مدخل توضيحي:
رغم أن الكاتب قد غادر سفينة حزب البعث، من الناحية التنظيمية، منذ نهاية ستينات القرن الماضي، إلاّ أن هذه المغادرة التنظيمية لم تنتقل إلى موقف الكاتب من فكر الحزب عامة، ومن أيديولوجيته القومية الإشتراكية ذات الطابع العلماني التقدمي خاصة. إن هذا الابتعاد التنظيمي عن الحزب قد سمح للكاتب أن ينظرإلى أزمة الحزب، ولا سيما في جانبها السياسي، والتي ماتزال مستمرّة منذ انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة ( ج ع م ) وحتى هذه اللحظة، بصورة، يزعم أنها، أقرب إلى الموضوعية والحيادية من كثير من الكتابات التي قدر له أن يطلع عليها حول هذا الموضوع،وخاصة بعد غياب أقطاب هذا الصراع : ميشيل عفلق، أكرم الحوراني، صدام حسين و حافظ الأسد.

ويرغب الكاتب أن يشير هنا إلى مسألتين : الأولى، هي أن الأفكارالرئيسية في هذه quot; الخواطر quot; إنما هي مقتطعة من دراسة مطولة غير منشورة للكاتب حول الأزمة الداخلية لحزب البعث، والثانية، هي أن ماسيورده هنا من معلومات ومعطيات عن حزب البعث، سوف تكون مختصرة وعامة، ومقتصرة على القطرالعربي السوري، وسوف يستخدم فيها نفس المصطلحات والتعابير الحزبية المعروفة والرائجة، بغض النظر عن رأيه الشخصي في مدى صحتها وفي مدى انطباقها على واقع الحال، بل وفي مدى صحة مارغب مطلقيها أن يضمّنوا قالبها اللغوي من مضامين أيديولوجية.
* * * * *
إن التداخل الحزبي بين ثورتي شباط العراقية وآذار السورية عام 1963، كان هو نقطة التحول الأساسية في مسيرة حزب البعث العربي الإشتراكي في القطرين السوري والعراقي، والتي تطورت إلى أزمة حزبية وسياسية ماتزال مستمرة منذ 1963( المؤتمر القومي السادس ) وحتى اليوم. وإذا كانت ثورة الثامن من شباط في العراق، قد أدّت بعد سلسلة من الصراعات الحزبية والسياسية على المستويين القومي والقطري، إلى وصول حزب البعث إلى السلطة في ظل قيادة ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر وصدام حسين ( بعد تصفية شركائهم في ثورة 8 شباط 1963 ! )، فإن ثورة الثامن من آذارفي سورية،عام 1963 قد أدت بدورها بعد سلسلة من الصراعات الحزبية والسياسية، من جهة إلى تصفية التيار القومي الناصري الذي كان شريكا أساسيا للجنة العسكرية في إنجاح هذه الثورة، ومن جهة ثانية إلى سيطرة ما عرف باللجنة العسكرية ذات الانتماء البعثي على الجيش، وبالتالي على كل من الحزب والحكم، الأمر الذي أدّى عمليا إلى إنهاء الدور الحقيقي لحزب البعث في القطر السوري، مع الإبقاء على دور شكلي له كان بمثابة ورقة التوت التي كانت ضرورية لسترعورة هذه المجموعة الدكتاتورية والعسكرية، التي أدت سيطرتها على مثلث الجيش والحكم والحزب إلى جملة من النتائج المأساوية التي مازلنا نقطف ثمارها المرّة على الصعيدين القومي والقطري منذ عام 1963، بصورة عامة، ومنذ 1970(استيلاء حافظ الأسد وزمرته على الحزب والسلطة) وحتى يومنا هذا بصورة خاصة.

أبرز هذه الثمرات المرّة :
تعميق وتجذير الإنفصال بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة والتي ادعت ثورة الثامن من آذار أنها إنما جاءت لإنهائه الأمر الذي معه أصبحت الوحدة المصرية السورية التي قامت بإرادة الشعب السوري الحرة عام 1958، وفصلت( بضم الفاء ) بانقلاب عسكري مشبوه، شيئاً من الماضي.
تعميق الهوّة بين القطرين العربيين اللذين سيطر الحزب على الحكم فيهما ( سورية والعراق )، ولاسيما بعد المؤتمر القومي السادس 1963، وبعد حركة 23 شباط 1966، وأخيرا بعد حركة حافظ الأسد( التصحيحية ! ) في 16 تشرين الثاني 1970.

إنهاء ماتبقى من الحياة الديموقراطية في سورية بصورة كاملة وشاملة، وهو مايزال ساريا إلى اليوم رغم التلطّي تحت عباءة مسرحيات الدستور والقانون والإنتخابات الشكلية المزيّفة على المستويين الحزبي والشعبي.
الموقف الملتبس والمشبوه لحافظ الأسد في حربي حزيران 1967 وأكتوبر 1973، والذي أدى إلى احتلال إسرائيل لهضبة الجولان المنيعة عام 1967، وضمها ( رسميّاً !! ) إلى كيانها الغاصب 1981،وهو موقف ورّثه بعد وفاته عام 2000 لولده بشّار، الحاكم الحالي لسورية، والذي فاق أباه في الصمت والتدليس والمراوغة واللعب بورقة quot; قل يساراً وافعل يمينا quot;، وهو مارأيناه ونراه اليوم، في كل من سياسته الخارجية المراوغة والمشبوهة، أو في سياسته الداخلية التي كشفت زيفها وهمجيتها ووحشيتها وأكاذ يبها الثورة السورية الراهنة التي تفجرت في منتصف شهر آذار 2011، والتي بلغت حصيلتها حتى جمعة quot; حماة الديار quot; أكثر من ألف ومائة شهيد، وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين والمعتقلين.

تحويل النظام السياسي في سورية إلى نوع من الأوليغارشية ( الطغمة ) الوراثية، التي تعتبر الدكتاتورية واحدة من أبرز خواصها السياسية، وذلك لأن من يأتي عن غير طريق الديموقراطية وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف، أي عن طريق القوة و / أو الخداع،لايستطيع أن يحافظ على بقائه في السلطة إلا بتغييب الديموقراطية وصندوق الاقتراع، وإلا باستمرار ممارسته لكل من القوة ( الحل الأمني ) والخداع ( الممانعة الكاذبة ).
التنازل عن لواء اسكندرون، دون الرجوع إلى أي سلطة شعبية أو حزبية أو حكومية!!.

التنازل عن الدور القومي لسورية في القضية الفلسطينية، وذلك عبر مؤامرة ( الأرض مقابل السلام ) التي عنت وتعني تطبيقياً، ( ربما ! )إعادة شكلية للأرض التي احتلت عام 1967 مقابل الإعتراف بحق إسرائيل في فلسطين والتطبيع الكامل والناجز معها !! و مقابل قيام إسرائيل والدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بحماية النظام والمحافظة عليه. إن هذا الموقف غير الوطني وغيرالقومي إنما يضع النظام السوري الحالي ( نظام عائلة الأسد ) في خندق واحد مع كل الأنظمة العربية والأجنبية الراعية والحامية للكيان الصهيوني الدخيل،وذلك على حساب الستة ملايين فلسطيني الذين يعيشون في الشتات منذ أكثر من ستتة عقود.
السكوت المطبق والمطلق على احتلال الكيان الصهيوني لهضبة الجولان الاستراتيجية عام 1967، ومنع أي ذكر لها في وسائل الإعلام السورية، وذلك بهدف تحويلها إلى مسألة خاصة بالنظام وحده، وليس بالشعب.

تفكيك لحمة الشعب السوري بإيقاظ الروابط العمودية ( القبلية، الطائفية، الإثنية، الجهوية، الدينية ) على حساب الروابط الأفقية ( الطبقية، المهنية، علاقات العمل،...الخ ) والتي هي روابط مواطنة بصورة أساسية.
تردي العنصر الأخلاقي عند معظم العناصر القيادية في النظام، حيث تعكس تصريحاتهم وبياناتهم الحزبية والحكومية الرسمية منها وغير الرسمية، إزدواجية مكشوفة وممجوجة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. هذا إضافة إلى استشراء الفساد الإداري والمالي على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية، ولاسيما بين كافة عناصر الفئة الحاكمة وكل من يدور في فلكها من الأخوال والأعمام والأتباع.

الطريقة الهمجية والدموية البشعة،على المستويين العسكري والإعلامي، التي واجه النظام بها الاحتجاجات والمسيرات الشعبية السلمية المشروعة التي انفجرت، في وجه النظام في منتصف شهر مارس 2011، وما تزال مستمرة حتى اليوم، وذلك في كافة المدن والقرى السورية. وكانت ثالثة الأثافي في مسلسل هذا الحل الأمني المشبوه ماشهده العالم يوم أمس( 27.5.11 ) من التعذيب الهمجي والوحشي للطفل حمزة علي الخطيب من قرية الجيزة والذي يخجل المرء من ذكر التفاصيل التي أدت إلى استشهاد ذلك الطفل ابن الـ 13 عاما، وكذلك سلخ أجزاء من جلد المواطن أسامة حسين الزعبي من قرية المسيفرة الذي استشهد بدوره تحت هذا النوع الهمجي الحيواني واللاإنساني من التعذيب.

و توخياً منه للدقة، يرغب الكاتب أن يشير إلى أن عددا من العوامل الموضوعية والذاتية هي التي ساعدت المجموعة العسكرية المشار إليها أعلاه على التسلط والهيمنة على كل من الجيش والحزب والحكم، ولاسيما طبيعة التركيب الاجتماعي والطبقي للحزب، ذلك أن هذا التركيب لم يكن يعكس ولو بصورة تقريبية، التركيب الإجتماعي والطبقي للشعب الذي انبثق منه هذا الحزب، إذ أن العناصر الفعّالة والقيادية في الحزب غالبا ماكانت تنتمي إلى فئتي البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، ولكن في بعدهما النخبوي والأقلياتي، سواء على مستوى الريف حيث الانتشار الأوسع للحزب، أو على مستوى المدن ( دمشق وحلب خاصّة ) حيث كان انتشار الحزب محدودا. وعندما جرت محاولة التغلب على هذا الخلل البنيوي في تركيبة الحزب بدمج حزب البعث العربي بقيادة الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار مع الحزب العربي الإشتراكي بقيادة الأستاذ أكرم الحوراني عام 1953، كانت العملية أقرب إلى الخلطة الفيزيائية منها إلى التفاعل والتلاحم الكيماوي، حيث انفرط عقد هذا الإندماج جزئيا بعد حل الحزب في ظل الوحدة مع مصر عام 1958، وكلّياً بعد محاولة إعادة تكوينه وتفعيله (بعد انقلاب النحلاوي الإنفصالي عام 1961)، بل إن مصير الأستاذ أكرم الحوراني نفسه كان الاعتقال والسجن ( ! )على يد رفاقه السابقين، الذين سيطروا على الحزب والحكم والجيش في سورية بعد ثورة الثامن من آذار 1963، وبعد تصفية شركائهم من الضباط ( ولا سيما الناصريين ) من الجيش إثر أحداث 18 تموز من ذلك العام.

لقد كانت الأعمدة الرئيسية الثلاث التي قامت عليها أيديولوجية الحزب في الأربعينات من القرن الماضي هي : الوحدة والحرية والاشتراكية، وإذا كانت أغلبية quot;الرفاق quot; لم تتوقف كثيرا عند البعد الديموقراطي الذي ينطوي عليه شعار الحرية سواء داخل الحزب أو عبر ممارسة الحزب للسلطة بعد 1963، فإن الشعارين الآخرين ( الوحدة والإشتراكية ) ظلاّ يطبعا فكر الحزب بالطابع القومي العلماني الإشتراكي، الأمر الذي شكل قاعدة موضوعية لذلك الخلل الذي أشرنا إليه أعلاه بين تركيبة الحزب وتركيبة المجتمع في القطر السوري، ولا سيما على مستوى القيادات العليا للحزب، من حيث أن بعض الأقليات الاجتماعية والدينية قد أقبلت على الانضمام إلى الحزب، لأنها وجدت في أيديولوجيته القومية والعلمانية ملاذاً لها ( وهي محقة في ذلك ) يضعها على قدم المسا واة مع مجموعة الأكثرية المسلمة السنية، ذلك أن الفكر القومي منذ نشأته في أوربا في العصر الحديث يقوم بصورة أساسية على مبدأ المواطنة، أي على النظر إلى أبناء الأمة بوصفهم مواطنين أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقوانين، بغض النظر عن
انتماءاتهم وتمايزاتهم المختلفة، بما فيها الانتماءات والتمايزات الدينية و / أو المذهبية و / أو الإثنية و / أو الجهوية.

إن الأقليات ( وهنا بالمعنى الواسع الذي يشمل كافة الأقليات الدينية والطائفية والإثنية والقبلية والجهوية والطبقية والحزبية ) وفق مايعتبره الكاتب قانونا سوسيولوجياً عاماً يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في حياة الشعب الذي تنتمي إليه، عندما تكون في المعارضة، أمّا إذا ماوصلت إلى السلطة بما هي أقلية، أي عن غير طريق صندوق الاقتراع، فإنها لن تستطيع أن تحتفظ بهذه السلطة إلاّ عن طريق الديكتاتورية والقمع والكذب، وتغييب عدوها الأساسي، quot; صندوق الإقتراع quot; الحقيقي وغير المزور.
وهذا ماحصل ويحصل في وطننا الصغير، سورية، منذ خمسة عقود مع اعتراف الكاتب بأنه نفسه يتحمل بعض الوزر من هذا الإرث اللاديمقراطي لحزب البعث والذي كان هو أحد مسؤوليه ( الثانويين ) في فترة زمنية قصيرة في واحد من هذه العقود الخمسة.

إن إطلاق البعض على الجمهورية العربية السورية لقبquot; سورية الأسد quot; ( الشيخ حسن نصر الله في إحدى خطبه )، والادعاء بانها بلد quot; الممانعة quot; !! في النظام العربي الرسمي الراهن، قد فضحه اشتراك حافظ الأسد مع الدول الإمبريالية الغربية والدول العربية المرتبطة بها في حرب حفر الباطن أثناء العدوان الثلاثيني ( يناير 1991) على العراق الشقيق، وأيضا الاشتراك في مؤتمر مدريد للسلام !! ( نوفمبر 1991 )، وفي وسلسلة المفاوضات الإسرائيلية السورية التي أعقبت هذا المؤتمر، والتي كان أبرزها مفاوضات شيبرزتاون بين وزير خارجية حافظالأسد، ويهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك في ولاية فرجينيا (بإشراف بل كلنتون) في ديسمبر 2000. كما أنّ مسرحية تسهيل النظام السوري لدخول المقاومين العرب (الإرهابيين على حد التوصيف الأمريكي ) إلى العراق، قد فضحته زيارة وليد المعلم ( وزير خارجية بشار الاسد ) إلى المنطقة الخضراء ( الأميركية الصنع ) عام 2006، وزيارة كل من جلال الطالباني ونوري المالكي لدمشق في وقتين متفاوتين من عام 2007 واستقبالهما فيها من قبل مسؤولي النظام استقبال الفاتحين !!، هذا إضافة إلى المواقف والتصريحات الحميمية التي أطلقها ويطلقها الطرفان حول علاقتهما الثنائية، والتي تخلو من أية إدانة او إشارة للاحتلال الإنجلو أمريكي للعراق.

إن إعلان بشار الأسد نفسه في باريز في منتصف شهر تموز 2008 عن بدء المفاوضات ( غير المباشرة ! ) مع الكيان الصهيوني، إنما كان إيذانا عملياً ببدء مرحلة التطبيع الكامل والشامل مع هذا الكيان الدخيل، وبالتالي إعلانا عن بدء مرحلة الاستجداء المباشر للحل الذي ستتخلى إسرائيل بموجبه ( ربما ) عن جزء من هضبة الجولان شكلاً بينما ستظل محتفظة بها عمليا. أي أن الأمر يتعلق تطبيقيّاً وبحدوده العليا، بنصف جولان وربع سيادة وعشر كرامة. إن إبلاغ رامي مخلوف لـ quot; إسرائيل quot; بأن استقرار الوضع في سورية، يمثل الضمانة لأمنها واستقرارها، إنما هو تطبيقياً استجداء وطلب مباشر من نظام عائلة الأسد للحماية الأمريكية والصهيونية، ولكن ممن؟ من الجماهير السورية التي انطلقت من عقالها، والتي باتت هتافاتها الغاضبة، تعم كل المدن والقرى السورية، مواصلة الليل بالنهار،والجمعة بالجمعة، صائحة بصوت واحد شجاع،عال ومسموع، صوت جامع مانع : quot; الشعب يريد الحرية quot;، quot; الشعب يريد إسقاط النظام quot; ولكن وفق ثابتين وطنيين اثنين هما : quot; سلمية سلمية quot;، quot; واحد واحد واحد..الشعب السوري واحد quot;

إن مايرغب الكاتب أن يؤكده فيما يخص علاقة نظام عائلة الأسد بحزب البعث العربي الاشتراكي واعتماداً على ماورد أعلاه، هو أن نظاماً يفرط بحق الشعب العربي في السيادة على أرضه وسمائه ومياهه، ويفرط أيضا بتاريخ أمته العربية المشرّف، ولا سيما في بعده الإسلامي، لايمكن أن يكون له علاقة بحزب البعث العربي الإشتراكي لامن قريب ولا من بعيد. إن حزب البعث العربي الإشتراكي الذي نعرفه، والذي تربينا سياسيا وأيديولوجيا وأخلاقيا في ظلال فكره وأيديولوجيته القومية الإشتراكية العلمانية التقدميّة، لايمكن أن يكون طائفياً،ولا شوفينياً، ولا ديكتاتورياً، ولا متعصباً، ولا مفرطاً.، وهذا ما يسمح لنا أن نؤكد أن كل من لاتنطبق عليه هذه الصفات، كما هي حال نظام بشار الأسد، لايمكن أن تكون له علاقة بحزب البعث العربي الاشتراكي.

و مع كل الاحترام لآلاف البعثيين الذين تضمهم سجلات المكتب التنظيمي في القيادة القطرية بدمشق، والذين تتلخص وظيفتهم الحزبية بحضور مهرجانات (مسرحيات)النظام الشعبية، وذلك من أجل القيام بواجبهم الحزبي في التصفيق الحاد وفي هتاف quot; بالروح بالدم... quot;!! لابد من تذكيرهم، أن الحزب الذي يحملون بطاقة الإنتماء إليه، هو ليس بحزب
البعث العربي الاشتراكي،ولكنه الإسم الحركي لعصابات المخابرات والشبيحة والمنتفعين المرتطين بعائلة الأسد. وما عليهم إلا أن ينأوا بأنفسهم عن مثل هذه العلاقة مع هذا النظام التوريثي غير الوطني وغير القومي بل وغير البعثي، والذي أساء ويسيء لتاريخ الحزب ولفكر الحزب كما لم يسئ إليه أحد من قبل.

إن الكاتب يعرف الأخطاء الكبيرة والصغيرة التي ارتكبها الحزب بعد وصوله إلى السلطة عام 1963، بل إن وجود مثل هذه الأخطاء هو مادفعه ( محمد الزعبي ) إلى الإبتعاد التنظيمي عن الحزب، ولكنه يعرف أيضاً أن عملية النقد الذاتي، والمراجعة الصادقة لمسيرة الحزب، ووجود عناصر ذات توجه ديموقراطي في الحزب( كتلك التي أودعها حافظ الأسد قرابة ربع القرن سجن المزة العسكري، دون سؤال أو جواب !!) كانت يمكن أن تكون كفيلة بالتغلب على هذه الأخطاء،، ولاسيما موقف الحزب من مسألة الحرية والديموقراطية، التي كانت تمثل الخلل الأساسي في هذه المسيرة.

إن البعثي الحقيقي بنظر الكاتب هو الديموقراطي الحقيقي، الذي يؤمن أن الحزب ليس أكثر من وسيلة بيد الشعب من أجل تحقيق أهدافه، وبالتالي فإن الكلمة الأولى والأخيرة في قيادة الدولة والمجتمع يجب أن تكون دائماً وأبداً للشعب وليس لحزب، أياً كان هذا الحزب.
إن مايقوم به نظام عائلة الأسد حاليا من المواجهة الدموية الهمجية والمتوحشة والحيوانية لمظاهرات الشعب السلمية المشروعة كافية لأن تجعل أي بعثي شريف يعلن بصوت عال ومسموع تخليه عن هذا النظام، ونزوله من على متن سفينته الآيلة إلى الغرق إن عاجلاً أو آجلاً لامحالة.

الدكتور محمد أحمد الزعبي