عام 1974، عندما اكتشف ويلي براندت رئيس وزراء المانيا الغربية والحائز على جائزة نوبل للسلام، ان احد العاملين في مكتبه متهم بالتجسس لصالح مخابرات المانيا الشرقيه، قدم إستقالته وهو في أوج انتصاراته وإنجازاته ليدخل التأريخ كنموذج يقتدى به من قبل كل السياسيين الذين يحترمون شعوبهم وأنفسهم قبل ذلك.

اليوم بعد 37 عاما من موقف ويلي براندت المسؤول، يكتشف في قمة السلطة العراقية واهم مفاصلها، مكتب رئيس الوزراء، أن هناك مسئولا أمنيا رفيع المستوى متورط في إخراج ارهابين خطرين من السجون العراقية وتهريبهم إلى خارج العراق. ومع ذلك فدولت رئيس الوزراء لازال متمسكا بكرسي السلطة والأدهى ان المتهم هرب إلى جهة مجهولة لعدم وجود مذكرة توقيف بحقه، رغم ان الهيئة المكلفة بالتحقيق سبق وان التقت رئيس الوزراء وأعلمته بالتفاصيل ولايمكن لدولته التنصل عن المسؤولية بدعوى عدم الإطلاع أو المعرفه.

ويلي براندت بالمناسبة لم تكن لديه أية معلومات عن الجاسوس الموجود في مكتبه كما أثبتت التحقيقات انذاك.
ماسبق يدعوا إلى التساؤل مره أخرى عن جدوى بقاء دولة رئيس الوزراء في منصبه، فالأمن الذي ركز عليه الإعلام السلطوي على انه اكبر انجازات رئيس الوزراء، يبدو اليوم في مهب الرياح، الاغتيالات والتصفيات الجسديه بالكواتم والعبوات اللاصقة والتفجيرات الدموية تكاد تجعل من العراق بلد أشباح وعاصمته بالذات لمدينة الموت والقتل على الهوية، كيف لا والمسئول الأمني الأرفع في مكتب رئيس الوزراء يطلق سراح القتله والمجرمين الارهابيين ويترك لهم العنان للإيغال في الدم العراقي المباح والمهدور.

ستة سنوات دون تقديم أي إنجاز حقيقي للشعب العراقي، وإنما على العكس فالفساد أصبح مقننا ومحميا وفضائح وزارة التجارة والتربية والكهرباء تزكم الأنوف وهي من بين فضائح قليله كشف الستار عنها من قبل هيئات برلمانيه ومستقله متخصصه ولايزال المخفي أعظم فالدفاع متهم والداخلية متهمه والأربعون مليار دولار مازالت مختفيه، من بينها أربعمائة (400) مليون دولار فقط لاغير!!! عمولة لأحد مستشاري فخامة رئيس الجمهورية وإذا كان رب البيت بالدف ناقرا كانت شيمة أهل الدار الرقص والطرب، فأي نظام ديموقراطي وأية حريه وأي شعارات عن دولة الرفاهيه، أي دوله هذه التي ليس لها أي عمل وانجاز واختصاص عدا البراعة في سرقة المال العام وحرمان شعب من حقه في الحياة الحرة الكريمة، الخدمات و المقومات الاساسيه للحياة تكاد تكون معدومة، ابتداءَ من عدم توفر الكهرباء والمياه النقية الصالحة للشرب والأحياء السكنية الغارقة في المياه الاسنه، وانتهاء بالبنى التحتية المحطمة والمنهوكة والمعامل والمصانع والمشاريع الزراعية ألاستراتيجيه التي أصبحت خرابا وتم اقتسام ملكية اغلبها بين المسؤولين الكبار، حتى الجامعات لم تسلم من السرقة والنهب، كما هو الحال في ما كان يسمى بجامعة البكر التي تم الاستيلاء عليها بقيمة مليون دولار في الوقت الذي تقدر قيمتها بمائة مليون دولار وطبعا لصالح احد مسؤولي النظام الوطني الديموقراطي الشفاف!!!هذا عدا عن نسبة البطالة والاميه والفقر المدقع التي تشكل أعلى نسبه بين مثيلاتها في دول العالم وفي بلد كالعراق يملك كل هذا الخزين الهائل من الثروات الطبيعيه.

لقد فشلت السلطة في إرساء أسس دوله متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، وإقامة شراكه حقيقيه في الحقوق والواجبات مع بقية الكتل السياسيه ومكونات المجتمع العراقي ولم تستطع حتى الالتزام بالمبادره التي أطلقها السيد رئيس إقليم كوردستان ووقع عليها دولة رئيس الوزراء لحلحلة الوضع المتأزم للحكومة ولا الالتزام بالوعود التي ساقها لتنفيذ المطاليب المشروعة والعادلة للشارع العراقي الذي ينتفض هذه الأيام عن بكرة أبيه في تظاهرات سلميه ضد الحكومة و الكثير من مؤسساتها الفاشلة والمنغمسة في رذيلة الفساد والنهب المنظم لثروات البلاد دون رادع أو وازع، الحكومة التي فشلت حتى في إعادة دمج العراق بمحيطه الإقليمي والعربي والإسلامي، فلا هو مقبول إقليميا وهو معزول عربيا ومتهم بالطائفيه إسلاميا والعراق مباح لكل من هب ودب وأبناؤه ينحرون يوميا بتواطؤ هذا الطرف أو ذاك ومؤسساته مخترقه من قبل أكثر من طرف مخابراتي إقليمي ودولي، يجري كل هذا في وقت توشك الولايات المتحدة الامريكيه على سحب آخر قواتها بحلول نهاية العام الحالي دون أن يستطيع القائد العام للقوات المسلحة من تحديد موقف واضح من ذلك لا إيجابا ولا سلبا مع انه المسؤول الأول والأخير ولديه الصلاحيات وكل ما يحتاجه من أوليات وبيانات ومعلومات موثقه لتحديد موقف،وإحجامه عن ذلك أما لكونه غير قادر على اتخاذ القرارات وهي مصيبة وأما انه يريد استبدال احتلال بآخر وهي مصيبه اكبر.

ان دولة رئيس الوزراء، الذي يقول عنه مؤرخ حزب الدعوة واحد ابرز قيادييه الدكتور سليم الحسني: أن لا علاقة له بالدعوة ومنهجها وانه وما يسميه بقيادة حزب المالكي حرموا البلد من مسؤولين أكفاء وعطلوا فاعلية الدوله، لم تأتي من فراغ ولا من موقف شخصي وإنما هي حقيقة يعرفها كل عراقي والغريب ان الاكثريه الساحقه في البرلمان العراقي التي تلمس عن كثب هذه الحقيقه لا تزال صامته حيال الحكومة الحاليه التي تفتقد لأبسط مقومات البقاء، ربما على أساس السكوت من ذهب لحماية امتيازاتهم الاسطوريه، وهو أمر سيكلف من يسمون أنفسهم بممثلي الشعب العراقي خسارة الثقة التي حازوا عليها وتم انتخابهم على أساسها، خاصة والشارع العراقي يشهد تحركا نوعيا سيغير بالنتيجه وبالتأكيد الواقع المأساوي الذي يعيشه حاليا.

أن بقاء الوضع الحالي على ماهو عليه سيؤدي لامحاله إلى بروز مخاطر مثل الانجرار إلى الحرب الاهليه أو تقسيم البلد إلى كانتونات متحاربه أواحتلاله من قبل قوى جديدة، كل هذه الاحتمالات وغيرها ستكون وارده مع بقاء حكومة السيد المالكي الذي يشارك احد اقرب معاونيه في نشاطات إرهابيه ويصر دولت الرئيس على البقاء في سدة الحكم دون الرجوع إلى الإجماع الوطني والشراكة الحقيقيه على عكس رئيس الوزراء الألماني ويلي براندت وشتان بين الموقفين.

bull;كاتب عراقي