منذُ ولادتنا وحتى يومنا، ورجل الأمن ضيفٌ مقيت في حياتنا؛ أيُ موظفٍ في سورية لرجلِ الأمنِ يدٌ في توظيفه، فَصلُ أي موظفٍ لرجل الأمن يدٌ في فصلِه، ترقية أي موظف لرجل الأمن يدٌ في ترقيته، أي مسؤولٍ في الدولة لرجل الأمن يدٌ في تزكيته، كل عضوٍ في مجلس الشعب لفروع الأمن فضلٌ في عضويته، أعضاء ومدراء الأندية الرياضية والعمالية والطلائع والشبيبة معظمهم يتم اختيارهم من قبل رجل الأمن، معظم شوارع الوطن أصبحت محلات تجارية مخالفة بدعم رجل الأمن، كل مخالفة بناءٍ عشوائي تتم بحماية رجل الأمن، معظم بسطات الدخان والبضائع المهربة والأكشاك المنتشرة والمظاهر غير الحضارية بحماية رجل الأمن، معظم الجمعيات السكنية والقروض البنكية تيسّرُ بأيدي رجل الأمن، كل قادمٍ وخارجٍ من وإلى الوطن يمر جيبه بكفِ رجل الأمن، كل معتدلٍ يتعاطى بإيجابية مع النظام أصبح معارضاً شرساً والفضل لممارسات رجل الأمن، كل شيوعي أو علماني يصبح سلفياً وعميلاً فقط في تقرير رجل الأمن، كلُ متطرفٍ يُصبح مقاوماً بطلاً بمباركة رجل الأمن، كل شريف وغيور على الوطن يصبح خائناً فقط في تقرير رجل الأمن، استخراج شهادة ميلاد، هوية، جواز سفر يحتاج موافقة رجل الأمن، الزواج وإحياء حفلة تحتاج موافقة الأمن، عرضٌ مسرحي، سينمائي، أمسية شعرية، محاضرة علمية، طباعة وتوزيع كتاب، صحيفة، حتى خبر نعوة، تحتاج لموافقة رجل الأمن، بيع وشراء الأراضي لبعض الناس تحتاج موافقة الأمن، حفر بئر ليروي الفلاح أرضه يحتاج لموافقة الأمن، فقط الهواء والماء لا يحتاجان لموافقة رجل الأمن.

لو كان ذلك ممكناً لكان الهواء والماء قطع عن المواطن أيضاً منذ ألف سنة، رجل الأمن الوحيد الذي يشهر سلاحه ويقتل دون أن يُحاسب، يُهدد، يشتم، يُرعب الناس، يخالف أنظمة المرور، يقود سيارته بعكس السير، يخاطب نخبة الوطن وطلاب الجامعات بكلماته الشهيرة: (حيوان ndash; قرد ndash; عميل). رجل الأمن لا يمكن له أن يعيش خارج سورية لدقيقة، لذلك تجده يدافع عن نفسه ومكانه باستماتة، فلا عجب إن وجدنا كل رجل أمن حوله ألف مواطن أو أكثر يتباركون ويتمسحون بهباته وعطاءاته ويشدون من أزره ويقدمون الطاعة على بابه، ولا عجب أيضاً أن نرى أن نصف سكان العالم أصبحوا يتمنون أن يصبحوا رجال أمن.

فهل هذا هو (رجلُ أمن) أم (رجلٌ ضد الأمن)؟
في النهاية، أنا أيقن أن أمور البلاد ربما ستسير نحو الهدوء في حال القيام بأول خطوة قامت بها البلاد التي نجحت فيها الثورات مثل تونس ومصر، بحل أجهزة الأمن، وتشكيل لجنة تتلقى دعاوى من مواطنين ضد رجال أمن سابقين تضرروا منهم بشكل أو بآخر، لكن ما أخشاه، بما أن عدد سكان سورية اثنان وعشرون مليوناً، لو أن كل قضية أخذت سنة، ربما سنحتاج إلى اثنين وعشرين مليون سنة حتى ننهي هذه القضايا.



كاتب سوري كردي
[email protected]