الاجتماع الذي عقدته الاحزاب الكردية في القامشلي واصدرت على هامشه مبادرة لحل الازمة الحاصلة في سوريا، أي حرب النظام على الشعب السوري، يستحق التشجيع والاشادة. الاجتماع جاء ثمرة اتصال ومتابعة بين الاحزاب الكردية السورية، وكان التأطير ضمن (الحركة الوطنية الكردية في سوريا) مطلبا شعبياً، إكتسب اهمية كبرى في ظل الانتفاضة الشعبية السورية. وبعيداً عن القطعية في الحكم على ماتمخض عنه الإجتماع من طروح ورؤى لسوريا مابعد الإنتفاضة، سلباً كان ذلك أم إيجاباً، فإن المرحلة تدعونا لإعتبار هذه الحركة الوطنية الكردية خطوة إيجابية ستكون لها إرتدادات داخلية وخارجية كبيرة.

في البعد الداخلي: ظهر بأن الكرد لديهم رغبة حقيقية في توحيد خطابهم أمام الدولة السورية والنظام الذي يدير هذه الدولة ( سواء كان النظام الحالي أو أي نظام قادم)، فالقضية الكردية في سوريا هي قضية قومية وينبغي إيجاد حل نهائي لها والإعتراف بهوية وحقوق الشعب الكردي. والحل هنا هو جزء من المطاليب العامة بدمقرطة سوريا وتدوال الحكم واشاعة الحياة السياسية ووضع حد لإحتكار السلطة وسحق مطالب الناس عبر القمع والإرهاب. أما البعد الخارجي أو الاقليمي: فهو في تأطير الأغلبية الساحقة من الأحزاب الكردية السورية في جبهة وطنية واحدة، وهذا يعني أن الكل يرفض أي رهان خارجي على دور الكرد في تمرير المشاريع والأجندات المختلفة في سوريا. الكرد معنيون بأمرين أثنين: حقوقهم القومية ومصلحة وطنهم سوريا والعيش المشترك السلمي مع مواطنيهم السوريين من كل الأعراق والطوائف.

الجبهة الجديدة قطعت الطريق على تركيا وحزب العدالة والتنمية الذي كان بدأ للتو في حملة، يٌسابق فيها الريح، لتجنيد البعض وتشكيل بيدق له في الساحة الكردية السورية. التطور الجديد قال بأن هذا لن يحدث. الأغلبية لديها مواقف واضحة من المطاليب الديمقراطية في البلاد ومن الانتفاضة الشعبية ومن سلوك النظام المتسلط. الأغلبية لديها مواقف موحدة من حقوق الكرد في أجزاء كردستان الأخرى، وهم لن يرضوا أن يتم استغلالهم من أجل اضعاف الحامليّن الاستراتيجييّن الكردستانييّن: ثورة الشمال وحكومة الجنوب. خطة أردوغان القائمة على تشكيل جبهة عميلة له ضمن الحراك السياسي الكردي السوري ( كحزب الحرية والعدالة الكردستاني لأرشد زيباري في الجنوب) فشلت. الأحزاب السياسية الكردية السورية تكاتفت لتحل قضية شعبها في إطار وطني سوري، بعيداً عن أي يد خارجية عدوّة. الأحزاب الكردية السورية أثبتت إنها وطنية وتهمها مصلحة سوريا، أكثر بكثير من نظام بشار الأسد الذي سمح للتغلغل التركي في سوريا، وسلم الأتراك لواء الأسكندرون السليب، وتنازل عن الأمن الاستراتيجي السوري بقبوله بقطع تركيا المياه بشكل تام عن 3 محافظات سورية كانت تمثل سلة الغذاء لكل السوريين.

العمل معاً والتحرك ضمن الإطار الوطني السوري. هذا هو خيار الأحزاب السياسية الكردية السورية. ويمكن القول بأن هذا الخيار هو كذلك خيار الشباب الكردي السوري، من غير المؤطر ضمن هيكلية الأحزاب، ومن الذي يقود العمل الميداني السياسي في يوميات الإنتفاضة مع عموم الشعب السوري.

إنه زمن توحيد الخطاب الكردي.

الكرد في سوريا وضعوا اللبنة الأولى، ويجب عليهم الإستمرار والتحرك والتواصل بروح ( الحركة الوطنية الكردية في سوريا) في أي حوار أو اتصال مع المشهد السوري. أما العمل الحزبي فلكل ميدانه وجمهوره وعلاقاته.

الكرد في الشمال كانوا قد وحدوّا خطابهم قبل شهرين، وهم يستعدون للإنتخابات الآن. حزب السلام والديمقراطية إتصل مع حزبين كردييّن آخرين ونجح الكل في تشكيل (جبهة العمل والحرية والديمقراطية) للمشاركة في الإنتخابات البرلمانية القادمة في تركيا وتحقيق أفضل النتائج. كانت إرادة الوحدة والعمل الصادق هي الطاغية، لذلك لم يقل حزب السلام والديمقراطية بأنه يسيطر على 100 بلدية في كردستان الشمالية ولديه 3 ملايين صوت، بينما الحزبان الآخران لايسيطران على أية بلدية وليس لديهما أكثر من 5000 صوت، ولم يفرض عليهما شروطه، بل عمل على إحتضانهما، وتقدم بالسياسي الكردي المخضرم شرف الدين آلجي كمرشح عن ولاية آمد/ دياربكر، وافراً له كل الدعم السياسي والإعلامي والمالي.

ربما يكون من المبكر الحكم على عمل (الحركة الوطنية الكردية في سوريا) ومن الحكمة عدم الإفراط في التفاؤل ايضا، لكن مايدعو للسعادة هو إستعداد الجميع للعمل معاً واقتناعهم بوجوب ذلك في هذه المرحلة الفاصلة على الأقل. مايدعو للسعادة هو فشل رهان أعداء الشعب الكردي على الإنقسام وتمرير المشاريع الهادفة لتمزيق الصف الكردي، بل وخلق صراع وإقتتال كردي كردي، فلايوجد أي طرف سياسي كردي مستعد لتقبل هذه المشاريع المعادية. وبات الآن أيضا موقف كل من كان يضمر في نفسه التعاون مع حزب العدالة والتنمية وأردوغان ومحاولة تسويقهما في الساحة الكردية السورية، موقفاً ضعيفاً ومفضوحاً ومحل شجب وإدانة من الكل. من يريد المشاركة في مؤتمرات أردوغان والإتصال مع جماعة ( فتح الله غولان) التي تحارب الكرد بالأموال والسلاح، والترويج لخطابهما في الساحتين السياسية والثقافية الكردية السورية عليه أن يٌراجع نفسه من الآن وصاعداً، فمساحة المناورة أصبحت ضيقة أمامه. من بات يتهم حزب الإتحاد الديمقراطي بتهم تشكك في وطنيته وتبخس دماء شهداءه وكدح ووفاء رفاقه وقادته عليه أن يعرف الآن بأنه يتهم الكل في الحركة الوطنية الكردية، ويريد إلى جانب تمرير أجندة أردوغان والدولة التركية إيذاء الشعب الكردي في سوريا والنيل من وحدة موقفه، عملاً لمصالح شخصية ضيقة.

قبل يومين هدد شرف الدين آلجي كل من يريد التلاعب بمصير الكرد وشق صفهم بكسر يده، مطالبا حزب أردوغان بالاعتراف بالهوية القومية للكرد وانهاء العمليات العسكرية ضد الشباب الكردي وتقبل مقترحات السلام والحل التي تطرحها الحركة الكردية عليه. جاء ذاك في خطاب للمرشحين الكرد الستة أمام أكثر من 50 ألف شخص في آمد.

نتطلع لوحدة الخطاب الكردي في اقليم كردستان الجنوبية أيضاً. من المهم الاتفاق بين الجميع ووضع مشروع قومي للإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد والعمل على الدفاع عن حقوق الكرد في بغداد وحل الملفات العالقة مع الحكومة العراقية.

لنتابع مسيرة ( الحركة الوطنية الكردية في سوريا) ولنتعرض لها بالنصح والنقد لتكون أفضل وتسير على قدر تضحيات الكرد وعلى قدر معاناتهم. لننقد الجميع بدون إستثناء على قاعدة المصلحة الكردية العليا وبأجندة كردية صرفة، وليس أنطلاقاً من أي شيء آخر...


[email protected]