الرئيس جلال الطالباني عين نائبه الأول رئيسا مكانه، نكاية بالنائب الثاني والثالث، وأمره بالجلوس على كرسي الملك فيصل الأول والملك غازي والملك فيصل الثاني والزعيم عبد الكريم قاسم، فترة غيابه التي لا يعلم طولها إلا الله والغارقون في علم الأمراض والعمليلت الجراحية في بلاد العم سام.
يعني أن عادل عبد المهدي أصبح رئيسا ليس لجماعة المجلس الأعلى ولا التآلف الوطني وحدهما، بل لكل العراقيين، فقرائهم وأغنيائهم، أخيارهم وأشرارهم، علمائهم وجهلتهم، شرفائهم وأراذلهم، قضاتهم ولصولصهم، أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، (من زاخو لحد الكويت).
يعني أيضا، إذا ما خطر لفخامته أن يزور بريطانيا العظمى أو فرنسا أو الهند والسند، فإن على ملوك هذه الأمم الكبرى وملوكها ورؤسائها أن يفرشوا له السجاد الأحمر، وأن يعدوا له قاعدة تحية، وأن يصطف حرسٌ ملكيٌ أو جمهوري لتحية فخامته، وأن تعزف له الفرق الملكية أو الجمهورية نشيد (موطني موطني، الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ فـــي رُبَــاكْ) قبل سلام جمهوريتها أو مملكتها العامرة، احتراما لأصول الأتكيت الديبلوماسي.
أذكر لعادل عبد المهدي صورتين نادرتين. الأولى وهو يضع على كتفيه الوشاح الأخضر، في عاشوراء، ويلطم بيمينه على قلبه، سائرا خلف زعيمه الراحل عبد العزيز الحكيم. والثانية في البصرة، وهو واقف (بتواضع) خلف رئيسه (الجديد) عمار الحكيم، إما لعدم وجود كرسي فارغ إلى جانب الزعيم، أو ربما احتراما للمقامات.
وأذكر لعادل عبد المهدي أيضا شهامته النادرة حين رفض تسليم (حرامية) مصرف الزاوية، باعتبار أنهم من أزلامه وحُماته، ولا يصح، في قيم الرجولة، أن يخونهم ويسلمهم لـ (عدوهم) اللدود نوري المالكي.
وأذكر عنه أيضا أنه تقلب في الأحزاب، وساح في التنظيمات، فأصبح شيوعيا، مرة، وبعثيا، مرة أخرى، ثم ارتمى، أخيرا، في أحضان المجلس العتيد، وتحت خيمة آل الحكيم، وكرامات الولي الفقيه، وبرعايته ومباركاته لمنظمة بدر (المجاهدة) في أهوار العراق المُغتصب، والتي قتلت المئات، وربما الآلاف، من جنود العراق وضباطه، وكثيرون منهم متدينون شيعة تطوعوا في الجيش العراقي للدفاع عن منازلهم في مدن الجنوب العراقي وقراه، ضد الجيوش الزاحفة عليها من شرق الحدود.
بدون لف أو دوران، إن العملية السياسية التي جاءت بجلال الطالباني وعادل عبد المهدي ونوري المالكي وأسامة النجيفي وأياد علاوي وإبراهيم الجعفري وجعلتهم رؤساء، عملية ٌ فاشلة بامتياز. بل هي أصل المشكلة، بل هي المشكلة الحقيقية الوحيدة في حياة العراقيين اليوم، وفي حياة أجيالهم القادمة كذلك. فهي صانعة جميع المصائب والمآسي والمآتم والحرائق التي ذاق مرارتها كل شارع في كل مدينة وقرية من هذا الوطن البائس الحزين.
تذكروا. حين دخل الجيش الأمريكي مدن العراق وقراه، وبالأخص محافظات الوسط السني، قوبل بالترحاب الصامت في بعضها، وبالزهور والرياحين، في بعضها الآخر، واختفت عصابات النظام، لا خوفا من الأمريكان بل هربا من الجماهير الناقمة على ظلم الديكتاتور وأقاربه وأيتام مخابراته وأجهزته القمعية الأخرى. فلم تشهد مدن المنطقة وقراها، ومنها تكريت، وحتى العوجا نفسُها بالتحديد، وسامراء وبيجي والشرقاط والموصل والرمادي، أية حوادث تذكر. وعاش المواطنون أجواء فرح حقيقي بالحرية التي أشرقت عليهم أخيرا بعد غياب طويل.
ولم يبدأ عصر المفخخات والاغتيالات إلا بعد تشكيل مجلس الحكم ووزارته الأولى، وفق نظام المحاصصة سيء الصيت، وهيمنة (الزعماء) الجدد، قادة أحزاب الدين السياسي (الشيعي)، وحملة الفكر القومي والبعثي معا، على الوطن، ليبدأ عصر الإذلال الحقيقي لكل عراقي وعراقية، ولكي يصير الخوف والفقر والفساد طعام العراقيين اليومي الذي لا طعام غيره، ثم لتنطلق المفخخات والحرائق في كل مكان، ولندخل في عهد القتل على الهوية.
تلك التشكيلة المنحازة ضد الوطن والمواطن هي المسؤولة عن خراب الوطن، وهي التي جيشت العاطلين والمحرومين والمهجرين الباحثين عن الأمن والأمان، عسكريين ومدنيين، ضد (ديمقراطية) آخر زمن، ودفعت بالمئات منهم، وربما الآلاف، إلى أحضان البعث والقاعدة، دفعا، طلبا للانتقام أو بحثا عن الارتزاق.
وطيلة سطوة هؤلاء الرؤساء التي دامت ثماني سنوات لم يشهد العراقيون يومَ هناء وراحة. فمن خراب إلى خراب. ومن اقتتال إلى اقتتال. وحتى حين وضعت حروبهمُ الطائفية اللعينة أوزارها، وانخرطوا في حكومات (الموائد المستديرة) لم يتوقف القتل بالمفخخات، ولا السرقة ولا الفساد، ولا تزوير الشهادات.
هذه العملية السياسية الفاشلة التي حَرمت العراق من الأمن والأمان، وأنعشت عمليات القاعدة والبعث والمليشيات الشيعية المتطرفة، قصّرت في أبسط واجباتها تجاه المواطن، ومنها توفيرُ الحد الأدنى من الخدمات، وشجعت على سرقة المال العام، وتسترت على اللصوص والمرتشين والمختلسين، وسمحت لأميين وجهلة ومزوري شهادات بأن يتقلدوا أعلى مراكز القيادة، فيكونوا وزراء وسفراء.
ثم إنها فرطت بالسيادة الوطنية حين ارتضت بالتبعية لدول مجاورة. وهي التي سخرت الدولة، بأموالها وثرواتها وجيشها وقوى أمنها وإعلامها ونفطها، لتكميم أفواه المعارضين، والتجسس عليهم، وقتلهم عند الضرورة.
بعبارة أدق. إن الخراب تأسس في العراق (الجديد) من أول أيام وزارة أياد علاوي التي شهدت عشرات الملفات المتعلقة بالفساد، مثل الدفاع ووزيرها حازم الشعلان، والمواصلات ووزيرهالؤي حاتم سلطان العرس، والكهرباء ووزيرها أيهم السامرائي. فكلهم مسؤول. نعم. كلهم، لا أستثني أحدا (على رأي مظفر النواب).
أطالب بالاستفتاء الجماهيري العام المباشر على الرئاسة. وسأحني رأسي لفخامة الرئيس لو حصل على مئة عراقي يوافقون على أن يكونوا مواطنين في دولة رئيسها عادل عبد المهدي، لا لأيام بل حتى لساعات.