بعد إشتعال الشارع الكردي في 17 شباط الماضي توالت الأحداث بكردستان ورافقتها الكثير من أعمال العنف والتي وصلت الى حد الهجوم على مقرات حزبية وإحراق عدد من

الجزء الأول

المباني، وتطورت أخيرا الى قيام المتظاهرين بالاعتداء اليومي على القوات الأمنية وتحديدا شرطة النشاطات المدنية وهي بالأساس قوات غير مسلحة، ما أثار مخاوف السلطات بالإقليم من تطور الأحداث بإتجاه المواجهة المسلحة بين المتظاهرين والقوات الأمنية وإراقة المزيد من الدماء، وكانت كل الإحتمالات قائمة وحقيقية بهذا المجال، خصوصا بعد أن بدأت أن أحزاب المعارضة بتسعير لهيب المواجهات من خلال تضخيم حملاتها الإعلامية وتأجيج النيران بين المتظاهرين والسلطة وتوجيههم نحو الإعتداء على مقرات أحزاب السلطة.

وكانت التوقعات بتحول التظاهرات السلمية الى تظاهرات عنفية ودموية قائمة منذ البداية خاصة مع توقع تدخل متسللين من الأحزاب المتطرفة بين المتظاهرين ومواجهتهم للقوات الأمنية بالسلاح، وقد حدث ذلك في بعض المناطق منها مدينة حلبجة التي لقي فيها أحد أفراد الشرطة مصرعه على يد أحد المسلحين داخل التظاهرة، وذلك المشهد دق جرس الإنذار بضرورة تدارك الوضع الذي كاد يخرج عن السيطرة.وقد نبه رئيس الإقليم مسعود بارزاني الى هذه النقطة بالتعبير عن إستغرابه من قتل المتظاهرين لأفراد الشرطة في حين أن العكس هو المعمول به في معظم دول العالم الثالث.

ومن خلال الأحداث وتحديدا منذ بدايتها طغى الدور المهم الذي لعبه برهم صالح رئيس الحكومة بإتجاه إحتواء الو ضع ومنع تفجره على المشهد، وكان حضوره في البرلمان ووقوفه بشجاعة أمام أعضائه وجها لوجه ومواجهة خصومه من أحزاب المعارضة بأجوبة مقنعة ومفحمة أبهرت الكثيرين من أبناء شعبه وغيرت من النظرة السلبية اليه بإتجاه كسبه المزيد من التأييد الشعبي لخطواته الإصلاحية التي طالما نادى بها منذ تسلمه لمهام منصبه كرئيس لحكومة كردستان.

واللافت في هذا الأمر وهي نقطة ينبغي أن نتوقف عندها مليا، أن المعارضة المتمثلة بحركة التغيير والحزبين الاسلاميين ( الإتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية) ورغم حربهما الاعلامية الشرسة ضد السلطة لم تستطع بمجملها أن تأخذ على برهم صالح ولو نقطة واحد تتهمه بالفساد أو الإثراء على حساب المال العام أو إستحواذه على أي من ممتلكات الدولة، ولذلك نجح برهم صالح في مواجهة جميع نواب المعارضة داخل الجلسة البرلمانية وواجههم ندا للند، وهنا واتته الفرصة ليتحول هو بشخصه الى رمز للتغيير في كردستان.

وكان أداء برهم خلال الأحداث وإصراره المتواصل على ضرورة التعامل باللين والحكمة مع المتظاهرين في الشارع وحرصه الدائم على عدم إراقة الدماء، وكذلك إطلاقه للعديد من المبادرات نحو الإصلاح في الحكومة قد أهلته تماما لقيادة المرحلة القادمة التي تتسم بإلحاحية الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ما يضع على عاتق برهم مسؤولية كبيرة في المرحلة القادمة.

حتى أحزاب السلطة والتي أعلنت تمسكها بقيادة برهم للحكومة من خلال تأكيد الحزبين الرئيسيين في بيان مشترك على بقائه برئاسة الحكومة، أعلنت دعمها الكامل للإصلاحات التي شرع برهم بها والتي ترجمت بعض تطبيقاتها على أرض الواقع من خلال:

1- زيادة ميزانية دعم الطاقات الشبابية بملايين الدولارات.

2- زيادة سلف العقار لصالح الفقراء وذوي الدخل المحدود لتمكينهم من بناء دورهم، وشمل الإجراء أصحاب الأراضي من مساحة 100 متر وهم في الغالبية من طبقة الكادحين.

3- إعلان دعم حكومته للقطاع الخاص لتوفير فرص تشغيل الشباب وصولا الى تأسبيس صندوق للضمان والتقاعد.

4- زيادة سلف الزواج الى خمسة ملايين دينار بمقدار الضعف.

5- تكليف وزارة العمل والشؤون الإجتماعية بإيجاد فرص تشغيل الأيدي العاملة والقضاء على البطالة من خلال تقديم القروض الصغيرة للمشاريع الخاصة.

6- إطلاق تعيين خمسة وعشرين ألف من المتخريجين من الجامعات والمعاهد.

7- إرسال مئات المتخرجين الى بعثات دراسية وتوسيع نطاقه بعد زيادة تخصيصاتها بالميزانية.

8- إعتماد مبدأ الحكم الرشيد والإعلان عن الذمم المالية للمسؤولين الحكوميين وقد بدأها بنفس أولا.

9- وضع برنامج طموح للقضاء على الروتين الإداري لتيسيير أعمال ومعاملات المواطنين في دوائر الحكومة.

10- زيادة رواتب أسر الشهداء والمتعففين والسجناء السياسيين وعوائل الأنفال والقصف الكيمياوي،.

11- إطلاق حملة لبناء الدور لذوي ضحايا الأنفال بحيث لا تبقى عائلة منها من دون دار سكنية.

12- إطلاق حملة واسعة للقضاء على الأدوية والمواد الغذائية الفاسدة ومحاسبة التجارالمخالفين للشروط والقوانين بهذا الصدد.

13- إصراره على إستعادة ممتلكات ومباني الدولة من أيدي الأحزاب التي إستولت عليها وبدأها بمقرات تنظيمات حزبه الإتحاد الوطني بالسليمانية.

14- وقف صرف منح ومساعدات الحكومة للصحف ووسائل الإعلام والمراكز الثقافية التي كانت تحصل على أموال طائلة من الحكومة على سبيل الترضية والكسب الحزبي.

15- قطع ميزانية الصحف الحزبية الممنوحة لها من الحكومة.

وفي السليمانية التي لحقها ظلم كبير من الإدارة السابقة من حيث مشاريع الخدمات والتنمية، ركز برهم صالح جهوده للعام الجاري لتنفيذ مئات المشاريع الحيوية هناك وخصص لها ميزانية معتبرة لتعويضها عن الاهمال الذي لحق بها جراء سوء إدارة المدينة في السابق.

هذه الإجراءات السريعة التي إتخذها برهم وأصبحت واقعا ملموسا اليوم سيضاف اليها إجراءات أخرى تعهد بها برهم وحكومته في المرحلة اللاحقة على ضوء مشروعي الإصلاح السياسي لرئاسة الإقليم والبرلمان الكردستاني إضافة الى مبادراته الفردية، وكل ذلك من شأنه أن يحول برهم صالح بحق الى رمز لقيادة التغيير بكردستان وهذا ما ينتظره شعبه منه.

إن ما يحدث في كردستان هو حراك طبيعي ومشروع في إطار الموجة التي تجتاح المنطقة حاليا والمطالبة بالتغيير في أنظمة الحكم، وبطبيعة الحال فإن تخلف كردستان عن الركب سيؤدي الى مخاطر جسيمة على تجربة إقليم ردستان التي شيدت بدماء آلاف من أبناء الشعب الكردي وطوال ثمانية عقود من عمر حركتهم التحررية، وعليه فإن مضي حكومة برهم صالح في إصلاحاتها بعيدا عن الدعاية الإعلامية كما تفعل المعارضة بإصرارها على إسقاط الحكومة وحل البرلمان المنتخب، سيؤدي بنهاية المطاف الى تحقيق الإصلاحات المطلوبة من الجماهير وستعيد الأمن والإستقرار الى كردستان وهما ما يميزها عن بقية أنحاء العراق المضطرب دائما بالأحداث.