إن الغيمة المباركة التي واصلت تجوالها في سماءِ عالمنا العربي المقموع لن تقفَ على أبواب عاصمةٍ ما، فإنساننا حوّلته الأنظمة الشمولية إلى مجرد حشرة تبحث عن فتات يقيها الهلاك. الرجل الذي كان يتفاخر من خلال اطلاعه على ما أنجزتهlsquo; حضارات أخرى في مجتمعات أخرى ليحاول أن يكوّن مجتمعاً يليق بالإنسان، لم يجد أمامه سوى الخروج للشارع أوالصمت المخجل.

الرجل لا يستطيعlsquo; أدعاءَ سيطرته في البيت: بيتهِ. الزوجة تجد في المسلسلات التركية هروباً من ذلك الواقع الذي حوّل الزوج الذي توسمت فيه في يوم ٍ ما فارساً للأحلام على جواد أطهَم حوّله إلى مجرد عبد يقدم لأسياده فروض الولاء والطاعة، ويعدها بيوم جميل قادم قد لا يأتي أبدا.

قصص الحب الخائبة، تكاثر الزيجات التي تنتهي بطلاق مُرَو ٍ، اغتراب الفرد عن الآخر وأنانيته المفرطة كل ذلك محصلة لما أفرزنه سياسة الطبقة السائدة التي تسحق وتشوّه كل شيء.

أزمةlsquo;الإنسان ليست سياسية فقط، إنه الإحساس العميق بالذل كل شيء تحوّل إلى قبول ما هو قائم، إحني ظهرك حتى تمر العاصفة غير أنّ العاصفة صارت ريحا يوميا طبيعيا ولم تعد الأنواء الجوية تتنبأlsquo; بمناخ ٍ مغاير ٍ

نظرية الاغتراب التي تحدث عنها ماركس كنتيجة للمجتمعات الرأسمالية أخذت أشكالا في عالمنا الثالث،الإنسان الذي لم يستطع التحرك ضمن الواقع السائد في المجتمع العشائري والمؤطر، حاول أن يجد محركاً للتغيير. المجتمع القمعي المتماسك لم يترك مجالا للحركة، للتأقلم. الفرد في مواجهة أغلبية مدجّنة وخانعة لم يُترَك له بأحسن الأحوال إلا التمرد وصرخة: كفاية. هل أصبح الإنسان العربي مشروع شهادة؟ إنه لم يختار ذلك لقد سدّت بوجهه كل الأبواب ( الموت أو المذلة) الشعار الذي رفعته الآلاف في شوارع سوريا لم يكن معبّراً بالدرجة الأولى عن موقف مجتمع يثور بقدر ما هو موقف فردي، إنه صرخة الإنسان برفض الواقع المرير الذي حوّله إلى مجرد كائن يقاتل كي يعيش. الثائر لم يلتفت إلى الوراء حين قرّر النزول إلى الشارع، فكل ما وراءه بائس، مقيت لايستحق أن يُعاش. لقد زرتُ مؤخرا مصر وتونس وسوريا، المواطنُ كان جميلاً وبسيطا يحاول أن يكون سعيداً غيرَ أنّ العجلة الثقيلة القاتلة تسحقُ كلّ شيء.

صحيح أنّ الوضع الاقتصادي المتردي كان محركاً أساسيا للتمرد وللثورة غير أن الإحساس العميق بالذل، باستحالة أن تكون إنساناً بمعنى الكلمة في وضع بلد قتل كل ما هو جميل ونبيل، حوّل ذلك الإنسان الطيّب والمسالم إلى قنبلة قابلة للانفجار.

المظاهراتlsquo; الحاشدةlsquo;لم تخرج من الجامعات ونوادي النخب والمثقفين، إنها الملايين المغيبة التي لم تستفد من اللعبة ومورس تجاهها أكثرlsquo; أشكال الإقصاء بشاعة. لم يكن محركها الأساس أيمان ديني راسخ بقدر ما هو محاولة يائسة لاستعادة إنسانيتها المصادرة تحت القهر اليومي الذي تعيش. إنها لن تخسرَ سوى أغلالها، فهي لا تملك حجراً في ذلك البيت الكبير الذي إسمه وطن.

إنه الربيع القادمُ، لقد حلمنا قديماً بتغيير العالم، ما يحدث الآن هو أن العالمَ يغيّرنا، نحن الحالمون الأزليون هل نمتلك مفتاح باب ما؟ هل نستطيع الإدعاء بريادتنا لشيء حقيقيّ وملموس؟ في حقيقة الأمر لم نكن أكثر من مشاكسين نغفو على هاجس تغييرآتٍ.

مثقفو السلطة العرب اللاهثون في مؤتمرات السلطة ومهرجاناتها لم نسمع لهم صوتاً يشدّ أزرَ الملائكة الصغار الذين خرجوا عزّلا أمام الأنظمة المدججة بكل أدوات القمع والوعود الكاذبة. سقوط الأنظمة لم يكن سقوطها وحدها، بل هو سقوط كل تلك الأسماء الكبيرة التي لم تحتج على ذبح إنساننا العربي إنه زمن غياب المثقف العربي المدوي.

الالآف التي خرجت بصدور عارية تستقبل رصاص القتلة تستحق منا أكثر من كلمة تأييد، إنه عارنا الذي نحمله إلى الأبد.