في كل مرحلة من مراحل التاريخ تنبثق حيثيات جديدة قد لاتعجب بعض الشخصيات، ولا بعض الأتجاهات، ولابعض المنغلقين، ولا بعض المتشددين والمتخلفين ( بالمعنى المعاصر )، إنما هي تعجب بالتأكيد القسم الأعظم من شرائح المجتمع، والأغلبية العظمى من كل فئات الشعب. ومن هذه الحيثيات مفهوم ndash; الشباب ndash; الذي يروق لنا جداُ مضمونه ومقوماته، والذي يروق لنا أيضاُ أن ننحني إجلالاُ وإكباراُ له، لإنه قد بلغ فحوى السمة السائدة. وهذا ما يسوقنا على إنه قد صدق من قال ndash; إن جميع كتابات جبران خليل جبران تدعو إلى التفكير العميق، فإن كنت تخاف أن تفكر فالأجدر بك ألا تقرأ جبران ndash; وهاهو يقول في مؤلفه دمعة وأبتسامة ndash; أنا لاأبدل أحزان قلبي بأفراح الناس، ولا أرضى أن تنقلب الدموع التي تستدرها الكآبة من جوارحي وتصير ضحكاُ. أتمنى أن تبقى حياتي دمع وأبتسامة، دمعة تطهر قلبي وتفهمني أسرار الحياة وغوامضها، دمعة أشارك بها منسحقي القلب، وأبتسامة تكون فرحي بوجودي. أريد أن أموت شوقاُ ولا أحيا مللاُ ndash; وأنتم يامن أخشى أن أوسمكم بمسميات ( الأشاوس والهراقلة )، ياشباب الثورة، وأكون قد بخست حقكم في أرجاع الحياة إلى الزمن، والدفء والسكينة إلى المكان، والحفيف إلى أوراق الأشجار، والأمطار إلى الغيوم، لآنكم قد ملكتم قلباُ صباه الوجد إليكم، واستعبدتم نفساُ تباهت بعظمتكم، وخلبتم عقلاُ لاتدميه إلا دماؤكم الباسقة في عنان الخلود والسماء. لأنكم يا نجوم هذا الزمن أعتقتمونا من أصفاد العبودية والذل، من أغلال العدم والأغتراب، ووهبتمونا أسرار العالم، وعلل الوجود. الآن غدونا نحن نحن، الآن أستيقظ شعاع الشمس في جوانحنا، الآن بتنا نرتع ما بين أحراش الوجد والعشق والهيام دون أن تروعنا ستائر الليل، ولا يخيفنا بطش الوحوش، ولا أشباح الظلمة. وقد رأيناكم ياأحبائ في أحلامنا، وأحدجنا في سيمائكم في وحدتنا وإنقطاعنا، فالحب قد جمعنا فلاتجزعوا ولن نجزع نحن مادام أنتم نصفنا البهي الأخاذ. وهذا النصف البهي الأخاذ هو جوهر وركن المسألة في هذا الحراك السياسي العارم الذي يرغد ويزبد كالطوفان وقد فكك كل رموز المعاجم والطلاسم، لذلك، ومن هنا تحديدأ وبالتمام، نقول ما يلي. القول الأول : إن مفهوم الشباب لم يعد ذلك المحتوى الأجتماعي الذي يتصارع مع مكونات الشرائح المتعددة لكي يحقق بعض من آماله وطموحاته، ويحقق بالتالي جزءاُ من خاصيته، أنما غدا هو مركز الصراع الطبيعي المدني الحضاري الذي يستقطب دالة المحتوى نفسها إلى ذاته هو، فلا محتوى دون مفهوم الشباب، ولا صراع دون ذلك المحتوى، وهذه هي أهم وأقوى مقولة ينبغي أن ندركها جميعاُ. القول الثاني : لقد أنتهى مضمون التصارع والتصارع الأفتراضي ( الذي كان يسببه بعض التقليديون ) ليترك محله ومجاله لصاحبه الأصلي المعرفي الموضوعي ألا وهو الصراع بالمعنى العلمي له وليس بالمعنى السياسي والتقليدي والسطحي له. لإن الصراع بهذا المعنى يحتوي على العناصر التالية : معنى التطور وحقيقته على المستوى التاريخي، معنى العلاقة الجدلية مابين مكونات المجتمعي السوسيولوجي، معنى العلاقة الفعلية مابين المضمون والمحمول وفقاُ لفحوى المصداقية كما هي، كما ينبغي أن تكون بنيوياُ، لاكما تفترض رغبوياُ، ثم أخيراُ معنى الوئام في الأختلاف لا الأنشقاق في الخلاف. القول الثالث : لقد أعاد الشباب البهجة الحقيقية لقوانين الطبيعة، بل الأبعاد الكلية لها، بعد أن ( كادت أو أوشكت أن تكاد ) قوانين مصطنعة، قوانين خارج نفسها، قوانين لانواميس فيها. حتى إن بعض المثقفين طرحوا موضوع التاريخ الذي لامعنى له، التاريخ الذي يسير على صعيد الزمن والأحداث. القول الرابع : لقد غدا مفهوم الشباب الصمام الأمان، والضمانة الأكيدة لتقويم أي أنحراف محتمل في اللحظة، أو في المستقبل، أي في الحقيقة والفعل امسى هذا المفهوم بمثابة السلطة الأولى في البلاد ثم تأتي السلطة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ومن ثم السلطة الرابعة، لإنه اضحى يجسد الدور الفعلي للجنة الرقابة العليا. علام يدل كل هذا ؟ من المؤكد إن العمل السياسي بالمفهوم التقليدي لن يجدي نفعاُ، لا من زاوية الذهنية التي كانت تولده، ولا من زاوية الأسلوب الأجرائي الذي كان يقومه. أي إن المعارضة بمفهوم التجمعات الجزئية قد تؤدي إلى نتائج مرحلية مؤقتة، لكنها لن تكون الأس المنطقي لمعادلة السياسة، من هنا تحديداُ لامناص من أبتكار وسائل جديدة أو منح الوسائل القديمة نفحة جديدة كل الجدة. وإلى أن يتم أبتكار تلك الوسائل الجديدة، لامندوحة من إبعاد بعض الأمور التي لن تتوائم مع طبيعة هذه المرحلة. الأمر الأول : محاولة فرض حالة سياسية معينة على الساحة بقصد الحصول على أكبر عدد ممكن من المكتسبات الذاتية أو الآنية. إن مثل هكذا تصرف، قد يربك ويعقد بعض أجزاء من الواقع، لكنه لن يضر سوى القائمين عليه. أما مفهوم الشباب فإنه لن يرتبك ولن يتاثر، لإنه يدرك تمام الإدراك وظيفته ومهامه في هذه الظروف الحرجة والدقيقة. الأمر الثاني : الغوغائية الحدية في التعامل مع الحدث ndash; الثورة ndash; وكإن وجود الشخص في زاوية ما هو الهدف بحد ذاته، كلا أيها السادة، فالعملية السياسية في إدراك التناقض الرئيسي ضد السلطة السورية أصبحت كالوظيفة، كالمهمة الجوهرية التي ينبغي علينا جميعاُ، كشعب، كأحزاب، كشباب، كأفراد، أن نشارك في كيفية دعم هذا الخط البياني. الأمر الثالث : التذاهن البسيط الساذج الموهوم والمتعلق بمفهوم مسألة الخسارة والربح، أو الأنتصار والهزيمة، فهذا التذاهن هو في المراحل الأخيرة لسبب بسيط هو إن التاريخ الحالي الراهن قد منح المصداقية لنفسه، لقوانينه، وقد وهب المصداقية لمفهوم الشباب، هذا المفهوم الذي هو وسام شرف وكرامة على صدورنا جميعاُ، وزمردة نادرة في الألباب..
[email protected]