لم نعرف حاكما عربيا جاء على حصان عربي، ولا حتى على صيني أو روسي. أغلبهم مُفبركون، (نسبة للفابريكا) بقوالب غربية خالصة، أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، أو مختلطة أمريكية أوربية إسرائيلية، لكن بموديلات متعددة، وأحجام متنوعة، وألوان مختلفة.

فقد كانت وبقيت صناعة الأنظمة والحكام العرب مُحتكرة من قبل هذه القوى، من زمن بعيد. وحتى الحاكم الذي يركب عرشه بالوراثة يجد نفسه مخيرا بواحد من اثنين، إما الترحيل، بانقلاب أو بحجْر أو باغتيال، أو الارتماء في الأحضان الدافئة. وعندما تحدث المعجزة، وينال الرضا والبركات يصبح جهلـُه علما، وغباؤه ذكاءا وعبقرية، وظلمُه عدلا، وتخلفه حضارة، وفساده صلاحا ما بعده صلاح.

يتغنى بحكمته وعبقريته وشجاعته وإلهامه القريبون والبعيدون من وعاظ السلاطين. وتؤلف عنه المجلدات، وتلهج الإذاعات والتلفزيونات، بحمد هذا القائد العظيم. فيصبح من حقه أن يسجن آلافا من مواطنيه، على هواه، ويقتل منهم من يشاء، ويسبي من يشاء، وينفي من يشاء، فلا تمسه منظمات حقوق الإنسان، لا الوطنية ولا العربية ولا الدولية، ولن تزعجه أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا سي إن إن، ولا بي بي سي، ولا فرانس بريس، ولا جزيرة ولا عربية، ولا هم يحزنون. فهو في كل تلك الموبقات مجاهد يحافظ على أمن وطنه وشعبه من المارقين المندسين المخربين الإرهابيين.

ويستمر عهده آمنا مطمئنا، دون اهتزازات ولا انتكاسات ولا انقلابات. فلا أخٌ يتآمر على أخيه، ولا إبنٌ ينقلب على أبيه، ولا ابن أخ يغتال عمه، ولا إبن أخت يفضح خاله. وحتى إذا عارضه أحد من شعبه فإنه يصبح مارقا، إرهابيا، خارجا على القانون. وتبقى النتيجة واحدة، وهي أن الحاكم الحقيقي في دولنا العربية هو سعادة السفير، أو قائد القوات (الصديقة) المتواجدة على أرض دولنا الموقرة، ضمن (حدود السيادة الوطنية) طبعا، ولضرورات (الأمن القومي) والمصالح المشتركة.

كل هذا تعرفه الشعوب المغلوبة على أمرها، وتكتم غيضها، في انتظار الفرج الإلهي المحتوم.
لكن بعضهم يستغفل شعبه وجماهير أمته العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، فيسب أمريكا، ويشتم إسرائيل، ويزيد عيار الوطنية، لا حبتين وحسب، بل عشر حبات، فيجعل من نفسه حامي حمى الدين والعروبة، وقائد جبهة الصمود والتصدي، وبطل التحرير الكامل من النهر إلى البحر، ولا شيء يعلو على صوت المعركة، ولا على متطلبات المواجهة، إلى أن تحين الساعة، وتنقلب أمريكا وجماعتها على هذا الحاكم الأشوس العتيد، فنكتشف، أنه أسدٌ علينا، شديد وعنيد، وحَمْلٌ وديع، مطيع، لدى سادة العصر والزمان، يحكم بحرابهم، ويستهدي بآرائهم، ويعمل بتوجيهاتهم، ولكن من وراء ستار.

كل هذا كان قبل أوباما وإدارته المختلفة عن غيرها. فهي إدارة لئيمة جدا وخبيثة، عقلها مختلف، ولسانها مختلف، وسلاحها مختلف. هي ليست إدارة جورج بوش الصغير بحماقاته وجهالاته وشطحات معاونيه، رامسفيلد ووولفوويتز و ديك تشيني، و جون بولتون وزوجة ديك تشيني لين.

أوباما والديمقراطيون تنبهوا لمسألة مهمة. أدركوا أن الأنظمة العربية (الكابسة) على أنفاس شعوبها من نصف قرن آيلةٌ للسقوط، والخشية الخشية من أن يجيء حكامٌ متمردون مزعجون، مخربون، غير مدجنين، ولا مقننين، فتتعب ويتعب حلفاؤها وينفقون كثيرا من المال والجهد لإعادة تأهيلهم وتعليمهم وتدريبهم. إذن لابد مما ليس منه بد.

إن شباب الأجيال العربية الجديدة،، متنورون، متعلمون، مهووسون بالحرية والعدالة والكرامة وحقوق الإنسان، وهم الأقوى والأبقى والأولى بالرعاية والتفاهم والتحالف، و(طز) بحكام الموديلات القديمة، أؤلئك المحنطين الغارقين في أوهام القوة والجبروت، والساقطين في وحل الصفقات والعمولات وإرهاب المخابرات، والحابسين عقولهم وأبصارهم وأسماعهم في زنزانة الأمس البعيد، والمتخلفين عن قراءة الزمن والتاريخ ولعبة الأمم.

علي عببد الله صالح نموذجا. لا يملك شجاعة ولا قدرة على قراءة الواقع الجديد، فيدرك حقيقة أن عليه الرحيل. أدمن السلطة والقوة والجبروت. صار مضرب المثل في الحماقة والكذب والاحتيال والمراوغة، من أجل أن يوقف حركة الزمن، فيحكم شعبا لا يريده، ويعاند عصرا جديدا تخلى عنه وقرر استبداله، كما يستبدل أحدٌ حذاءه القديم. وبشار الأسد ومعمر القذافي أيضا، مثالان صارخان على الغباء والجهالة والأنانية والحماقة والعناد والسباحة ضد النهر الجاري الجديد.

أميركا، وحلفاؤها، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لا تحتاج إلى خيول منهكة خاسرة من هذا النوع. إذن عليها الرحيل. بالإشارة أولا، فإن لم يفهم فبالعقوبات، فإن لم يفهم فبالطائرات، فإن لم يفهم فبالجنود وبالدبابات، لوجه الله تعالى وحبا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

أمرنا ليس في أيدينا. لو كنا أمة فقيرة، ونائية، في القطب الشمالي أو الجنوبي، لتركونا وحدنا، نجوع أو نشبع، نحب أم يذبح بعضُنا بعضَنا، نتأمرك أو نتصين أو نتروس لا يهم. ولكننا أمة منحوسة ابتلاها الله بثلاثة أرباع نفط الكرة الأرضية، بأمن إسرائيل. ومن أجل الحفاظ على أمن العالم واستقراره تتحمل أمريكا وحفاؤها المسؤولية كلها، يختارون لنا حكامنا، ويصوغون لنا حياتنا، ويضعون دساتيرنا، ويرسمون خطوط تجارتنا، ويعدون علينا أنفاسنا، شئنا أم أبينا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أمريكا تريد أن تحكم المنطقة بوجوه جديدة تحار بها شعوبُها خمسين سنة قادمة، إلى أن يفعل الله أمرا كان مفعولا.

هذه هي المعادلة. ناس تصعد وناس تسقط، حاكم يخرج وآخر يدخل، جسور تُهدم، مبان ٍ تُفجر، مطارات تدمر، ومعسكرات تُكسَّر، ليعاد إعمارها غدا من جديد على أيدي شركات الماء والكهرباء والخسشب والحديد، والحسابات السرية في المصارف الأمريكية والأروربية (الشقيقة). فهل يلوم أحدٌ روسيا والصين إذا ما غضبتا وشاكستا وخربتا مطابخ الآخرين، ووقفتا، بشمم وإباء، مع حكام مجانين جزارين يدكون شعوبهم بالصواريخ لأنها تريد الخلاص من سفاهاتهم، ولو على يد شيطان رجيم؟؟

سنتعب قليلا، ولكننا سوف نعتاد على الوجوه الجديدة، والخطابات الجديدة، والوعود والعهود الجديدة، وكان الله يحب المحسنين. والخاسر فقط هو من لا يفهم المعادلة، ولا يتوقف عن معاندة الزمن والجغرافيا والتاريخ.