على الرغم من أنّ النظام السوري والإصلاح، لا يمكنهما الإجتماع تحت سقفٍ واحد، في دولةٍ تحكمها المخابرات والأجهزة الأمنية البوليسية القمعية، من أولها إلى آخرها، منذ أكثر من أربعين عاماً، إلا أنّ كلّ هذا الكم الهائل من التاريخ القمعي للنظام وأدواته، لم يمنع البعض من الحالمين، دولاً ومنظمات وشخصيات، من أن تعلّق آمالاً كبيرة على الرئيس السوري بشار الأسد، الذي طالما وُصف غرباً وشرقاً، بأنه quot;رجل الإصلاحquot; السوري، بلا منازع.

بعد فشله في خطابه الأول، من تقديم أيّ جديدٍ فعلي، على صعيد إصلاحاتٍ انتظرها السوريون والعالم طويلاً، وهروبه كلياً من تحديد جهة الإصلاح، وفق جدول زمني محدد، لم يدخر البعض جهداً في الدفاع عن quot;نياتquot; الرئيس الإصلاحية، التي تصطدم دائماً، حسب قولهم، بquot;التيار المتشدد في النظام.
جناح quot;الصقورquot;، حسب دعاة هذه الفرضية، هو السبب إذن، في عرقلة إصلاحات الرئيس، وبعثرة كلّ مشاريعه quot;الإصلاحيةquot;، التي نوى عليها، منذ توليه السلطة قبل 11 عاماً.

كبار رؤساء الديبلوماسية الدولية، غرباً وشرقاً، وقعوا في quot;فخاخquot; نوايا الرئيس، وعبرّوا عن أملهم الكبير في سوريا quot;إصلاحيةquot; ممكنة أو قادمة، تحت قيادة quot;دكتورquot; الإصلاح السوري بشار الأسد.

الخطاب quot;التوجيهيquot; الثاني الذي ألقاه الأسد أمام الحكومة السورية الجديدة، زاد من أمل المؤمنين بquot;إصلاحquot; الرئيس، وبشروا به خيراً، لا سيما وأنّه رفع قانون الطوارئ المفروض على سوريا منذ حوالي نصف قرن(1963)، إضافةً إلى وعود أخرى، بسّن قوانين أخرى جديدة، خاصة بالأحزاب والإعلام والقضاء وأحوال الناس المعاشية. البعض(مسؤولون ومحللون) وصف ذلك بquot;الإنجاز العظيمquot;، وquot;خطوة في الإتجاه الصحيحquot;.

رغم أنّ الشعب السوري أدرى بكذب ونفاق وانقلابات نظامه، كما أن أهل مكة أدرى بشعابها، إلاّ أنه ذهب في هذا الربيع الجديد أيضاً، كما في ربيع دمشق القديم، مع النظام حتى آخر باب، ربما اهتداءً بالمثل الشعبي القائل: اتبع الكذّاب حتى عتبة البابquot;.

بعد ساعاتٍ من الغاء الرئيس لحالة الطوارئ، اثبت الشعبّ، بصدق خروجه لأجل سوريا بلا قوانين طوارئ، كذب النظام الطارئ الذي يعيش على أحوال الطوارئ، وقوانينه الإستثنائية منذ أكثر من أربعة عقودٍ من الظلم الإستثنائي، الذي قلّ نظيره في المنطقة والعالم.

في الجمعة العظيمة الماضية وحدها، التي كان من المفترض أن يخرج المتظاهرون في quot;سوريا جديدةquot; بلا قانون طوارئ، سقط العشرات من القتلى والجرحى، برصاص قناصة وأجهزة quot;النظام الإصلاحيquot;، ثمناً لحريةٍ أرادوها ومشوا إليها، بصدورٍ عارية، هاتفين لها بالروح والدم.

العقوبة لم تطال الذين خرجوا إلى التظاهر quot;بدون إذنquot; فحسب، وإنما طالت أيضاً أولئك الذين سألوا عن المظاهرات، وإمكانية القيام بها quot;مأذونةًquot;.
البعض صدّق كذب النظام، فذهب إلى دوائره الأمنية المختصة، وتقدم بطلبات للقيام بquot;مظاهرات مرخصةquot;، ولم يعد حتى اللحظة.

وفوق كلّ هذا وذاك، لا يزال هناك quot;مطبلون سياسيونquot; ممن يخرج علينا بين كلّ قتلٍ على يد النظام وآخر: quot;اصبروا على الرئيس، فإنّ الله مع الصابرينquot;...quot;صبرتم أربعين عاماً..اصبروا اسبوعين كمانquot;!
أما النظام فلا وقت لديه للصبر على السوريين، للتعبير عن حريتهم ولو مرةً واحدة، بعد سكوتٍ دام أكثر من أربعين عاماً.
لا وقت للنظام، سوى للقتل: قتل سوريا حرّة، وقتل كلّ سوري يريد ركوب رياح تغييرها من الديكتاتورية إلى الحرية، ومن الظلام إلى النور.

تأسيساً على منطق القتل ذاته؛ قتل النظام كلّ من quot;يريد إسقاطهquot;، فكان لا بدّ من توجيه فوهات المدافع والدبابات، إلى صدر درعا وأهلها، الذين قالوا كلمتهم في الحرية، مرّة واحدة وإلى الأبد بلا رجعة عنها.
كان لا بدّ للنظام أن يترجم أقواله الكاذبة في الإصلاحات، إلى أفعال صحيحة وحقيقية على ظهر الدبابات.
إذن، اختار الأسد الدبابة، بديلاً عن الإصلاح، والخراب بديلاً عن البناء، والحلول الأمنية بديلاً عن الحلول السياسية.
ما قالته الدبابات في شوارع درعا، هو ما ستقوله الدبابات ذاتها في سوريا التغيير القادم.

من خَبرَ هذا النظام، يعرف جيداً أنّ لا حلول لديه، خارج الحلول الأمنية المخابراتية الجاهزة.
هذا ليس بجديدٍ أو غريب على طبيعة النظام البوليسية البحتة. الرد بالدبابات كان متوقعاً جداً، من نظامٍ عاجز أصلاً، عن تحقيق أية إصلاحات عاجلةٍ أو آجلة.

قبل أن تشتعل الثورة السورية بثلاثة أسابيع ختمت مقالاً نشر في إيلاف(بعد القذافي أيّ درس سيحفظه الأسد؟) بهذه الأسطر:
quot;الأسد، سيحاول ارتكاب ذات السياسة، وارتكاب المعركة ذاتها مع سوريا. أوَلم يفعل الأسد الأب بحلب وحماة في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، ما لم يفعله رئيس بشعبه؟
ما يرتكبه quot;الإفريقي الأخيرquot;، من قذافيات أخيرة، بحق ليبيا وشعبها الأعزل، الآن، هو الدرس الأكثر احتمالاً الذي سيرتكبه ديكتاتور سوريا الأخير، بشار الأسد، ضد الشعب السوري، متى استطاع إلى ذلك سبيلا.
حاذورا quot;ليبيَنةquot; سوريا، في القادم من غضبها!
حاذروا تكرار quot;ليبيا القذافيquot; الآن، في quot;سوريا الأسدquot; القادمة!
فلا فرق بين ليبيا وسوريا، الآن، سوى المكان؛ وحده المكان هو الفرق بين quot;القذافياتquot; هناك، وquot;الأسدياتquot; ههناquot;!

ما رأيناه من quot;إصلاحاتٍquot; وقتل ودمار وحصار بالدبابات، في درعا وحواليها، ليس سوى أول غيث quot;الأسدياتquot; من بعد القذافيات، والقادم أعظم.

فهمنا هذا النظام، الذي ما فهم شعبه يوماً.
حفظنا هذا النظام عن ظهر قلب، الذي ما حفظ شعبه يوماً.
عرفنا كذب هذا النظام، الذي ما صدق مع شعبه يوماً.
كرهنا هذا النظام، الذي ما أحبّ شعبه يوماً.
نشك جداً بهذا النظام، الذي ما وثق بشعبه يوماً.
ونتوقع من هذا النظام ما لم يفعله طاغية بحق شعبه.

الأسد..إصلاحات ودبابات، هذا هو عنوان الرئيس السوري الذي كان متوقعاً، ووقع.
الإصلاح والدبابة، في قاموس النظام واحد.
الطريق إلى الإصلاح، في فقه النظام، لا بدّ أن يمرّ بسبطانة الدبابة وفوهة المدفع.
لا إصلاح، وفق quot;فلسفةquot; الرئيس السوري، بدون دبابة، ولا دبابة بلا إصلاح.
الإصلاح، بحسب وعود النظام، يعني أنّ الشعب السوري على موعدٍ مع الدبابة وأخواتها.
لا إصلاحات، إذن، بدون دبابات..هذا ما أراد أن يقوله لنا الأسد في درعا.
من درعا فصاعداً، ترقبوا المزيد من الإصلاحات العاجلة، العابرة على ظهر الدبابات!

[email protected]