من قتل يقتل ولو بعد حين واعتراف تنظيم القاعدة بمقتل زعيمه quot;أسامة بن لادنquot; خير دليل على مقتله باعتبار أن هناك قاعدة قانونية تقول: quot;الاعتراف سيد الأدلةquot; وبالتالي يزول الشك وتتوارى نظرية المؤامرة التي راجت عقب رواية البيت الأبيض المتناقضة حول مقتل زعيم تنظيم القاعدة حيث لم تفلح في إقناع قطاع واسع من الناس بأن quot;بن لادنquot; الذي شغل العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد انتهى، فقد شاب هذه الرواية مغالطات من بينها القول إن quot;بن لادنquot; قتل برصاصة في رأسه بعد أن قاوم قوات الكوماندوز المهاجمة، وساقت الإدارة الأمريكية رواية أخرى تقول إن الرجل لم يكن مسلحا، وانه قتل مع إحدى زوجاته وابنته، بعدها تبين أن الزوجة والابنة لا يزالا على قيد الحياة، وروت ابنة quot;بن لادنquot; للمحققين باكستانيين إن القوات الأمريكية ألقت القبض على والدها أولا ثم أطلقت الرصاص عليه، وحين تأكدت من مقتله نقلوا جثته إلى مروحية عسكرية، وغادروا المكان وهو ما يشكل وصمة عار في جبين الولايات المتحدة.

بهذه النهاية حقق quot;بن لادنquot; ما أراد، مات دون أن يقع أسيرا في يد أعدائه، وإذا كانت العدالة تقتضي تقديمه للمحاكمة وإدانته بالأدلة ثم إصدار الحكم عليه، وهو ما لم يكن يريده، فقد كان يرغب في أن يموت شهيدا وحقق له اوباما ما أراد، ضاربا بالقوانين الدولية عرض الحائط، وتصرفت إدارته كشرطي وقاض وحكم، ونفذت قواته الإعدام رميا بالرصاص في زعيم القاعدة، ومهما تباينت الآراء حوله، فقد كان quot;بن لادنquot; بالفعل أسطورة، من حياة القصور في السعودية إلى كهوف وجبال quot;تورا بوراquot; إلى أن استقر في quot;ابوت أبادquot; دفاعا عن أفكاره بعد طرد السوفيت من أفغانستان، في مقاومة الوجود الأمريكي في جزيرة العرب، والحكام الذين يدورون في الفلك الأمريكي وصولا لإنشاء الدولة الإسلامية، استطاع بشخصيته الكاريزمية أن يجذب الأنصار في كل مكان لكن فكر القاعدة ما لبث أن تلاشى في أعقاب حركة التغيير السلمي في تونس ومصر.

كان quot;بن لادنquot; في نظر الولايات المتحدة بطلا وباحثا عن الحرية، وهو يحارب السوفيت في أفغانستان، وأمدته بالسلاح، وشجعت الشباب العربي والمسلم على الانضمام إلى quot;بن لادنquot; في أفغانستان ونجح هؤلاء الشباب في طرد الاتحاد السوفيتي المنافس والعدو اللدود لواشنطن، وشرعت الولايات المتحدة في تأمين مصالحها في أسيا الوسطى، ثم انقلبت الإدارة الأمريكية على quot;بن لادنquot; عقب انهيار الاتحاد السوفيتي بعد أن تأكد لها أن الفكر الجهادي الذي اعتنقه يقف ضد كل محتل أو غاصب لأي جزء من دار الإسلام، وهو ما يعيق خطط الولايات المتحدة الرامية إلى بناء قواعد عسكرية في منطقة الخليج بعد أن مهدت لصدام حسين غزو الكويت ثم طردته في عملية عسكرية ونشرت على أثرها قواتها في الخليج بحجة حماية هذه الدول من تهديدات الجيران، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يتحول quot;بن لادنquot; من حليف إلى عدو.

حاولت الولايات المتحدة أن تلاحق بن لادن باعتباره إرهابيا قتل المدنيين وهو سبب ليس مقنعا للكثيرين فهم ينظرون إلى الولايات المتحدة القطب الوحيد في العالم والتي لديها مسؤولية أخلاقية باعتبارها حامية للحريات بأنها المسئولة عن قتل ألاف من المدنيين خاصة في أفغانستان والعراق، وهو ضعف ما قتل laquo;بن لادنraquo; وليس بإمكان الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل في السر والعلن على حساب الحقوق العربية وتستخدم quot;حق الفيتوquot; في كل ما يدينها أن تدعي أن القيم التي تدافع عنها أعلى شأنا من تلك التي كان يدافع عنها quot;أسامة بن لادنquot;.

وعلى الرغم من اختفاء فكر القاعدة في الخمس سنوات الأخيرة، وعدم الاهتمام بشريط quot;أيمن الظواهريquot; الأخير الذي علق فيه على الثورة المصرية، فان قتل بن لادن ربما يشكل بداية النهاية لتنظيم القاعدة، خاصة أذا نجحت إدارة اوباما في التخلص من الظواهري العقل المدبر للتنظيم، وقد تدل وثائق عثرت عليها قوات الكوماندوز في منزل بن لادن على اقتفاء اثر الرجل الثاني، وهو ما يمكن أن يعجل بنهايته، ومع تلاشي فكر القاعدة وهبوب رياح التغيير، ونجاح ثورة تونس ومصر بشكل سلمي وكذلك قرب نهاية أنظمة ليبيا وسوريا واليمن، فإن هذه التطورات قد تضع نهاية طبيعية لفكر القاعدة الذي يقوم على العنف والقتل كسبيل للتغيير، خاصة وقد حققت هذه الثورات ما لم يستطع تنظيم القاعدة تحقيقه علي مدي عقدين من الزمان.

ومهما يكن من أمر فإن التاريخ سيتوقف طويلاً أمام ظاهرة laquo;بن لادنraquo;، الذي استطاع بمجموعة من رفاقه دون دعم من احد أن يستنزف القوة العظمى مادياً ومعنوياً، بل ودفعها إلى التسليم بنظام دولي متعدد القطبية، كما أن مقتل quot;بن لادنquot; بهذه الطريقة وإلقاءه في البحر سيحوله إلى أسطورة كبرى.

فؤاد التوني
إعلامي مصري