شهد مطلع شهر نيسان/ابريل الماضي، وبأوامر شخصية من رئيس دولة القانون نوري المالكي، أعنف هجوم عسكري حكومي منظم على معسكر أشرف نفذته عشرات المدرعات وناقلات الجنود، تمخض عن قتل ستة وثلاثين من سكان المعسكر غير المسلحين.

وقد أظهر تسجيل فيديو مصور ومسموع الصوت كيف كانت العشرات من النساء، والأطفال، والشيوخ، والرجال، تهرع خائفة أمام مدرّعات (الهامفي) العراقية التي كانت تصطدم بأجساد القتلى المتناثرة في الطرقات. مشهد مريع ومخجل وكريه لا يختلف كثيرا عن سلوك كتائب القذافي ضد الشعب الليبي، ولا دبابات بشار الأسد في درعا وحمص واللاذقية، ولا صواريخ علي عبد الله صالح في الحديدة وتعز صنعاء.
الجديد في هذا الأمر أن سلطات النظام (الديمقراطي) العراقي الجديد الذي بشرنا الرئيس الأمريكي أوباما بأنه سيلعب دورا مهما في المنطقة ترفض، بقوة وشمم وشجاعة وشهامة، دفنَ هؤلاء القتلى خارج المعسكر، وتصر على أن تتركُ جثثهم تتفسخ في ثلاجات المعسكر، دون وازع من خُلق وإنسانية وضمير.

وكان المتحدث باسم حكومة (المائدة المستديرة) علي الدباغ قد أعلن أن على سكان معسكر أشرف أن يتركوا العراق قبل نهاية العام، لأنهم ينتمون الى منظمة ارهابية 'تعاونت مع الدكتاتور السابق، وسببت مذابح للآلاف من مواطنينا'.

ولكي لا يلتبس الأمر على العراقيين وعلى العرب والعالم، ولئلا ندخل في متاهات المقصود بـ (مواطنينا) نعود إلى تصريح خطير لموفق الربيعي مستشار الأمن القومي السابق أدلى به أثناء زيارة أخيرة قام بها لطهران في كانون الثاني/يناير 2009 أوضح فيه أن سكان معسكر أشرف سوف يسلمون لسلطات إيران لأنهم قتلوا الالاف من (المواطنين) الإيرانيين.

وبين هذا وذاك، قام علي السوداني وزير حقوق الإنسان (المفقودة) في حكومة المائدة المستديرة باستقبال سفير إيران في بغداد، في الشهر الماضي، وتسلم منه شكر دولة الولي الفقيه على موقف الحكومة من سكان معسكر أشرف، وطالب بطردهم، لأن quot;بقاءهم في العراق ليس في مصلحة العراق وإيرانquot;.

إذن فالقضية إيرانية خالصة ليس للشعب العراقي فيها ناقة ولا جمل. فهم مواطنون إيرانيون معارضون لحكومة بلادهم. دخلوا العراق هربا من بطش دولة الولي الفقيه، بمباركة صدام حسين، نكاية بعدوه الخميني.

ويعرف القاصي والداني أن الغالبية العظمى من أعضاء منظمة مجاهدي خلق خلطة ديمقراطية علمانية يسارية لا تتفق مع ديكتاتورية صدام حسين، لا من قريب ولا من بعيد، ولجوؤها إلى العراق، بغض النظر عمن يحكمه، إنما كان بحكم الضرورة، وما حيلة المضر إلا ركوبُها. تماما كما هرب المعارضون العراقيون لنظام صدام، فالتقطهم البعث السوري، لا حبا فيهم ولا خدمة للإنسانية ولا إيمانا بحقوق الإنسان وحرية الرأي والعقيدة، بل كرها بخصمه العنيد. ولكنه لم يتآمر لتسليمهم لصدام، كما يفعل رئيس علي الدباغ اليوم، ولم يقم بسحق نسائهم وشيوخهم بالمدرعات حين اصطلح مع صدام حسين وانهالت عليه مليارات (النفط مقابل الغذاء) وأصبح من أشد المدافعين عنه والمعادين لكل محاولات إسقاطه.

والشيء نفسه فعلته وتفعله دول عديدة مع المعارضة العراقية السابقة، ومع الحالية أيضا، ومنها الأردن والسعودية ومصر وتركيا. فالملك الأردني رفض، بقوة وإصرار، تسليم رغد صدام حسين. وبشار الأسد رفض تسليم البعثيين المقيمين لديه من جماعة عزت الدوري ويونس الأحمد، رغم كل محاولات المالكي وإغراءاته ونفطه وملياراته حكومته الرشيدة؟

وكل ما فعله الأردن، رغم حاجته الملحة لنفط العراق وأمواله، أنْ منع رغد من ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي يسيء إلى العلاقة بين الحكومتين.

وحدث الشيء نفسه لسكان معسكر أشرف من الضيوف الإيرانيين. فقد جردوا من السلاح، ومنعوا من ممارسة أي نشاط سياسي أو عسكري ضد (الجارة) الشقيقة العزيزة إيران. بل منعوا حتى من مغادرة المعسكر إلا بإذن مُسبق ومُسبب ومُقنن إلى أبعد الحدود.

أما الزعم بأن منظمة مجاهدي خلق إرهابية فهذا عين التلاعب بالحقائق والعبث بالأخلاق. فكل نظام (عربي) أو (مسلم) شقيق يرى في معارضته مروقا وخروجا على القانون وعلى الوطن والدين. وها نحن نرى ما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن وإيران وأفغانستان من قاتل ومقتول بين الحاكم ومعارضيه. فكلٌ منهما يحتكرالوطنية والشرعية، وينعت خصمه بالعمالة للأجنبي، وبالإرهاب والخروج على القانون.

وإيران ذاتها كانت وما زالت تستضيف عددا من أخطر كوادر القاعدة المطلوبين للعدالة، ولا ترفض تسليمهم فقط بل ترعاهم وتسلحهم وتسهل عبورهم إلى العراق لمقاتلة (الاستكبار) الذي ساهمت هي وعملاؤها في دخوله العراق، وعملت على إنجاحه، وتمسكت وما تزال تتمسك بفرسانه الأشاوس. وما حدث في إيران للزرقاوي وعشرات آخرين من أمثاله أكبر من أن يستر وأن يدارى.

ويُذكر أن سكان معسكر أشرف ظلوا تحت حماية القوات الأميركية، بعد نزع سلاحهم بالكامل، من أول أيام الاحتلال إلى أن قامت بنقل السيادة إلى حلفائها ووكلائها الحكام الحاليين، وبعد أن تعهدت لها حكومة المحاصصة بضمان حمايتهم وعدم تسليمهم لإيران، عملا بالمواثيق الدولية المرعية في هذا الخصوص.

ومن النافع هنا أن أذكر ببعض المواقف الدولية المعارضة لسلوك نظام الملالي في بغداد مع المعارضين الإيرانيين الضيوف.

- quot; قالت رئيسة السياسة الخارجيةِ للاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إن الهجوم الذي قتل فيه 35 من المعارضين الايرانيين، تم مناقشته للمرة الأولى من قبل وزراء خارجية دول الاتحاد الـ27. وأضافت أشتون في مؤتمر صحفي في ختام الجلسة المغلقة للوزراء laquo;بدون المساس بسيادة العراق أكدنا أهمية إحتِرام حقوقِ الانسان.. إن أوروبا تعمل مع الأُمم المتّحدةِ والولايات المتّحدةِ في محاولة لإيجاد حل دائم وثابت لقضية معسكر اشرف في العراقquot;.

- quot;أكد البرلمان الأوربي أكد على الحاجة إلى عمل دولي مستعجل لتفادي laquo;مجزرة على أسلوب صربياraquo; في معسكر اشرف.

وقال المحافظ الإسكتلندي ستراون ستيفنسون الذي ترأس وفد برلماني إلى العراق من 25 إلى 29 نيسان الماضي، في وقت سابق من هذا الشهر laquo;لقد واجهنا العديد من التهديدات من قبل الحكومة العراقية.. وانني احذر من مجزرة اذا بقيت الاوضاع على ما هي عليه في معسكر اشرف هذا العامraquo;.

وأضاف استيفنسون laquo;بعد ان شاهدنا المذبحة التي حدثت في نيسان فانني يكمن فقط أن أتوقع مجزرة على غرار المجازر التي اقترفتها صربياraquo;. واشار الى أن أعضاء مجاهدي خلق الايرانية الذين عاشوا هناك َ لحوالي 30 عاما غير راغبين بالتخلي عن المعسكرquot;.

إذن، بأي وجه وبأي عذر وبأية حجة تقوم سلطات المحاصصة بتلطيخ سمعة الشعب العراقي وإظهاره أمام العالم الخارجي، ظلما وعدوانا، شعبا همجيا غير متحضر، عميلا، انتهازيا، غير مضياف، يقامر بمصالح أبنائه في سبيل خدمة مصالح نظام (خارجي) رجعي، متخلف، عدواني، لا يكف عن العبث بأمن شعوب آمنة عديدة في المنطقة، وفي مقدمتها شعب العراق الذي عانى ويعاني من هذه الجيرة غير الحسنة منذ عقود.

إذن فالعمالة أصبحت علنية، واللعب صارعلى المكشوف. والعياذ بالله.