فى كثير من الفرق والتيارات متطرفون قد يكونون قلة لكن صوتهم يكون مسموعا وعاليا لأن أثره كبير قد تزهق نفوس وتراق دماء فضلا عن ردود أفعال أصحاب الضحايا والمتعاطفين، وهو لم يقتصر على المسلمين فقد كان انفجار أوكلاهما فى أمريكا، والعنف فى إيرلندا الشمالية بين طائفتين مسيحيتين، وفى كوسوفو والبوسنة والهرسك، وهتلر ألمانيا، وغيرها كثير ليس من الإسلاميين لكن وقعه كبير ولم يصطلح عليه غربيا بالإرهاب. أما تفجيرات 11/9 الإرهابية فقد أدت إلى حربين جبارتين واحتلال أفغانستان والعراق وتدميرهما والمجئ بعملائهم لحكمهما ولازال البلدان يشهدان أكبر الفساد والقتل والتهجير والظلم. من الجانب الآخر يحاول بعض الإسلاميين نسبة التطرف إلى الآخرين دائما لأنه يفتقد النقد الذاتى والموضوعية ولديه قوالب جاهزة فى التفسير والتأويل خصوصا نظرية المؤامرة وقد نسى قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) (إنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين) (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والحديث النبوى (ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر) (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها ولو من الكافر) والمثل المعروف (رمتنى بدائها وانسلت)، حيث كان التطرف الإسلامى منذ العهود الأولى للرسالة الإسلامية وقد راح ضحيته الصحابة وبعض الخلفاء الراشدين فقد كفروا الخليفة الثالث عثمان بن عفان (أقتلوا نعثلا فقد كفر) هكذا شبه بعض الصحابة الخليفة بنعثل اليهودى ثم حكموا بكفره وقاموا بمحاصرته 22 يوما وقطعوا عنه وصول الماء والطعام ثم قتلوه بشكل وحشى رهيب وهو يقرأ القرآن فاختلطت دماؤه بالمصحف مع أطراف أصابعه وزوجته ولم يمتلكوا ذرة من الرحمة أوالرأفة حتى لمتعلقيه وهم يحفظون قوله تعالى (ولاتزر وازرة وزر أخرى) لو كان له تلك الوزرة الموجبة لاستباحته، وهى مفقودة فعلا، حيث كتب الطبرى فى أحداث 35 هجرية (إبتدأت الفتنة بعد أن أعلن الغوغاء والغلاة المسلمون فى مصر والبصرة والكوفة الثورة على الخليفة عثمان تحت شعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فانشق المسلمون وأعلنوا الثورة والعصيان حتى حاصروا الخليفة 22 يوما مانعين الماء والغذاء عنه حتى قتلوه بوحشية...). وأيضا قام الخوارج أصحاب الجباه السود حفاظ القرآن الكريم صائمو النهار قائمو الليل، المسبحون لله بكرة وأصيلا وأكثر الناس زهدا وورعا وذكرا وتمسكا بالطقوس، لكن دون وعى وعقل وتدبر وحكمة فى قوالب جاهزة بين الأبيض والأسود، بتكفير الإمام علي ثم قتله وهو يصلى فى محراب الكوفة ليلة القدر من شهر رمضان المبارك تقربا إلى الله بقولهم

ياضربة من تقى ما أراد بها إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا

لله در المرادي الذى سفكت كفاه مهجة شر الخليقة إنسانا

أمسى عشية غشاه بضربته مما جناه من الآثام عريانا

هذا بعد حربهم له فى النهروان وسيلت دماء ما يقرب من أربعمائة ألف من المسلمين، كما حصلت بين المسلمين الحروب والدماء أيضا فى صفين والجمل آنذاك وغيرها، كما قتل الكثير من الصحابة وأهل البيت كطلحة والزبير وعمار بن ياسر، والحسين بن على فى كربلاء، وابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة وقد ضربت الكعبة آنذاك بالمنجنيق، كل ذلك ليس من الكفار بل ممن يسمى بالمسلمين. هكذا نشأت الفرق الإسلامية وكل يدعى هو الفرقة الناجية كما حصل التكفير بين بعض الفرق حتى حارب بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا كما شرحت سابقا فى بحث (ثقافة الفرقة الناجية). لعل الخوارج من أشد الفرق الأولى تطرفا لدرجة أنهم تحولوا إلى قطاع طريق لايسمحون لمسلم أن يمر إلى المدينة حتى يكفر عليا ومعاوية وابن العاص فإن أبى قتلوه ومثلوا به وقد يعتدون على زوجته ويبقرون حملها ويقتلون جنينها. وغيرهم من الفرق على مر التاريخ الإسلامى كثير، لذلك فإن أسامة بن لادن لم يأت من فراغ فكري أو عقائدى أو فقهى فإن عبد الله عزام المرشد الروحى وصاحب كتاب (آيات الرحمن فى جهاد الأفغان) ومؤسس مجلة (رسالة الجهاد) ونشرة (لهيب المعركة) حول ما سماه تحرير أفغانستان من السوفيت، وأيمن الظواهرى المنظر لجهاده فى كتابه (فرسان تحت راية النبى)، معتمدا كثيرا على أفكار السيد قطب المنظر للسلفية الجهادية والمجدد لفكر الإخوان المسلمين فى كتابيه (معالم فى الطريق) و(الجهاد فى سبيل الله) مع حسن البنا وأبى الأعلى المودودى فى التنظير للحاكمية والجاهلية والشريعة والحدود والمجتمع الجاهلى والتكفير وتقسيم المجتمع وغيرذلك مما هى تأويل لنصوص من القرآن والحديث بشكل متطرف حتى يحول كل مجتمعنا إلى مجتمع جاهلى وكافر وما يرتبه عليه من استحلال دمائه وأمواله وأعراضه، علما أن الحقيقة أنه إنتقاء غريب وعجيب لبعض النصوص الدينية بعد إخراجها عن سياقها وظروفها وأسباب نزولها وشرائطها الموضوعية مع ترك نصوص كثيرة مقابلة لها تماما وتغير الإصطلاحات وفهمها ومدلولاتها منذ عصر الرسالة إلى تبادرات عجيبة وغريبة متطرفة، وما يحمله كل ذلك من تهافت وتناقضات وتطرف وجهل بعيدا عن روح النص ومبادئه السامية وقيمه الرفيعة. وكان من نتائجه تكفير أبى مصعب الزرقاوى لفئة كبيرة من المسلمين الشيعة وقتل آلاف الأبرياء منهم فى العراق حتى فى الأسواق والمحلات العامة وافتخاره بقتلهم متوهما رضوانا من الله وعشاءا مع النبى الكريم. ومن الجانب الآخر التطرف الشيعى الصفوى الفارسى الذى كرس زمن الدولة الصفوية الإيرانية فى تكفير المسلمين السنة وسب الخلفاء الراشدين ولعنهم والتبرئ منهم حتى ألف محمد باقر المجلسى فى كتابه بحار الأنوار ثلاث مجلدات فى ذلك ورفعوا من الطقوس بحجة (يا لثارات الحسين)، والعلماء الإيرانيون كالخمينى والآملى وجنتى ورى شهرى والخراسانى والشيرازى والخامنئى والسيستانى والمشكينى وأتباعهم مثل ياسر الحبيب وكمال الحيدرى وعبد الحميد المهاجر والفالى والكربلائى والشاهرودى ومجتبى الشيرازى حتى أنهم عبروا عن غيرهم بالمذاهب الباطلة والمنحرفة وأصحابها بالطاهرين المسلمين ظاهرا وتقية لكنهم النجسون باطنا والكفار حقيقة والمخلدون فى نار جهنم قطعا ويقينا بناءا على تأويلهم للتولى والتبرى وغيرها من العقائد الباطنية الصفوية، وهاهم يوزعون الجنة والنار كيف يشاؤون وحسب هواهم ومصالحهم ومقاساتهم، ولازالت زياراتهم لقبر المجوسى أبى لؤلؤة فى إيران واحتفالات قم وحوزاتها ومراجعها بقتل الخليفة عمر بن الخطاب بما يسمونه (فرحة فاطمة الزهراء) وكتب كثيرة منها قديمة مثل (سليم بن قيس) (بحار الأنوار) (الأصول الأصيلة) (غرر البهاء) (جامع الأسرار) وثقافة الأدعية والزيارات مثل (دعاء صنمى قريش) و(زيارة عاشوراء) وفيها لعن الخلفاء الثلاث وكتب حديثة كثيرة مثل (فرحة الزهراء) و(مشارق أنوار اليقين) و(كشف الأسرار) للخمينى فضلا عن مئات الأحاديث والروايات المتناقلة رغم ضعفها سندا ودلالة كما حقق فى محله وذكرته فى مقالى (الأحاديث الموضوعة) وغيره، لكن المرجع الدينى عندما يعبر عن الخليفة الراشد فى بحثه الخارج ب(الزنديق) بدل (الصديق) ولخليفة آخر بغير مؤمن وليس طاهرا وتنقصه الولاية الحقيقة وهي مناط قبول الأعمال. كذلك الأحزاب الطائفية حيث قال زعيم أحد الأحزاب الشيعية الحاكمة اليوم فى العراق عن خليفة راشد

(من جده هو خاله ووالده، ومن أمه هى أخته وعمته فكيف لايبغض عليا)

ومتهما عرض النبى الكريم بالشرف رغم آيات قرآنية

(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

ثم يدعى أنه يريد استرجاع خلافة الإمام على بالعراق بعد أن سرقت قبل ألف وأربعمائة سنة فى سقيفة بنى ساعدة، كذبا وزورا وتمويها، وإذا به يسرق قوت الفقراء والمحرومين ويستولى على جامعة عريقة باسمه الشخصى رغم تزويره الشهادة الثانوية ليصير مليارديرا باسم الإسلام والإسلام منه برئ وغيره

وقد اجتمع التطرف بجهتيه فى إيران اليوم حيث التقارير العالمية تكشف علاقة فيلق القدس الإيرانى بالقاعدة والعديد من قياداتها التى لجأت إلى إيران وحصلت على دعم لوجستينى إيرانى لعملياتها فى العراق ومختلف الدول كما أشارت التقارير الأمنية العراقية ويعرف العراقيون الأثر السلبى لتوغل فيلق القدس ودعم ميليشيات القتل والقاعدة خصوصا أبى مصعب الزرقاوى وممره الإيرانى الآمن. ولازالت إيران بمعاييرها المزدوجة تقمع شعوبها بوحشية كبيرة وهى تعامل العرب بعنصرية واستبداد رهيبين وعاش العراقيون خصوصا الأسرى محنة ومأساة لامثيل لها عالميا، كما تدعم إيران النظام السورى ضد ثورة شعبه التحررى مذكرة بمجازر حمص وحماة حيث ذكرها الرئيس التركى، كما دعمت إيران المالكى وتحالف وصوله للسلطة وأفتت بحرمة المظاهرات ضده، لكنها اندفعت فى البحرين بعكس الثورات الشعبية الأخرى معتقدة تبعية البحرين للأمبراطورية الفارسية العنصرية وهى تجند عملاءها المعروفين فى خلايا الأزمات. لكن الحقائق بدأت تتكشف بعد عالم العولمة والإنفتاح وتغير موازين المعادلة السياسية حيث انكشفت جرائمهم فى إيران والعراق حيث ينادى الشعب العراقى (إيران برة برة، وبغداد تبقى حرة) كما ضعف أهم داعمين لهم وهما القذافى والأسد حتى أن الثورات الشعبية بدأت تنجح من تونس ومصر وغيرها إضافة أن أنصارهم بدؤوا يتخلون عنهم شيئا فشيئا حتى أن حماسا اتفقت مع فتح فى مصر الحرة والثورة وليس فى سوريا المستبدة أو إيران الطاغوتية وهما أعداء التحالف بين الفصائل الفلسطينية ويقتاتون على خلافات الآخرين، ثم قتل ابن لادن زعيم تنظيم القاعدة بعد تشتتها وانقسام قياداتها، والمتوقع سقوط النظامين السورى والليبى وكذلك عملاء إيران فى المنطقة بتوقع تعجيل سقوط أسوأ نظام إستبدادى متطرف باسم الدين، والدين منه برئ، متمثلا بالتشيع الصفوى وتصدير الثورة وحكومة ولاية الفقيه من قتل وتكفير وتفريق وطائفية وحقد وعنصرية فى منطقة الشرق الأوسط، نحو عصر جديد من ثورات الشباب نحو حرية

وكرامة وإنسانية ومحبة وسلام ووئام

(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون