أطفال سوريا أطفالنا ndash; عار، عار، عار على من يسكت بعد حمزة! إما مع الضحية أو القاتل! إما مع الحق أو الباطل!
جريمة سجن أطفال درعا وتعذيبهم كانت الشرارة التي أشعلت الثورة السورية. وتعذيب وقتل حمزة الخطيب وإعادة جثته المشنع بها لعائلته هي الآن طعنة في ضمير الشعب السوري، ونداء لضمير الإنسانية كلها. فكيف ستكون استجابتنا؟ هذا امتحان لنا جميعا. كيف ستنصرف؟
العذراء وهي تحضن الطفل المسيح يمثلان رمز البراءة والمحبة في وجه الحضارة الذكورية المدججة بالسلاح. والمرأة السورية وابنها القتيل الآن هما رمز البراءة والسلمية في وجه الكلاشنكوف البعثي الذكوري القمعي. لقد انتهى وقت رجل المخابرات الذي ألغى كل شيء في الحياة إلا صورة سيده الذكر الدكتاتور القامع للحياة واللطف. وجاء وقت المرأة والطفل والرجل الأعزل، القوي بعدالة قضيته. وجاء وقت الأشجار والأزهار، والقطة والعصفور والكلب الوفي. لقد جاء الوقت لعودة الألوان المشردة وخروج الزهور السجينة من أقبية العذاب والنسيان. حان وقت الخروج من أحادية الدكتاتور الأوحد الذي ادعى لوقت طويل بأنه سيد الحياة والموت.
الصمت والبكاء ما نجدهما أمامنا في هذه اللحظات في عصر تنتحر فيه الكلمات وتتراجع اللغة بحياء لعجزها عن التعبير. حمزة الخطيب هو رمز البراءة في وجه سلطة قدمت استقالتها من أي انتماء إنساني، وهو ضحية أجهزة quot;أمنيةquot; (قل إرهابية) فقدت انتماءها لهذا الكوكب. بل وفقد رجل المخابرات انتماؤه حتى لحيوانات هذا الكوكب. ولذلك عندما يشبه القرآن الضالين بالأنعام يتراجع، ويقول لنا، quot;بل أضل.quot; لأن الإنسان عندما يسمو يرتفع حتى عن عالم الملائكة فتسجد له، وعندما ينحط ويبطش فإن بطشه يكون خارجا عن حدود الطبيعة ولذلك يصير أسفل سافلين ويكون أضل من الحيوان والحشرات وحيتان القرش. هذه محنة الإنسان: الاختيار. ولأن خالقه راهن على مخلوق حر يختار فهناك خطورة باحتمالية كل من القباحة والجمال، خارجة بتحد عن حدود الطبيعة. فالإنسان الذي لا يدافع عن نفسه أمام قاتله يخرج بأخلاقيات جمالية عن حدود الطبيعة وغريزة البقاء الحيوانية. والذي يقتل ويعذب ويمثل بطفل ضعيف يخرج أيضا بوحشيات قبيحة عن حدود الطبيعة وحتى عن غريزة الحنان الحيوانية القابعة داخل كل منا.
أعترف أني لم أشاهد الفيديو الذي يظهر جسد حمزة الصغير المعذب والممثل به. لأني عندما شاهدت صورته وجنازته، شعرت بعظم ما حدث لنا وأبقاني ساهرة حتى ذهبت باكية إلى فراشي أتوسل إلى الله أن يقف مع السوريين أمام هذه الغرور المتوحش، وأن يصبر أهله وأن يصبرني وأن يصبر كل الأمهات اللاتي يعتبرن ما أصاب أي أم سورية مصابنا جميعا.
بكلماته الرائعة سجل جبران خليل جبران حقيقة كونية، أن أطفالنا ليسوا أطفالنا وإنما هم أطفال الحياة الذين يأتون من خلالنا. وهذا بالنسبة لي إذن يعني أن كل أطفال الدنيا هم أطفالنا. فالحياة ستأتي بأطفال وتستعمل أجسادنا لتدعوهم إلى زيارة هذا الكوكب. وهكذا فهم أطفالنا جميعا، سواء أتى بعضهم من أجسادنا أو أجساد من حولنا. لأننا نفس واحدة وكائن واحد وضمير واحد مهما تعددت خلايانا الصغيرة بأفراد هناك وهناك.
نصمت من هول الصدمة ونبكي لنستعيد قدرتنا على التنفس والشهقة. ولكن بعدها نجلس بهدوء لندرك بأن هذا تحدي لنا جميعا. وإن روح حمزة الطاهر في مكان أمين مكين الآن، ولكن ضمائرنا تتحدانا وتسألنا: ماذا أنتم فاعلون؟ ماذا أنا قائلون؟ أنظر إلى ضميري وأقول له، إني أم حمزة، ولن أسكت، وسأحفز كل من حولي لخلق وطن لكل السوريين لا تمس فيه شعرة طفل من أطفالنا. إني الآن أدعو كل صديقاتي وأصدقائي وأقربائي بأن نصمم الخروج من نفق القباحة والعنف والتشنيع إلى فجر السلام والأمان خارج أياد القبضة الأمنية. لقد انتهى وقت التذبذب. وكلمات مثل الحوار والإصلاح والموقف الوسط لم يعد لها معنى في وقت يمثل بأطفال أبرياء. ومن يقبل أن يبقى صامتا فإنه بصمته يقبل ويشارك في أن يكون تعذيب الأطفال والتمثيل بجثثهم رمز الثقافة السورية من الآن لكل من لا يقف من أجل حمزة ويرفع صوته.
لماذا فعلوا هذا بحمزة؟ ولماذا أعادوا جثته الطاهرة لأهله وقد فعلوا به ما فعلوا؟ إنها رسالة استفزاز للشعب السوري في محاولة لإيقاظ الحقد وروح الانتقام، ولكسر سلميته. يريدون أن يحرفوا الثورة عن مثارها اللاعنفي. وهم في طغيانهم يتمادون لعل وعسى أن يرفع السوريون يدهم دفاعا عن أنفسهم. ولكن هيهات! الشعب السوري عارف طريقه، ولن يجرونا إلى ملتهم، ملة القتل والقمع والتشنيع والجرائم ضد الإنسانية. هذه ثورة الأخلاق ضد اللاأخلاق. وإن حمزة هو سيد الشهداء في سوريا وسيكون رمز الثورة البيضاء، رمز الطفل الذي قام إلى دكتاتور جائر لرفع الحصار عن درعا فشنع به وقتله. إن صرخة الحق السورية تصل أصدائها إلى المجرات الأخرى وتستجدي ما بقي فينا من إنسانية على هذا الكوكب. حمزة سيوحدنا أكثر، وسيزيدنا إصرارا في سلمتينا وفي إصرارنا على إسقاط دولة الرعب والإرهاب. دولة ترتهن أمة كاملة في قبضة أمنية قميئة وتكسرها الآن روح حمزة الطاهرة. وستبقى هذه الثورة طاهرة وستنتصر بيد بضاء من غير سوء.
أنا أم حمزة وأعاهده وأعاهد كل أطفال سوريا بأنني لن أسكت لأستاذ جامعة أو إمام جامع يقبل بسجن وتعذيب الأطفال وقتلهم والتمثيل بهم مهما كانت أسبابه الاستراتيجية والإقليمية. لن أسكت لعلماني أو متدين أو تقدمي أو رجعي ولو كنت آخر سورية في وجه السلطة الفاشية التي تحكمنا منذ واحد وأربعين عاما. ولكن الجميل أني كل يوم أكتشف أن الآلاف منا بل الملايين مصممون مثلي، مصممون أن يقفوا ولو كان كل واحد منهم هو السوري الأخير، ولذلك فلن تهزمنا سلطة أيقظت بجرائمها ضد الإنسانية وضد الطفولة ضمير الفرد منا، ضمير كل خلية حية في الجسد السوري في وجه سلطة ذكورية عسكرية متبجحة تسجن المرأة وتقتل الشباب وتعذب وتمثل بالأطفال وتتصرف كجرثومة غازية تدمر هذا الجسد. فعلا لقد عاد المسيح وأمه مريم ليقفا ببراءة وسلام في وجه الحاكم العسكري الذكوري القاتل. فمرحبا بالمسيح وأمه مريم أمام الدجال الأعور بعين واحدة، وحزب واحد، وقائد واحد، ورؤية واحدة.
التعليقات