الجوهر الآدمي السليم يرفض القتل في البحرين ويرفضه في دمشق ودرعا ويمقته في مصراته ويجيش الجيوش لصد كلاب المخابرات البلطجية عن جموع المدنيين. على أساس (من رأى منكم منكرا فليغيرْه بيده). أما الطائفي المتخلف فيرى قتلى طائفة معينة حيوانات نفقت، وقتلى طائفة أخرى شهداء وقديسين. بعبارة أخرى، إنه مزور ومنافق لن يحشر إلا مع صدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي وموسليني وهتلر وهولاكو، يدا بيد وكتفا إلى كتف، يومَ الحساب العسير.

فالظلم واحد لا يتجزأ، وقلناها مرات عديدة، لا يمكن لمعمم أن يكون ديمقراطيا أبدا. إن في كل واحد ٍ منهم يختبيء ديكتاتورٌ صغير ينتظر الفرصة ليخرج إلى الوجود ليملأ َ الأرض دما ودخانا وصراخا وعويلا، فقط إذا أصبح خطرُ الجماهير عليه حقيقيا، وإذا وصلت النار إلى أذيال عباءته، وأنذرت مصالحه بالحريق.

إن من يؤسس مليشيا، ويقود عصابات، ويأمر بالخطف والاعتقال الكيفي والقتل على الهوية، ويختلس المال العام، ويزور شهادة، ويُهرب نفطا ودنانير لا يمكن أن يكون عادلا ومنصفا وصاحب ضمير يُحزنه ظلمُ زميلٌ آخر من المختلسين والمزورين والبلطجية وقادة المليشيات.

وهكذا كانت القيم والمقاييس، من أيام هود وعاد، مسألة ً نسبية تتغير من جيل إلى جيل، ومن بلد إلى آخر، ومن شريحة إلى أخرى من أبناء آدم وحواء. فالقتل حلال حينا وحرام حينا آخر، والسرقة سرقة ٌهنا وشطارة هناك، والظلم ظلمٌ في زمن وعدلٌ في زمن، وكان الله في عون هذا العراق الذي يجثم على صدره نفرٌ من هذا النوع الغريب.

في اعتقادي أن هذا الموقف المحزن لحكامنا المعممين العراقيين لا يخلو من سبب إيراني قوي. فمؤكد أن حكام العراق (ذوي الهوى الإيراني المقدس) يدركون جدية المخاطر التي تهدد حكمهم، هُم، إذا ما سقط الحليف المهم والوحيد لولية أمرهم، إيران. والخوف الخوف من أن تنتقل العدوى السورية إلى طهران فتُضعف قدرة الولي الفقيه على حمايتهم من غضب شعبهم حتى وهم المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، خصوصا وأنهم يعرفون أن ليالي العراق حبالى دائما ولا تلد إلا كل عجيب.

وأخيرا، علينا ألا ننسى العامل المصلحي الشخصي الهام. فإن لأغلب قادة المجلس الأعلى وحزب الدعوة مصالح َ وقصورا ودكاكين وشركات وعمارات ومزارع في دمشق واللاذقية وطرطوس وحمص ودرعا أيضا. كما أن العمل في السيدة زينب، بحراسة مخابرات البعث السوري ورعايتها وبركاتها، عبادة ٌ ما بعدها عبادة. وإنا لله وإنا إليه راجعون.