لقد تعددت تعريفات المثقف بحسب المدارس الفلسفية و الفكرية إلا أن التعريف المتعارف عليه أكاديميا أو على مستوى العامة هو أنه : quot;الإنسان الذي يتدخل في الحياة الاجتماعية معتمدا على ثقافة واسعة محاولا استعمالها في الشأن الاجتماعي بهدف تغييره نحو الأفضلquot; كما حددته الباحثة ناديا ابو زاهر.فدوره يتمثل في خلق فضاء واسع للاختلاف وللمفارقات في الحياة الاجتماعية، إنه الممنهج لطريق الحرية التي هي حق للجميع و على الجميع احترامها باحترام الديانات المختلفة و الإيديولوجيات. إنه المظهر المبرز للفكر الحر التنويري لأجل الخروج من أزمة مستعصية خانقة يعيشها شعبه أو أمته أو الإنسانية جمعاء. دور المثقف أن يناقش حلول الخروج و الكيفية من خلال معرفته التي حصّلها داخل مجتمعه كمعلم معرفي ينظر إليه باحترام لأنه الوحيد الذي يدفع الفرد داخل مجتمعه لممارسة فعل الملـّح من أجل الخروج من ضعفه و من خوفه و من قصوره كما يقول بذلك كانط quot; والإنسان (القاصر) مسئول عن قصوره لأن العلة ليست في غياب الفكر، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، دون قيادة الآخرين. لتكن تلك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك: ذلك هو شعار عصر التنويرquot;..

المثقف دوره الحقيقي تفسير لمعنى الحرية التي لا تحدث إلا من خلال ثورة داخلية نفسية متطلبة لعنصر الحداثة الذي يلزم الجميع مسايرة أحداث العالم و الإحاطة بكل ما يدور في فلك السلطة أو ما تتعامل به العامة من أخلاق أو من خلال الوعي و السلوك.
السؤال الذي يطرح اليوم: هل المثقف فعال ويؤدي وظيفته كمتعلم حامل للمعرفة لأجل التغيير؟

الحقيقة أن المثقف دوره سلبي إلى أقصى الحدود، ولذلك يجب أن نرفع عنه تسمية المثقف ونضمه إلى باقي فئات المجتمع المتعلمة التي لا تستعمل علمها و معرفتها أبدا بل تظل حبيسة النفسية العاجزة أو الكسولة أو المتاجرة و المهينة، إنه المتنازل اليوم عن مهامه لأنه لا يشعر بما يشعر به شعبه، نحن نرى أشباه مثقفين في الحقيقة لأن المثقف الحقيقي مقصي من الحياة العامة و محروما من منابر الإعلام، إن الذين نراهم يطفون على سطح الإعلام بأنواعه وفي الملتقيات و المناسبات إنما أولئك نوع من القبور كما سماها البروفيسور عبد الستار قاسم: quot; قبور المثقفين... قبر الجبن، وقبر السلطان، وقبر النفاق، وقبر الانعزال، وقبر الهروب، وقبر العشائرية، وقبر الانغلاق، وقبر الغربنة.quot;. لنطرح سؤالا آخر: كيف كان دور المثقف العربي في هذه الثورات العربية الأخيرة؟ لا شك الذين يطمحون إلى الحرية رأوا في الثورة التونسية والمصرية و اليمنية وغيرها رأوا فيها اجتهادا و جرأة و تضحية لا تتكرر إلا كل مائة عام أو حقبة كاملة، لذلك دفعوا بقوتهم و غيرتهم لأجل التغيير الايجابي، لذلك تألموا لواقع الشعب وانتفضوا من اجل تصحيح الوضع الذي طغى فيه الاستبداد.

سؤال آخر: هل اشتعلت الثورات عن وعي بالحرية أم لمطلب معيشي؟ هل كان للمثقف دور فيها أم أن دوره كان ثانوي؟ نعم يمكن القول عن الثورة المصرية أن دور المثقف فيها أنتقل من المثاقفة إلى الفعل الثقافي على مستوى التكنولوجية فكانت ثورة سلمية أعطت المثال الكامل عن أمة شباب تميز بمستوى عالي من الكفاءة العلمية و الثقافية. بالمقابل كلنا رأينا السلطات التي قامت فيها الثورات لم تتنازل ببساطة عن سلطتها إلا حينما مارس الشارع ضغطا كبيرا وكان المفاوضون لها نخبة من المثقفين و العالمين بأمور السياسة و الأمثلة كثيرة لا يمكن عرضها في هذه العجالة، لقد تغير الأمر و صار حتى اللحظة ضغط المثقفين على الحكومات أكبر بكثير من ضغط الحكومات والسلطات على المثقفين بعدما كان العكس. الجواب واضح السلطة العربية تتفاوض وتهادن من اجل الاستقرار وتخفي فسادها أو على الأقل تظهر بنوع من الصرامة أنها تحارب مفسديها و تتابعهم قضائيا.

هناك بعض الدول العربية التي لا زالت تلاحق مثقفيها وتزج بهم في السجون و أحيانا يتم استهدافهم، هذا إن فشلت في احتوائهم وجعلهم رقباء على أنفسهم بخوف لا يتنحى أبدا، فلا يتعدون الخطوط الحمراء فيصيرون كتاب ألغاز و يتحولون بسهولة إلى أرانب مسالمة بعدما يظهرون المرجلة في تعاليقهم عن ثورات أخرى و أقصد بذلك غالبية الخليجيين، أضحكني صديق في الفايس بوك حين علّق على حركة تعمل لمسيرة في دولة خليجية فكانت إحدى الصحفيات له بالمرصاد معنفة له واتهمته بأنه مروج لمؤامرة خارجية فلقمها حجرا في فمها و سألها لما كانت تنقل أخبار التخريب في الجزائر الذي حدث جراء ارتفاع سعر السكر و الزيت و الدقيق على أنه ثورة. إن الناس شككت في دور المثقف تارة وتارة أخرى لجبنها و خوفها قاطعته وقاطعت كتاباته وما يقدمه في المجتمع.

لقد أفرزت هذه الثورات المثقف وحددت دوره في دفع الظلم و تلقين العامة معنى المواطنة والوقوف في وجه الفساد لا التخفي أو السير في ركب الوعاظ والمتغافلين عما ينهب و ما يضعف كيان الدولة.

لقد رأينا أن العامة بحاجة إلى مثقفين حقيقيين يعلّمون الناس كيف يثورون على أنفسهم قبل أن يتحدثوا عن الثورة، ويحافظون على مكاسب كثيرة، و أن وطنيتهم و دينهم الوحيد هو المحافظة على هذه المكاسب، واجب تعريف الناس كيفية المطالبة بحقوقهم في سلم. ولذلك فالمثقف مطالب أولا أن تكون له فلسفة أخلاقية ليثور بها على نفسه و يلقنها لغيره حتى لا تتحكم فيه المنفعة ويكون أداة و مطية للسلطة أو لقوى أجنبية، وبأن يرفض أن يتحول إلى غنيمة لصاحب المال و القوة ولا يمزق اليافطة التي على كتفيه quot; مثقف قابل للبيع quot;.
نحن بحاجة إلى مثقفين لا يطأطؤن رؤوسهم وبقلوب حية، ميدانيين واقعيين محتكيّن بالناس وهمومهم، ينوبون عنهم في المحافل والجلسات عارضين لمشاكلهم لا متاجرين بها. فعلى السلطة العربية ان تعي أن المثقف الذي ينافقها و لا يقدم ادنى معارضة هو مثقف خائن لنه سيرتد عليها بمجرد وقوع الفأس في الرأس.

كاتب و قاص