الكل يعلم ان فترة الركود السياسي في كركوك مازال على حاله دون ظهور اية بادرة للخروج بحل يرضي جميع الاطراف في المدينة، ولو ان المشهد حصل فيه تغيير من خلال اختيار ممثل عن الجبهة التركمانية رئيسا لمجلس المحافظة وتغيير المحافظ، ولكن مازال المسرح السياسي بحاجة الى مشهد جديد ثابت يرسي آمال الثقة والاستقرار والسلام الدائم على بر الأمان لسكان كركوك المكون من الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين.

ومن خلال قراءة المشهد برؤية واضحة نجد ان الاسباب الحقيقية التي تقف وراء ركود الحالة في كركوك تكمن في ما يلي:
bull;عدم وضوح الرؤية لدى الاطراف السياسية بشأن القضايا الرئيسية خاصة منها مصير كركوك وملف المطلب الكوردي باعادتها الى اقليم كردستان.
bull;التمسك بسياسة الانفراد في الرؤية السياسية لكل طرف دون تحويرها وتعديلها لمراعاة الرؤى المقابلة.
bull;عدم تقديم نموذج للانفتاح السياسي والتعددي من قبل المكونات المتجمعة للاستدلال بها عن النهج العام لكل طرف، وطرح نموذج انكار الاخر وانكار الحقوق والاستحقاقات الانتخابية دليل على عدم عقلانية النهج الذي يسير عليه بعض الاطراف السياسية.

bull;تعامل البعض مع القضايا الدستورية وكأنها وثيقة هامشية، بينما هي في الحقيقة اكبر انجاز تشريعي لتنظيم امور الدولة العراقية وضامن حقيقي لفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمفصل لتنظيم ارادة العراقيين بعربه وكرده وتركمانه ومسيحييه، والضامن لنقل السلطة وفق الالية الديمقراطية، مع ضمان الحقوق والحريات الاساسية للجميع.
bull;خلفية الثقافة البعثية التي تتحكم بسلوكيات وممارسات وتصريحات وبيانات بعض الشخصيات المتجمعة في المكونات السياسية، والاسلوب الاستعلائي الذي يسيطر عليهم، وكأن العهد الجديد لم يبدي بسقوط صنم الطغيان.

أمام هذا الواقع للمشهد السياسي في كركوك، يأتي التقارب الكوردي التركماني بالأمل المرتجى لاخراج الحالة الخاصة بالمدينة من أزمته السياسية، ووضع النقاط على الحروف لضمان ايجاد حل شامل يرضي جميع الاطراف مع الواقع السياسي في العراق واقليم كوردستان، واثبتت التجربة ان الرؤية الكوردية كانت واقعية ومتسمة بالحكمة لتثبيت حلول عملية للقضايا السياسية والقومية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية، وبعكس هذا اثبتت التجربة فشل الرؤى غير الواقعية التي تبنتها جهات معينة في كركوك، وكذلك اثبتت التجربة ان التقارب مع الاقليم خير للمجموعة السكانية المتنوعة في كركوك من التقارب مع العاصمة الاتحادية المتسمة واقعها بتعقيدات كبيرة بسبب الصراعات السياسية بين الاحزاب والكتل والتيارات على السلطة والامتيازات، وثم أن بغداد أثبتت أنها طوال سنوات لم ولن تقدر على توفير الأمن والاستقرار والخدمات لأهاليها فكيف بها أن تقدر على حل مشكلة كركوك وأن تضمن حقوق التركمان، لهذا فان الحل الحكيم لهم هو الاتفاق مع الكرد والانضمام الى اقليم كردستان.

والوقائع طوال عقود برهنت على أن المشتركات التي تجمع بين المكونين الكوردي والتركماني في كركوك هي الاكثر التصاقا وتطابقا بين الطرفين بسبب مرورهما باحداث قاسية وتعرضهما الى قمع واستبداد وطغيان من لدن الانظمة السابقة وانكار الحقوق القومية والسياسية، ولا شك ان المشتركات التي تجمع بين كل من هذين الطرفين مع المكونات السياسية العراقية متباعدة ولا يمكن جمعها في بودقة واحدة، وانتشار قوات البيشمركة على مشارف كركوك في الفترة الأخيرة أثبت تفهما متقابلا وأرسى ثقة متبادلة بين الكرد والتركمان للبدء بمرحلة جديدة.

لهذا فان الضرورات التي تعجل وتسرع من التقارب الكوردي التركماني، لا بد من التسريع بها للحصول على اتفاق بينهما يضمن الاغلبية المريحة في كركوك لتحديد مصير المدينة لصالح مواطنيها، ولا شك ان احد عوامل ضمان هذا التقارب هو قبول الطرف التركماني بوثيقة كوردية لضمان الحقوق القومية والوطنية لتحقيق المشاركة السياسية في كركوك وفي اقليم كوردستان حسب الاستحقاقات الانتخابية او التوافقية.

ولا شك ان الوثيقة الكردستانية يجب ان تحمل رؤية واضحة وجلية للطرف التركماني لتأمين حقوقهم الدستورية والسياسية لضمان تأييدهم على انضمام كركوك الى الاقليم، ومع تحقيق تمثيل سياسي لهم في حكومة وبرلمان كوردستان وفي الهيئات المستقلة وكافة مؤسسات الاقليم وفق الاستحقاق القومي، على ان يتم طرح هذه الوثيقة ضمن رؤية حكيمة للقيادة الكوردية لتوفير ضمانات حقيقية للطرفين للتعامل مع واقع جديد يخدم جميع الاطراف، ولا شك ان الالتزام بهذه الالية سيشكل نقلة نوعية في عقلية الاطراف السياسية على اساس ضمان الشراكة الحقيقية للحكم المستند الى خيار الجميع.

وبهذا الصدد لابد أن نشير الى ان بعض القيادات الكوردية يتسم علاقاته مع التركمان والعرب بالتفهم الكامل، ويمكن لهذه العلاقات ان تساعد على بلورة هذا التقارب وفق خارطة طريق تضمن حقوق الجميع، وفي هذا المجال يمكن أن يقوم رئيس الجمهورية جلال الطالباني ونائبه في حزب الاتحاد الوطني كوسرت رسول علي بدور مهم لتحقيق هذه الغاية الوطنية لحسن علاقاتهما مع الاطراف السياسية في كركوك للوصول الى اتفاق مرضي مع برلمان كردستان ورئيس الاقليم مسعود البارزاني رغم أن الاقليم يعاني من مشكلات الفساد المالي والاداري وأزمة سياسية بين المعارضة والسلطة ولكن هذه المسائل في طريقها الى الاصلاح والحل السياسي.

لهذا نجد للتقارب الكردي التركماني ضرورة حتمية لصالح الطرفين لتحقيق انفراج حقيقي وحل حكيم للوضع في كركوك لإلحاقها بكردستان في حالة التزام الكتل والاطراف السياسية فيها، ولابد ان يثمر هذا التقارب عن تحالف متين ليشكل أرضية صلبة لضمان حقوق التركمان والنهوض بهذه المحافظة التي تعاني من أزمات خدمية وحياتية لاحداث تطور حقيقي فيها موازي للتطور الحاصل في الاقليم، ولهذا نأمل من إخواننا التركمان أن يحسموا امرهم لتحقيق تقارب حقيقي مع الكرد والانضمام الى كوردستان لحسم الأمر واخراج أزمة كركوك من عنق الزجاجة التي ترقد فيه من سنوات.

[email protected]
كركوك-29 نيسان 2011