الشائعات كانت كثيرة حول مكان أسامة بن لادن، إن كان في باكستان أو في أفغانستان. والتكهنات كانت أكثر حول إن كان حيا ً أصلا ً أم قتل في معارك تورابورا. ومابين الفينة والأخرى يظهر شريط لبن لادن يؤكد حياته وسط تشكيك حول صوته إن كان حقيقة أم كان مفبركا ً. لكن الولايات المتحدة الامريكية تبدو متأكدة أنه مازال حيا ً. أما الآن، وقد أعلن عن مقتله وإحضار جثته في عملية كوماندوس أمريكية، حسب وكالات الأنباء العالمية، فهل نصدق مقتل بن لادن؟
يبدو أن بن لادن قتل فعلا ً، إلا أن موته ليست له قيمة كبيرة على الصعيد العسكري والفكري، بل هو إنجاز معنوي يسجل لصالح الولايات المتحدة الامريكية، وهو إنجاز لأوباما وللديمقراطين الامريكين في إنتخاباتهم القادمة. بالتأكيد وبدون أدنى شك، مقتل بن لادن هو من الأخبار السعيدة التي يتلقاها الإنسان في صباحه الباكر، وهو فرحة للكثير من الثكالى واليتامى والأرامل وكل ضحايا القاعدة في جميع أنحاء العالم. فأسامة بن لادن يعتبر رمز من رموز القاعدة رغم تقليص دوره في السنوات الأخيرة. إلا إنه مالذي يمكن أن يفيده موت بن لادن؟ يبد أن موت بن لادن لايبدو مهما ً بشكل كبير من الناحية العسكرية والفكرية للكثيرين عدا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
ففي السنوات الأخيرة تقلص دور بن لادن لصالح أيمن الظواهري لأسباب أمنية تتعلق بمطاردة بن لادن من قبل الولايات المتحدة. وأخذ الظواهري دوره في قيادة القاعدة وسط منافسة كبيرة مع الجيل الثاني من القاعدة، أولئك الذين عادوا من أفغانستان لبلادهم، وكلنا يعرف قصة منافسة الزرقاوي مع بن لادن والظواهري حتى وقت مقتله. أما من الناحية الفكرية فقد دخلت القاعدة، فكريا ً، مرحلة الجيل الثالث وهو إنتماء الكثيرين من العناصر الشابة للتيار الجهادي من خلال التواصل عن طريق الإنترنت. فالجيل الثالث يعتمد على التجنيد الفردي ومن غير وجود قيادات وإرتباطات بشكل عضوي مع قيادات القاعدة. وأغلب المنتمين إلى الجيل الثالث هم شباب متعلمون غاضبون من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأفغانستان، وللكثير منهم تاريخ جنائي حسب قول الباحثين في هذا الموضوع. فالفكر الجهادي المعتمد على إقصاء وإلغاء الآخر من خلال تكفيره موجود ولم يمت. فهذا الفكر يعتمد على القراءة السلفية الحرفية للنص الديني، ويعتمد على نظرته بإمتلاك الحقيقة المطلقة كأي فكر تأسيسي. ومن جانب آخر ساعدت سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الخارجية بتجذير هذا الفكر من خلال عملية الإقصاء المتبادل ونظرتها وتعاملها مع الشرق الأوسط بإستهانة كبيرة. وحسبك في هذا غزوها للعراق وأفغانستان ومن خلال دعم الولايات المتحدة للدكتاتوريات في المنطقة في مقابل دعم غير محدود لإسرائيل.
إذن، من الناحية الفكرية والعسكرية مازال فكر بن لادن موجودا ً في عقلية الفكر السلفي الجهادي والذي انتشر بشكل كبير بعد الهوة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية بين الشرق والغرب والدفع بإتجاه الصدام بدل الحوار، إبتداءا ً من صناعتها لظاهرة الجهاديين وإستغلالهم في أفغانستان ضد الإتحاد السوفيتي السابق، وليس إنتهاءا ً بإستقطابهم في العراق من خلال فتح الحدود بلا رقيب بعد الغزو ليدخل العراق في حمام دم مازال العراق يدفع ثمنه إلى الآن، وكاد يودي بالعراق لحرب طائفية جنبنا الله إياها. أما الآن فالفكر السلفي الجهادي ينتشر في الدول الغربية بين الشباب اليائسين الذين يشعرون بالتهميش والأقصاء بإعتبارهم مسلمين في المجتمعات الغربية، وأنتشر في الشرق الأوسط بفعل الدكتاتوريات العصية على التغيير والتي من خلال القمع توفر بيئة خصبة للفكر المتطرف. لكن، ومن الأشياء المبشرة بخير هي موجة التغيير التي تجتاح البلدان العربية والتي تمهد لموت الفكر السلفي الجهادي من خلال الديمقراطية.
فبعد العراق وتونس ومصر ربما القائمة ستطول للدول التي سوف تتحول نحو الديمقراطية، وإن كانت هذه الديمقراطية بشكلها البدائي، وإن كانت متعثرة هنا وهناك، وإن كانت ستأخذ وقتا ً طويلا ً بحكم الثقافة العربية التي تتعارض مع الديمقراطية. بالتأكيد ستكون الحريات التي سوف تتمتع بها الشعوب هي الوسادة التي سوف تخنق التفكير المتطرف والذي يدفع نحو الإقصاء والتهميش ومن ثم الفعل من خلال عمليات إرهابية. نعم، عندا يموت هذا الفكر المتطرف بفعل الديمقراطية حينها سوف يعلن موت بن لادن الحقيقي. إن دعم التحولات في المنطقة سيكون أكثر نفعا ً من موت بن لادن. فأبن لادن كشخص فاعل مات منذ أمد بعيد وبقيت أفكاره المتطرفة تجوب الأرض بحثا ً عن مكان تتأقلم فيه لتنطلق من جديد. أما ماهو مهم هو كيف يمكن التخلص من الفكر المتطرف، فموت بن لادن قرين بموته. إن ذلك يمكن أن يتم من خلال ملاحقة هذا الفكر وقتله بإشاعة الحريات والمساواة ومن خلال التعددية في الأنماط الثقافية والسياسية، والإعتراف بالآخر، بوجوده وبحقه في العيش والحياة والتعبير عن نفسه سياسيا ً وثقافيا ً وإعلاميا ً، وليس بعملية كوماندوس كما فعلتها الولايات المتحدة الأمريكية.
- آخر تحديث :
التعليقات