ما يجري اليوم في بلاد الشام يذكرنا بأحداث العراق وسلوكيات النظام طيلة ما يقرب من أربعين عاما، ولعل أكثرها اشمئزازا تلك المشاهد التي كان يبثها تلفزيونهم عن أب قتل ابنه لتخلفه عن الخدمة العسكرية، طالبين من كافة الآباء والأمهات اقتفاء اثر هذا الرجل وإشاعة القتل والجريمة دون محاكمة داخل المؤسسة الاجتماعية الأكثر قدسية، مثلها ظهر على شاشات التلفزة في جناحهم الذي يحتضر في دمشق حينما اظهروا والد الطفل حمزة الخطيب بعد ان قابله وريث الحكم في سوريا!؟ أعداد العاملين في الأجهزة الخاصة بالنظام السياسي في سوريا وما يقابلها في العراق أيام النظام السابق: أكثر من 5000 معتقل رأي في سوريا، وفي العراق استبدلت السجون والمعتقلات بالمقابر الجماعية للسياسيين، وأطلق النظام سراح ما يقرب من ثلاثمائة ألف سجين جلهم من المجرمين العتاة في عملية تبييض السجون قبل سقوطه بعدة أشهر!؟ هذا هو شكل ومشهد الدولة او النظام الذي تم تأسيسه هنا وهناك لا يعترف بغيره ولا يعرف شيئا اسمه الآخر الا اللهم لأغراض تكتيكية كما حصل في تحالفاته وجبهاته الهزيلة مع بعض القوى الوطنية المعارضة التي أسقطها في فخه لينتقم منها شر انتقام، حيث اعتمد الميكافيلية فكرا وسلوكا حتى مع أعضائه كما حصل مع ميشيل عفلق في دمشق ومع عبدالخالق السامرائي في بغداد، وكذلك مع الدول التي أجرى معها تحالفات إستراتيجية كما كان يدعي ثم ما لبث ان انقلب عليها وحاربها، كما في علاقاتهما مع كل من ايران ولبنان والكويت وقبلها مع السوفييت او دول الخليج او بقية الجيران ودول اوربا. لقد أقام النظامان دولة شعارات طنانة استخدمت لأغراض استثمارية واستهلاكية، وبالذات تلك التي تتعلق بالوحدة العربية وتحرير فلسطين والدفاع عن الأمة العربية، التي كانت تخفي ورائها حقيقة أخرى هي الاستماتة في الدفاع عن شخص القائد وثلة من رجاله فقط، حيث أثبتت الأحداث خلال الأربعين سنة الماضية ان الدولتان كانتا أكثر دول العرب إيذاء للقضية الفلسطينية وأكثرهم زرعا للفتنة والشقاق والتشرذم في الصف العربي بما باعد العرب عن بعضهم وجعلهم أعداء متخاصمين، بل ان النظامين كانا أكثر دول العالم ايذاءً لشعوبهم ودمارا لدولهم؟ وبدلا من ان يصدقا في تطبيق سطر واحد من أدبياتهم في ما يتعلق بالأمة العربية ومصالحها العليا، عملا على إشاعة الثقافة القبلية والتطرف المذهبي فكان النظام في بغداد وشقه الآخر في دمشق نموذجا للتسلط القبلي او الأسري المتوارث منذ مئات السنين، بل أضافا اليه انحيازا مذهبيا جليا وهما يدعيان علمانيتهم وتقدمية أفكارهما، وشتتا الأمة العربية ودولها وجعلوهم في أسوء حالاتهم عبر التاريخ؟ ان ما يحدث الآن في دمشق وشقيقاتها من مدن سوريا يذكرنا بتلك المدن التي تعرضت على أيديهم للتدمير والإبادة، وليست حماة ببعيدة عن ذاكرة الأهالي هناك كما هي حلبجة والاهوار وآلاف القرى التي دمرها جناحهم في بغداد، وليست ميكافيليتهم وقراراتهم الكاذبة بعيدة عن أذهان الأهالي منذ اتفاقية آذار عام 1970م التي مسخوها مع قانونهم للحكم الذاتي، الى قراراتهم الأخيرة في دمشق حول تجنيس مواطنيهم الذين اسقطوا جنسياتهم واعتبروهم نزلاء فندق، او كما أعلنوا قبل أيام في إطلاق سراح السجناء وتنظيف سجونهم لكي تستقبل آلافا مؤلفة أخرى او ربما الاستعاضة عنها بمقابر جماعية كما فعل إخوتهم الأعداء هنا في العراق. وإذا كان البعض يعتقد إن الجناح العراقي لحزب البعث قد سقط ابان الاحتلال الأمريكي فهو واهم تماما، وان سقوطهم كان قبل ذلك بكثير حينما خانوا شعبهم وغدروا بمن أمنهم وحنثوا بإيمانهم وتفردوا بالسلطة وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، وهم كذلك في سوريا فقد سقطوا منذ قصفوا حماة ودرعا وقتلوا حمزة الخطيب وما هي إلا أشهر ويعلن سقوطهم الى الأبد!
المشهد هنا في دمشق وشقيقاتها الشاميات لا يختلف عنه في العراق أبان حكم جناح حزب البعث الآخر بقيادة صدام حسين طيلة عقود من الزمان، حيث اعتمد ذات الحزب في كلا البلدين على مبدأ إقامة الدولة الأمنية المخابراتية الاستبدادية بديلا عن الدولة المدنية المتحضرة، وربما قراءة سريعة لمقارنة أولية بين الجناحين الساقط منهما والذي يحتضر الآن تظهر لنا هذه الحقائق الأولية:
850000 عضو في حزب البعث السوري يقابله في العراق ما يقرب من ثلاثة ملايين.
600000 عنصر في أجهزة الامن السوري يتوزعون على 12 جهاز، وفي العراق مضروبا في ثلاثة ولكن في ستة أجهزة رئيسية.
2000000 مليونان فرد من العلويين، وفي العراق لم تكن أسرة الرئيس تقبل توسعا لكي لا تقل الامتيازات!
250000 مهجر ممنوعين من العودة إلى سوريا، يقابلهم أكثر من عشر أضعافهم لغاية سقوط النظام.
أكثر من 30000 قتيل في مذابح حماة وتدمر وحلب، وفي العراق فقط في حلبجة خمسة آلاف شهيد خلال ساعات، وأكثر من مليون قتلوا في كوردستان والاهوار والعراق عموما منذ توليهم السلطة في تموز 1968م.
عشرات آلاف المفقودين الذين لا يعلم أهاليهم شيئا عنهم لعقود، ومئات الآلاف من الكورد الفيليين الذين تمت إبادتهم بالكامل، مع مئات الآلاف من الكورد الذين سيقوا الى صحراوات الجنوب والوسط ودفنوا أحياء في مقابر جماعية تم اكتشاف العديد منها.
- آخر تحديث :
التعليقات