عندما تناقلت وكلات الانباء العالمية اخبار ووقائع إتدلاع ثورة شبابية شعبية في مصر، لم تتوقع الحكومة إسرائيلية ان تصل الامور إلي حد المناداة باسقاط رأس النظام.. كتب رؤوبين بدهتسور ndash; 8 فبراير - في صحيفة هآرتس quot; من غير الواضح إلي أين ستفضي الإضطرابات التى تشهدها شوارع القاهرة والاسكندرية quot;..
قبل ايام من رفع هذا المطلب والتمسك به والاصرار عليه، عابت اجهزة الإعلام الإسرائلية علي المسئولين عن الشأن المصري سياسيا وأمنيا عدم توقعهم لمثل هذه الثورة.. وفيما بين انطلاق هذا الشعار من ميدان التحرير عقب أحداث واقعة الجمل الشهيرة يوم 2 فبراير وحتى رحيل الرئيس السابق، بذلت الحكومة الإسرائيلية قصاري جهدها لكي تضع العثرات في طريق الأخذ به ووضعه موضع التنفيذ.. فمن ناحية عملت علي دفع الولايات المتحدة ومعها كبريات الدول الاوربية للعمل بكل طاقتها لكي يبقي نظام الرئيس السابق في مكانه.. وسعت من ناحية أخري عن طريق اللوبي اليهودي الأمريكي ndash; الذي يسير في فلكها - لكي توضح للإدارة الامريكية مدي الخسائرالجسام التى ستصيب مصالحهما الاستراتيجية المشتركة في قلب الشرق الأوسط، لو لم يًساروع الرئيس أوباما بصفة شخصية عملية وفعالة لمساندة النظام المصري بكافة الوسائل السياسية والأمنية حتى لا ينهار..
وقف وراء الجهد كما اجمع المحللون أن ثمانية رؤساء وزارت إسرائيليون تبوأوا مناصبهم خلال السنوات الثلاثون التى تواصل فيها حكم مبارك quot; اعتمدوا عليه كسند استراتيجي حتى عندما اداروا حروبا في جبهات أخري وعمقوا من مظاهر احتلالهم ومعالم مخططات استيطانهم في قلب القدس والضفة quot;..
اليوم.. أصبحت تداعيات القلق حيال التغيرات التى تشهدها الساحة المصرية خاصة فيما يتعلق بآليات اتخاذ قرارات السياسة الخارجية تجاههم، أشهد وضوحا وأكثر تناولاً وأوسع إنتشارا، في ضوء الملاحظات الثلاثة التالية..
1 - مغادرة اسحاق ليفانون سفير إسرائيل القاهرة يوم 17 الجاري للقيام بزيارة quot; مفتوحة quot; لبلده للتشاور، في اعقاب مظاهرات الاحتجات الشعبية التى وقفت يوم 8 ابريل قبالة المبني الذي تقع فيه مكاتب سفارته وكذا امام قنصلية بلده في الأسكندرية لعدة ساعات تنديداً بالغارات التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، بعد أن سمحت بها اجهزة الأمن المصرية لأول منذ أكثر من ثلاثين عام..
2 ndash; مخاوف نتنياهو من ضبابية مستقل علاقات حكومته مع مصر والتى وصفها بـ quot; العدائية التى تثير القلق البالغ quot; وذلك ضمن سياق لقاءه مع سفراء الاتحاد الأوربي والتى نشرتها صحيفة هآرتس ايضا يوم 17 ابريل..
3 - ما نقله راديو الجيش ndash; يوم 20 ابريل - علي لسان رئيس جمهوريتها من ضرورة الحرص علي استمرار العلاقات التاريخية بين الجانبين، تلك العلاقات التى يدعي فيها شمعون بيريز كذبا علي التاريخ انها ساهمت في استقرار المنطقة وعززت اجواء السلام فيها !!..
بعد تنحي الرئيس السابق..
حرص العدد الأكبر من وسائل الإعلام الإسرائيلية، كنوع من quot; التقية quot; التى يظللها مبدأ quot; يكاد المريب يقول خذوني quot;.. علي..
-ترديد ونشر وترسيخ مقولة أن دوافع الثورة quot; ليس لها علاقة بسياسات التقارب مع إسرائيل التى حرص عليها نظام مبارك quot;..
-وتوقع البعض الآخر أن مصر تخطو نحو المجهول بعد أن سقط quot; الحكم الذي كان الغرب يظنه قوياً ومستقراً quot;..
-أما غالبية التقارير فطالبت بعدم الإنشغال بما حدث في مصر وكيف حدث؟؟..
وبغض النظر عن المأتم الذي أقامه الكاتب السياسي عاموس كرميل لأن إسرائيل والقوي الغربية لم تقدم الدعم الكافي quot; لفرعون مصر quot; لكي يبقي في سدة الحكم.. وكذا عن الأقوايل التى راهنت علي أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة quot; سيسرق quot; الثورة المصرية من أصحابها.. وما طالب به البعض من ضرورة العمل علي تقوية إذرع نظام الحكم الجديد في مصر بعدما يُبرهن علي أنه ليس حكماً عسكرياً متنكراً في زي مدني أو اسلامياً يتخفي في ثوب متطور، هناك ما يشبه الإجماع علي..
-قرب عودة quot; مصر إلي موقع الريادة quot; الذي إفتقدته طويلاً علي مستوي المنطقة العربية، وهذا في رأيهم يحمل مؤشر لابد أن تأخذه إسرائيل والولايات المتحدة في الإعتبار خاصة في ضوء إنفتاح طاقات النقاش quot; السلمي quot; حول دور الإسلام والتيارات الإسلامية في تشكيل ملامح مرحلة الحكم التالية في مصر..
-فقدان إسرائيل بنهاية سنوات حكم مبارك لـ quot; حليف quot; من المتوقع أن يستبدل بـكماشة ضاغطة لحساب مصلحة مصر العليا ولأهداف العربية معاً، فبعد إهمال القيادة المصرية المخلوعة quot; لمطالب جماهيرها quot;.. تشير كل التوقعات إلي حرص القيادة الجديدة علي التواصل معهم والانفتاح عليهم وتتبني أفكارهم التى كانت دائما في غير مصلحة إسرائيل لا علي المستوي الثنائي ولا علي المستوي الاقليمي..
-المطالبة الرسمية والشعبية بإعادة النظرفي إتفاقية الغاز وفق الأسعار العالمية، لا يمثل إلا بداية متواضعة لما ستشهده الأيام القادمة من مراجعات لكافة العلاقات التي تربط الجانبين سواء فيما يتعلق بهما مباشرة او بالقضية الفلسطينية او علاقاتهما الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية..
وهذا إن دل علي شئ، فإنما يدل علي أنهم يتوقعون رسميا وشعبيا أن تجبر التغيرات التى تشهدها الساحة المصرية حكومة إسرائيل..
أولاً.. علي وقف العديد من مشاريعها الإنمائية التى كانت تستثمر فيها نحو ثلث ما كانت تخصصه لميزانية دفاعها القومي علي مدي الـ 25 عام الماضية في ظل الإطمئنان للجهبة المصرية، وأن تعيد هذه الملايين إلي مكانها الطبيعي لكي تتمكن من الحفاظ علي أمن مواطنيها بعد أن فقدت نظام الحليف الذي كانت تأمن جانبه.. الأمر الذي يعني خسارة فادحة قد لا تساعد ميزانية الولايات المتحدة التقشفية علي محو أثراها..
ثانيا.. بعد أن كانت سياسة مصر الخارجية تقف إلي جانب إسرائيل فيما يتعلق بالمخاوف التى يمثلها نظام الحكم الإيراني،.. أصبح عليها أن تستعد لما سينجم من تداعيات فور تبادل القاهرة وطهران لكامل علاقاتهما الدبلوماسية وبرغم التأكيدات التي جرت علي لسان القيادة العليا للقوات المسلحة المسئولة عن أدارة الشئون المصرية في الفترة الراهنة وما صرح به وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي، إلا ان هذا الهاجس يوالي تفاقمه مع مرور الأيام حتى بلغ درجة الهوس التى عبرت عنها صحيفة يديعوت يوم 4 الجاري بالقول أن إسرائيل تعاني ربما بعد بضعة أشهر من تصاعد الخطر الإيراني..
ثالثا.. في اعقاب تنحي الرئيس السابق بلغت المخاوف الإسرائيلية منعطفاً أمنياً غير مسبوق، وذلك حين طالبت بضعة أصوات بالإستعداد ليوم quot; تغلق فيه مصر قناة السويس quot; في وجه إسرائيل.. فبعد أن كانت التحليلات تتنبأ ببقاء الأوضاع في القاهرة علي ما هي عليه حتى سبتمبر 2011 ما يعني أن لدي إسرائيل متسع من الوقت لاعادة ترتيب أوراقها، أصبحت مضطرة لوضع خطط بديلة لإستراتيجيتها بين عشية وضحاها كما قال المحلل السياسي برون لندن في صحيفة يديعوت يوم 14 فبراير الماضي.. وهذا يعني أن أي تغير في نمط ما كانت حكوماتها المتعاقبة قد تعودت عليه طوال الثلاثون عاما الأخيرة، سيوصف بأنه عدواني ومقلق ويحتاج إلي ايضاحات.. الخ..
رابعاً.. الأكثر من ذلك في رأي، أنهم يتخوفون ndash; كما كتب دوري جولد 3 أبريل الحالي في صحيفة إسرائيل اليوم - من تبعات عودة ثقة المواطن المصري في نظام حكمه الذي سيجد نفسه ملزماً من الآن فصاعداً بتنفيذ توجهات الرأي العام الذي كان معارضاً شكلاً وموضوعاً لمواقف نظام الحكم السابق المتوائمة مع سياسات إسرائيل..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
الدكتور حسن عبد ربه المصري
التعليقات