هناك عنصر مشترك بين (الحرب) و (الارهاب) هو: خلق حالة من الرعب والرهبة والضرر لعامة الناس او لشريحة منهم، يفوق عدد الاشخاص الذين يشكلون الهدف المباشر للفعل او الباعث.
فمثلا، ان هدف عمليات الحادي عشر من سبتمبر (الارهابية)، ليس مردها حجم الضحايا الابرياء الذين سقطوا دون ذنب في البرجين الشهيرين في نيويورك، بل حجم الرعب والرهبة التي احدثتها تلك العمليات. أنها صاعقة، امتدت نيرانها الى مناطق مختلفة من العالم، بدءاً من أفغانستان، ومرورا بالشرق الاوسط عن طريق غزو العراق، والتهديد بتغيير انظمة الحكم القائمة والحرب ضد الاسلام. وتؤكد معظم تقديرات المراقبين والخبراء، بأن ما يجري الان، هو مجرد بداية الجحيم الكبير لاحتمال حرب كونية قد تفني البشرية.
ونفس الشيء ينطبق، فيما يخص الهدف من (حرب) عاصفة الصحراء عام 1991. فهدف الحرب وفق قرار مجلس الامن رقم (678) هو تخويل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة، لأخراج القوات العراقية من الكويت، وأستعادة سلطة الحكومة الشرعية. بينما جرت عمليات القصف العسكرية في مناطق بعيدة عن ميدان القتال في الكويت. وكان حجم الخسائر للبنية التحتية للعراق ونظام الحصار الاقتصادي الشامل الذي فرض على العراق، قد تجاوز كثيرا الهدف من الحرب، لعدم علاقته بمهمة اخراج القوات العراقية من الكويت او اعادة الحكومة الشرعية وفق تفويض قرار مجلس الامن المذكور..!
يؤكد المثالين اعلاه بأنفصال اعمال (الحرب) او (الارهاب) عن التقييم الاخلاقي للدافع او الباعث الذي حض على ارتكاب الفعل. فقد يكون المسؤولون عن الحرب او النشاط الارهابي من دعاة الحرية والدفاع عن حقوق الانسان، ويرتدي دافع الحرب او دافع الارهاب ثوب اخلاقي، ولكن انعكاسات العمليات الحربية والاهابية، يدفع ثمنها الجسيم دائما المدنيين الابرياء فقط ؟ وهذا يظهر بان الهدف الحقيقي من (الحرب) و (الارهاب) هو الانتقام والتهديد المبطن لفرض الهيمنة.
أما وجه الاختلاف بين (الحرب) و (الارهاب)، فهو عدم امتلاك الاخير تعريف متفق عليه دولياً. ولا عقوبة خاصة به. وسبب ذلك ليس لعدم امكانية تعريف الارهاب، فهو قانونا قابل للتعريف، ومعرف على صعيد الانظمة الداخلية للدول، ولكن على الصعيد العالمي، ترفض الدول الكبرى والاكثر نفوذا (وهي في عالم اليوم الولايات المتحدة) اي محاولة لتقنين الارهاب على الساحة الدولية.
وهدف الولايات المتحدة من قبول تعريف عالمي موحد للارهاب هو لخلط الاوراق، وتعريف الارهاب على طريقتها الخاصة، واضفاء صفة الارهاب على خصومها فقط. وغالبا هم مناضلي الحرية داخل بلدانهم. اما مصالحها الحيوية في الخارج ومصالح اصدقائها والتي تنفذها بوسائل ارهابية، فهي دفاع عن النفس ونضالا من اجل الحرية والديمقراطية !!
وادى ذلك الى ان يكون الارهاب مجرد مظلة ينطوي تحتها افعال مختلفة يجمعها عنوان الارهاب بصورة جزافية.. وكانت النتيجة عدم استطاعة المشرع الدولي من تحديد ملامح ظاهرة الارهاب الدولي وصورها والاسباب المولدة لها، وبالتالي لم يتمكن من وضع طرق معالجة هذه الظاهرة والتعامل معها بطريقة علمية.
ووفقا للقاعدة الاساسية في القانون الجزائي الداخلي والدولي : أن quot;لاجريمة ولا عقوبة بدون نصquot;، ولعدم وجود تعريف جامع مانع للارهاب يمكن الاستناد اليه، ظهرت تعاريف عديدة لمفهوم الارهاب، مما اتاح الفرصة امام الدول التي تمثل الطرف الاقوى، لتعريف الارهاب على طريقتها الخاصة. فتصف بعض النشاطات بالارهاب والبعض الاخر دفاع عن النفس. وقد عبر عن هذه الحالة الكاتب (فولك) بقوله :( ان العدد الكبير من تعريفات الارهاب يعبر بصورة عامة عن التاكيد الانتقائي للمفسر).
وفي التفكير القانوني السائد في الولايات المتحدة الامريكية، يُستبعد النشاط الارهابي عن العمليات العسكرية، ويُقتصر النشاط الارهابي على الافعال التي يقوم بها الافراد المدنيين في زمن السلم، بصفتهم الفردية او بصفتهم اعضاء في كيانات سياسية. ويستبعد النشاط الارهابي عن الدول او الافراد العاملين نيابة عن الدول. ويشترك في هذه الرؤية جميع السياسيين والوكالات الحكومية الامريكية.
لهذا السبب لم يؤثر قرار الكونغرس الامريكي بادانة مساعد وزير الخارجية الاسبق آليوت أبرامز على مستقبله السياسية. فرغم اتهامه بشهادة زور في فضيحة (ايران كونترا) ورغم نشاطاته الغامضة في امريكيا اللاتينية والوسطى في عهد ريغان، حيث كان يمول المليشيات المناهضة للشيوعية، لتنفيذ اعمال وحشية في السلفادور، ولكن مع ذلك، عينه الرئيس الامريكي جورج بوش الابن مدير لدائرة الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي في البيت الابيض..
وفي قرار تعينه لهذا المنصب ذكر المتحدث باسم البيت الابيض (آري فلايشر) بان هذا التعين يعود لدور (أبرامز) المهم في ارتقاء الديمقراطية في امريكا اللاتينية والوسطى. وطبعا سيكون أرامز مجاهدا صنديدا لبناء الديمقراطية في الشرق الاوسط بعد جهوده الديمقراطية المتميزة في امريكا اللاتينية ازاء خصومه الذين وصفهم (بالافاعي )...!
والرؤية الامريكية التي تستبعد الارهاب عن الحرب وعن زمن الحرب، تحصل على تبريرها النظري من المفكرين الامريكين من الطراز التقليدي في السياسة الدولية، التي تفسر النتائج بدون الرجوع الى الاسباب.. يقول الكاتب لاكور : ( الحرب وحتى الحرب الاهلية، يمكن التنبأ بها بعدة طرق فهي تحصيل حاصل في وضح النهار، ولا يوجد اي غموض حول هوية المشتركين فيها. وحتى في الحرب الاهلية توجد قواعد معينة في حين أن الخصيصتين المميزتين للارهاب هما خفاء الهوية وأنتهاك القواعد الراسخة).
اما الكاتب الامريكي (مايكل ولتز) فيؤكد على وجود خصيصة تميز الارهاب عن الحرب فيقول: ( أن العشوائية هي الخصيصة الحاسمة للنشاط الارهابي. فالارهاب بالمعنى الدقيق هو القتل العشوائي للاشخاص من الابرياء).
يظهر بشكل واضح من هذه المقارنة بين (الحرب) و (الارهاب)، بأن الهدف منها لا يتعدى اطار الدفاع السياسي، وتبرئة (الحرب) من النشاط الارهابي. ولكن هذا التبرير من الناحية القانونية مرفوض وغير سليم، لانه يتجاهل افعال الارهاب التي تقع اثناء العمليات الحربية المرتكبة من قبل الدولة بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة عن طريق منظمات صورية تنشئها الدولة وتغذيها لهذه الغاية. وهي افعال قد تتماثل في الخطورة او تزيد عن النشاطات الارهابية الخاصة بالافراد او الحركات السياسية من حيث عدد الضحايا او حجم الخسائر المادية.
اضافة الى أن الافعال الارهابية سواء تحدث في زمن السلم او في زمن الحرب، وبغض النظر عن (الفاعل)، سواء كانت الدولة او الافراد او الحركات السياسية، فانها تؤدي الى نفس النتائج وهي: أيقاع الضرر بالمدنيين الابرياء المحميين باحكام القانون الدولي الانساني.
وعلى سبيل المثال فان حالة الارهاب التي يخلقها خاطفي الرهائن لاسباب شخصية كطلب الفدية، لاتختلف عن حالة الارهاب التي يخلقها خاطفي الرهائن لاسباب سياسية (عقائدية) وهي لا تختلف عن حالة الارهاب بسبب التعذيب في معسكرات الاحتلال او في معتقلات الاجهزة الامنية الحكومية السرية والعلنية. أن حالة الارهاب في كل هذه الحالات واحدة. وهي عمل مؤذي وقبيح ويستحق الشجب والعقاب بغض النظر عن الباعث الذي يحرك الفاعل.
يقول الاستاذ بسيوني في تحليله لعلاقة العلة والمعلول بين الفعل والنتيجة عند المجرمين الذين تحركم بواعث سياسية (عقائدية) وبين المجرمين العاديين.. يرى بأن حالة الفاعلين الذين تحركهم بواعث عقائدية أكثر تعقيدأ. لذلك يتسائل ويقول: ( لماذا يجب أن يعتمد التركيز الرئيسي على الحالة الذهنية الشخصية للفاعل عوضا عن السلوك الموضوعي للفعل ؟ وباختصار لماذا لا نصف عمل قتل المدنيين الابرياء كجريمة موضوعية بغض النظر عن الهدف النهائي للفاعل ؟)
ويستنتج الدكتور بسيوني، بانه عوضا عن ايجاد تبرير مربك لتمييز متدرج للجرائم، لماذا لا نستند الى المبادى الاساسية للمسؤلية الجنائية التي اعترف بها منذ وقت طويل وطبقت في كل نظام قانوني في العالم كاساس للمسائلة ؟
ويحلل الدكتور محمد عزيز شكري الرؤية الامريكية التي يتم بها التعامل مع جريمة الارهاب ويصفها كالتالي:
(أولا) يتم تسييس الجريمة في مرحلة التجريم، ويعتبر الباعث السياسي (العقائدي) هو العامل الحاسم في الجريمة.
(ثانيا) ومن اجل تحديد الحد الاقص من الجزاء على الجريمة، تنزع عنها الصفة السياسية، ويعامل الفاعل كمتهم عادي والجريمة نفسها جريمة عادية، من دون اخذ السببية بعين الاعتبار.
(ثالثا) ومن اجل اجراء محاكمة سريعة وسهلة من قبل الحكومة او الحكومات المعنية للمتهم ذاته، يعاد تسيس الجريمة من جديد، وتوصف الجريمة نفسها بانها جريمة ذات شان دولي.
ان هذا النوع من السلوك المتغير والمتناقض اتجاه نفس (الفعل) يجعل من جريمة الارهاب جريمة شديدة الغموض، مما يؤدي الى أجهاض العدالة وانتهاك لحقوق الانسان. وهذه الرؤية الغامضة التي تحيط بجريمة الارهاب، تبدو بانها امر ضروري، ومتعمد من قبل الولايات المتحدة، لتتمكن من اضفاء صفة الارهاب وبشكل اعتباطي على من (تريد) ووفق مصالحها، لا وفق مقاييس الحق والعدالة.
وهي الان تقود الحرب على الارهاب دون ان تعرف من تحارب والى متى ستحارب؟ في حين أن كل الشرائع السماوية وحكمة الفلاسفة عبر التاريخ تؤكد بأن مبعث الارهاب هو الظلم والعدوان...! فهل الولايات المتحدة من خلال الحرب تكافح الارهاب فعلا ام تصنعه؟
د. راقية القيسي
باحثة في جمعية الحقوقيين العراقيين-بريطانيا
[email protected]
التعليقات