إيران: ثورة تصادر و اخرى تولد من جديد

مجاهدي خلق و الکورد: خطوط دقيقة و فاصلة

الحديث عن علاقة منظمة مجاهدي خلق بالکورد و القضية الکوردية، حديث ذو شجون يقود بالضرورة الى الموقف المبدأي للمنظمة من مجمل قضية الاقليات العرقية و الدينية في إيران بشکل خاص، من جانب، ومن قضية الحرية و حقوق الانسان بشکل عام في إيران، من جانب آخر. ولن نذيع سرا فيما لو قلنا بأن واحدة من نقاط الاختلاف و التقاطع بين منظمة مجاهدي خلق و النظام الايراني، هي موقف المنظمة الايجابي من قضية الاقليات العرقية و الدينية في إيران، ذلك أن منظمة مجاهدي خلق، تمسکت و تتمسك بسياسة واضحة و صريحة في تعاملها و تصديها لمعظم القضايا الآنية و الملحة على صعيد إيران، وهي لم تشأ او تسعى يوما الى التهرب من التعامل مع تلك القضية وانما حاولت و وفق منهج مبدأي واضح للتعاطي معها عن کثب و معالجتها بطريقة منطقية تکفل حلا واقعيا و مرضيا لجميع الاطراف بدون تمايز.

وعندما إصطدم التيار الديني المتطرف في النظام الايراني بالکورد و حدثت تلك المجازر المروعة في المدن الکوردية الايرانية و لاسيما في مدينة سنندج التي أقام النظام فيها حمامات دم ضد الکورد في عام 1979، کانت منظمة مجاهدي خلق من أسرع الاطراف السياسية الايرانية وقتئذ في بيان موقفها من تلك المجازر و إدانتها بل وانها تجاوزت الموقف العاطفي و الانساني الى موقف مبدأي و عملي عندما ساندت حق الکورد و سائر الاقليات العرقية و الدينية الاخرى في إيران لنيل حقها في ممارسة الحکم الذاتي، ويجدر هنا الاشارة الى ان زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي، وفي اول خطاب جماهيري له بعد تولي الخميني للسلطات عام 1979، دافع عن شعب کوردستان إيران و ضرورة رفع الظلم المضاعف عليهم، هذا الموقف الصريح لرجوي يومها کان يواجه موقفا عنيفا من جانب الخميني نفسه والذي کان قد أصدر فتاوي بإهدار دماء قادة الکورد، ولم يکن سهلا يومها إعلان هکذا موقف من القضية الکوردية في الوقت الذي لايعترف فيه النظام بأية مسائل من هذا القبيل بل و يعتبرها طروحات معادية للثورة و الاسلام، و هذا الامر ليس بجديد على هذه المنظمة التي کانت سباقة دوما في تعاطي حضاري يتسم بطابع من الاصالة و المعاصرة مع مختلف قضايا و مشاکل و أزمات الشعب الايراني، ويکفي أن نشير الى أن المجاهدات المحجبات قد شارکن النساء الايرانيات السافرات في التظاهر ضد النظام الديني ضد مسألة فرض الحجاب، وهو أمر جدير بالملاحظة و التدقيق، وان القوى السياسية الکوردية و على رأسها الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني بزعامة قائده الراحل الدکتور عبدالرحمن قاسملو، کانت تدرك و تعي جليا المواقف المبدأية للمنظمة من الکورد و سائر الاقليات العرقية و الدينية الاخرى في عموم إيران، ولأجل ذلك فإن هذا الحزب قد ساند ترشيح زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي لمنصب رئاسة الجمهورية في اول دورة إنتخابية من نوعها بعد سقوط نظام الشاه، وقد ساند أشهر القادة الکورد في إيران وقتئذ وهم بالاضافة الى الدکتور قاسملو الامين العام للحزب الديمقراطي الکوردستاني، الشيخ عزالدين الحسيني، الامين العام لحزب کومه، و الشيخ جلال الدين الحسيني، الامين العام لمنظمة خبات، وهو موقف لم تختص به القيادات الکوردية لوحدها، وانما کان موقفا عاما لسائر الاقليات العرقية و الدينية التي رأت في زعيم منظمة مجاهدي خلق بصورة خاصة، و وفي المنظمة نفسها بصورة عامة، أقوى و أفضل حليف و سند لها في العملية السياسية الايرانية، وقد کان الزعيم الکوردي الدکتور عبدالرحمن قاسملو نفسه و بدافع من مواقف المنظمة و زعيمها الايجابية من الکورد، يصف مسعود رجوي بالاخ الکبير، ويقينا أن النظام کان يتحسب کثيرا من هذه النقطة و کان يراقبها بقلق و توجس بالغين و يقينا أنها کانت من استحقاقات التصادم و المواجهة بينه و بين المنظمة لاحقا. وهنا نجد من المناسب جدا ملاحظة أمر مهم و حساس، وهو أن منظمة مجاهدي خلق تکاد أن تنفرد من دون سائر القوى السياسية الايرانية بمواقفها المبدأية الثابتة حيال النظام الديني في طهران، وکانت الجهة الوحيدة التي فضلت دفع فاتورة باهضة جدا على تقديم تنازلات أمامه، وعلى الرغم من کثرة الامور المدسوسة و المشوهة و المزيفة و الکاذبة التي دأب النظام الديني الايراني على طرحها ضد منظمة مجاهدي خلق و قادتها، فإنه لم يکن في وسعه أبدا التحدث عن أي تغيير في مواقفها الثابتة تجاهه، مثلما أن المنظمة و قادتها وعلى الرغم من سعة الصدر و الحلم الکبير الذي تحلت به في تعاملها مع النظام الديني، لکنها و بعد التصادم و المواجهة بينهما، إتخذت موقفا مبدأيا حاسما و قاطعا من النظام و لم ترض أبدا الرکون الى أنصاف الحلول او أي نوع من أنواع التفاوض و الحوار معه وانما رأت بعد تجربتها المريرة معه، بأنه ليس هنالك من أي خير يرتجى من وراء الاتصال به وان الحل الوحيد الذي يمکن الرکون إليه يتجلى في إسقاط او تغيير النظام تغييرا جذريا، ولم يکن موقف المنظمة بهذا الخصوص إعتباطيا او قائما على فراغ وانما بني على أساس نظرة دقيقة و ثاقبة لجوهر النظام و ماهيته الحقيقة إذ أن المنظمة عندما تيقنت تماما من عزم التيار الديني بزعامة الخميني على المضي قدما في تطبيق و تفعيل نظرية ولاية الفقيه على أرض الواقع، فإنها صارت واثقة تماما بأن النظام الديني قد قطع کل خطوط التواصل و أنصاف الحلول مع کل الاتجاهات و الاطراف السياسية و الفکرية الاخرى و جعل من نفسه الخيارالامثل و الوحيد للشعب الايراني خصوصا بعدما أفضى بعدا مقدسا على سلطته تتيح له تبرير کافة ممارساته و أعماله، هذا الامر، أدرکته منظمة مجاهدي خلق جيدا و إستوعبته بالکامل وفي المقابل، فإن النظام أيضا قد أدرك بصورة کاملة وبعد إخفاق کل مساعيه من أجل دفع منظمة مجاهدي خلق للقبول بنظام ولاية الفقيه، أن المنظمة قد حسمت موقفها منه وليس في الامکان أبدا أن تغير من موقفها هذا، وقد نصحت و نبهت و حذرت المنظمة مختلف القوى السياسية الايرانية من أجراء أي نوع من التفاوض او الاتصال مع النظام و أکدت بأن هذا النظام لايمکن الوثوق به، وقد جائت تجربة حزب توده; الايراني عندما بدأ بالتقرب من النظام و مغازلته بشتى الطرق لکنه و في نهاية المطاف دفع ثمنا باهضا جدا عندما تمت تصفية الحزب و القضاء عليه قضائا مبرما من جانب النظام، أما الحزب الديمقراطي الکوردستاني بزعامة الدکتور قاسملو، فإنه و بالرغم من کل المحاولات الدؤوبة و النصائح و التوجيهات السديدة التي قدمتها المنظمة و زعيمها مسعود رجوي لثنيه عن التفاوض مع النظام الديني، لکنه ضرب کل ذلك عرض الحائط و مضى قدما في طريق التفاوض مع النظام، وللموضوع صلة.