مايحدث في دوائر السياسة في العراق يدعو الى الدهشة والصدمة ليس لان الكثير من الامور غير متوقعة من غالبية عمال السياسة في العراق بل لان هولاء العمال لايستفيدون من تجاربهم السابقة والحالية بصورة خاصة ولا من تجربة نظام الصنم في العراق والتغير الجوهري الذي حدث في نيسان 2003 نتيجة تراكمات اجتماعية وسياسية خاطئة وايضا مايحدث في وقتنا الحالي في الاقليم العربي من تغيرات جوهرية ترسم أسس جديدة لمنطقة وامة عانت الكثير تحت وطئة الاقصاء والتفرد والديكتاتورية والتي من ابرز سماتها ابتعاد الحاكم عن المحكوم بشكل يدعو الى الاشمئزاز والتندر كما يدفع ان يكون مصير الاوطان على كف عفريت كما يقال في المثل الشعبي العربي الدارج. وحتى كف العفريت بكل خطورته وتشوهاته يكون اكثر رحمة واكثر تقبلا من بعض التصورات النظرية والعملية التي تستوطن العملية السياسية في عراق اليوم، والا ليس من المعقول ان يكون اكبر الهموم للبرلمان وللكتل السياسية عقدة تسمى عقدة نواب الرئيس! والخلاف هنا ليس على برامج او على خطط ستراتجية يطرحها نواب الرئيس المرشحين لهذا المنصب الانتهازي بل الخلاف على هذا النائب او ذلك لمن ينتمي؟ ويمثل من؟ وايضا لكي تتقي شره قائمته او على الاقل quot; لجبر خاطره quot; بهذا المنصب بعد ان اصابه الافلاس من المناصب الاخرى، وكل هذه العملية تجري على حساب المواطن العراقي وليس لاجل فائدته ولذلك تحمل معها كل صفات الانتهازية بكل معنى للحرف من الكلمة.

ومن جانب اخر فان هذا المنصب هو مخالفة دستورية صريحة ومكشوفة للدستور العراقي الذي نص بشكل واضح ان يكون منصب نائب الرئيس لدورة واحدة لااكثر. وثم تجربة الدورة السابقة أثبتت بشكل ملموس ان هذا المنصب هو عبارة عن عبث أضافي ورمز من رموز أعاقة العملية السياسية وتعطيل القوانين التي يصدرها البرلمان بل والادهى من ذلك تعطيل تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة من المحاكم العراقية والاكثر مرارة ان مجلس الرئاسة تحول في الدورة السابقة الى مجلس مساومة سياسية وابتزاز من خلال الاتفاق او الاختلاف بين نواب الرئيس على تمشية قانون مقابل الاخر والعكس ايضا صحيح مع العلم ان هذه القوانين والقرارات كانت تمس في كثير من الاحيان جوهر حياة ومعيشة المواطن العراقي. ناهيك عن الامتيازات التي حصل عليها نواب الرئيس والتي تعادل راتب وامتيازات رئيس الجمهورية بمعنى ان العراق كان يصرف ثلاث رواتب وامتيازات ضخمة غير معلنة حتى هذه اللحظة لثلاث رؤساء بنفس الوقت! اضافة الى جريمة quot; المنافع الاجتماعية quot; والتي وصل حد التمادي بها ان تكون نسبة واحد بالمائة من مجموع واردات العراق، ترافقها سابقة خطيرة ان هذه الرواتب والامتيازات والمنافع الاجتماعية لم تعرض ارقامها وابواب صرفها امام هيئة النزاهة والرقابة المالية منذ انطلاقها و حتى هذه اللحظة.

ويضاف الى هذا الهدر الكبير طواقم لها أول وليس لها اخر من المستشارين والموظفين وافواج الحمايات وطواقم الخدمة ومواكب السيارت المصفحة ومعها الطائرات الخاصة ومصاريف مكاتب رئاسية وقصور اقامة رئاسية والتي تستنزف ثروات البلد دون اي مسوغ واقعي او دستوري.

أن مشكلة الحكام في العراق أبدية وتاريخية quot; حكومات واحزاب وبرلمان وعمال سياسة quot; حينما يقعون في فخ ان العراقي ساكت وممكن ترويضه او اشغاله بامور جانبية اخرى، لكن الواقع الاجتماعي والتاريخ السياسي العراقي يؤكد عكس هذه النظرة الفاشلة تماما، فالعراقي يتحمل وهو ساكت او يتكلم بصوت خافت في مرحلة معينة لكن في مرحلة اخرى وأكيدة ينفجر مرة واحدة ليسحب البساط من تحت اقدام المقصرين والمختلسين والحرامية فيخرج التفنن العراقي المعروف بالانتقام من حكامه، فكيف ينسى او يتجاهل غالبية عمال السياسية هذا الواقع التاريخي المعروف!. وايضا ومع توفر الاليات الدستورية والديمقراطية للتغير الايجابي في عراق اليوم فان الطريق ستكون سالكة في اقرب فرصة أنتخابية ممكنة لتغير هذا التخبط وتوجيه الصفعة المناسبة لمن يستحق ولمن يشارك ومن يدعم هذه الاختلاسات التي تلبس ثوب القانون. ومن جانب اخر اكثر مرونة اذا كان لابد من نائب للرئيس فليكن نائبا واحدا ومن القومية الثالثة في البلد quot; التركمان quot; والتي تشهد تغييب غير محمود في المناصب السيادية، وهذا التصور ان حدث فسيكون جزء من حالة مذهبية وقومية واقعية في توزيع الوزارت والمناصب وليس ابتكار وبدعة جديدة لان الامور تسير بهذه الطريقة حتى اللحظة وهي بحاجة الى دورات لاحقة لتاخذ جوانب اكثر ايجابية. لكن الاصرار على ثلاث نواب او اثنان للرئيس يثير اكثر من علامة استفهام عن الجدوى الوطنية والسياسية لهذا التضخم الذي يسمى مجلس الرئاسة وهو في الواقع ان حدث سيكون اقرب الى جمعية خيرية والابعد على الاطلاق عن اي مجلس سيادي او رسمي مع الاخذ بنظر الاعتبار ان منصب رئيس الجمهورية أصلا هو منصب فخري ليس اكثر.

[email protected]