المتابع للمسألة القبطية ومنذ زمن بعيد يلاحظ أن الأقباط كانوا دائما يتلقون الاعتداءات الطائفية عليهم دون مقاومة تذكر، والاعتداءات علي الأقباط ليست وليدة السبعينات كما يظن البعض، فسياسة تحقير الأقباط بدأت منذ الاحتلال العربي لمصر حتى أن التحقير كان يمتد ليشمل الأقباط الذين أسلموا، وكان الأقباط في الماضي هدفاً لقطاع الطرق وquot; المطاريدquot; ولكن الحقيقة لم يكونوا هدف لأنهم أقباط بل لأنهم ضعفاء، بدليل أن العائلات القبطية القوية كانت في مأمن من تلك الاعتداءات. ومنذ حادث الخانكة 1972 والتي تم فيه حرق جمعية الكتاب المقدس وإلى ما قبل حادث إمبابة كانت كل الحوادث هي اعتداءات تتم علي ضحايا مسالمين لا يبدون أي مقاومة تذكر علي الإطلاق.
ولكن التاريخ سيقف كثيرا عند حادثة إمبابة فقد تحولت الاعتداءات علي الأقباط لاشتباكات بين الأقباط والمسلمين في معركة حامية وقع ضحيتها 12 مصريا فقدوا حياتهم، وأصيب العشرات منهم إصابات خطيرة، لقد نفذ صبر الأقباط وتخلوا عن وداعتهم واستسلامهم للمعتدين وتخلوا عن الخوف وعلي رأي المثل المصريquot; يا موت ما بعدك موتquot; تابع الجميع بقلق ما يحدث في إمبابة لأنه الحادث الأول من نوعه، وذهب البعض لتسميته بداية الشرارة لحرب أهلية سيخسر فيها الجميع فلا رابح من ورائها سوي أعداء الوطن وقوي الظلام التي تتربص بمصر.
لقد سُكبت دموع الأقباط انهارا علي مدي التاريخ علي دماء ضحاياهم كان يقابلها بعض المواساة من بعض عقلاء المسلمين وتطييب الخواطر وتقديم التعزيات، بينما كان الإعلام المتعصب جاهزا في كل مرة ليقلب الحقائق وليحول الضحية لجاني، بينما كانت الأنظمة الحاكمة جاهزة بتبريرات حفظناها، فمرة المعتدي مجنون، ومرة الحادث إجرامي وليس فتنة طائفية، حتي وصلنا لحادثة إمبابة والتي هزت قلوب الجميع ومعها شعر الجميع أن الوطن ووحدة أراضية في خطر حقيقي، وهنا تحركت جميع أجهزة الدولة لمعالجة المشكلة وهي تلك الأجهزة التي وقفت عاجزة في أطفيح والمنيا وقنا.
وكأننا نعيش في غابة وليس دولة محترمة بها قانون، فلم يسمع أحد بكاء الضعيف ولم يرحم دموع الأمهات الثكلى ولا حزن الأطفال اليتامى ولا تحذيرات عقلاء الأمة الذين حذروا من الوصول لمثل هذه النتائج، فلم يحاكم جاني في مرة واحدة علي جريمة أرتكبها ضد الأقباط، واستبدلت هيبة الدولة وتطبيق القانون بمجالس عرفية انتهت بتبرئة الجاني والطبطة علي المجني علية، وأغنية للوحدة الوطنية وبينا نضحك quot; علشان الصورة تطلع حلوةquot; ونطير الصور ونرسلها للعالم ونخرس بها أصوات المنظمات والهيئات الدولية.
قرون تطوي قرون وعقود تطوي عقود والمشكلة القبطية بدون حل ولا تمر سنة بدون مئات الاعتداءات علي الأقباط، قتل وجرح وخطف قاصرات ونهب وتخريب ممتلكات والدولة تصم أذنيها. واعتقد الجميع أن ما يجري في عروق الأقباط ماء وليس دم، حتي قام شباب إمبابة بالعبور بالأقباط من تلك المرحلة لمرحلة رد الاعتداءات بالاعتداء علي المعتدي وإلحاق خسائر في الأرواح وإصابات من الطرفين، الآن عرف الجميع أن الأقباط قد تغير موقفهم من البكاء لرد الاعتداء، الآن عرف الجميع أن الأقباط لديهم القدرة والشجاعة علي المقاومة، الآن عرف الجميع أن وقت السكوت بالنسبة للأقباط قد أنتهي وبدون رجعة، فعلي أجهزة الدولة القيام بواجباتها لحفظ الأمن والحفاظ علي أرواح المصريين قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لبسط الأمن علي أرض مصر، لا نريد أن نري جنديا أجنبيا واحدا علي أرض مصر وفي نفس الوقت نريد العدل والمساواة لجميع المصريين، ونريد وقف المذابح ضد الأقباط وضد كنائسهم وممتلكاتهم، ولا نريد تقسيم الوطن ولكن لن نفرط في حقوقنا في العيش في أمن وسلام، فما علي المجلس العسكري غير تطبيق القانون علي الجميع وبسط هيبة الدولة وإجبار كل القوي علي الانصياع للقانون، قبل أن تضيع هيبة الدولة وتحترق مصر بحرب أهلية، تضيع معها سيطرة القانون وهيبة الدولة ويضيع الوطن من بين أيدينا وبأيدينا.
التعليقات