أتابع بحرقة ما يدور على الساحات العربية من إنتفاضات، بعضها نجح كما في مصر وتونس ولكنه لا يزال يتأرجح في خطواته الثورية، يحّد من تقدّمه عامل الخوف من التيارات المناوئة التي تتصيد الفرصة التي قدمت لها على طبق للوصول إلى السلطة مستخدمة شعارات دينية لدغدغة العاطفة الدينية لتحقيق أهدافها السياسية، وبعضها لا يزال يقطر منه دم شباب فضلوا الخروج من الحياة بكرامة على ان يعيشوا فيها بدون كرامة كما في سوريا واليمن وليبيا، والآخر لا يزال محتقنا يقيّم نسب نجاحه وينتظر بفارغ الصبر أن يتعلم من تجرية الدول العربية الأخرى.. العامل المشترك الأوحد بين كل هذه الثورات هو وجود ودعم القاعدة الشعبية بمعظم طوائفها وأعمارها لضرورة التغيير. ولكن هل يقتصر هذا التغيير على تغيير الحكام فقط أم أنه يمتد إلى تغيير ما بالأنفس لضمان النجاح في تجربة هزت أركان المعمورة. وماهو التغيير المطلوب للإنتقال بالمجتمع العربي إلى مرحلة التقدم المطلوبه لعلاج آفات الفساد والبطالة وللخروج من آفة التخلّف التي لازمته لعقود؟؟ المطلوب الأول والذي يقع على عاتق رجال الإعلام.. لحظة صدق مع النفس.. وعدم التخفي وراء شعارات دينية تتعارض مع المبادىء الأساسية للديمقراطية الحقة حفاظا على مصالح معينة، أو للإبقاء على الصورة القيادية لكاتب لدى الجمهور، كما كتب احد أعلام الإعلام العربي مؤخرا quot;quot;أريد دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين، تستهدي قوانينها من القرآن والسنّة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعبquot;quot; أعتقد أن الكاتب فقد مصداقيته ففي الوقت الذي ينادي فيه بدولة مدنية، ينادي فيه بدولة دينية لا تخالف الشريعة وهو يعلم علم اليقين بأن الديمقراطية الحقة لا تتلحف بأي شريعة دينية لأي دين. فالدولة الدينية تتمسك بتطبيق العقوبات البدنية كما جاءت في الشريعة.. ولكن وفي الدولة المدنية تتمسك بما جاء في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لترسيخ قيم المحبة والتسامح والعقاب بطرق مختلفة. وبالتالي فإن مثل هذه الدولة التي ينادي بها الكاتب دولة دينية بإمتياز لا تتناسب مع العصر ولا مع التغيير الذي يخدم مصلحة شعوب المنطقة !!! التوقف التام من الإعلاميين عن تبجيل وإحترام شخصيات مريبة ومثيرة للشك في مآربها أضرت بسمعة الدين والإنسان العربي. لأن هذا التبجيل والإطراء يجعل منها قدوة وفي مثل هذه الحالة قدوة سلبية للغاية. ثؤثر نفسيا على الناشئين وتخلق بلبلة في أفكارهم عن الخير والشر. والمثل الأكبر على هذا هو شخصية بن لادن.. والتي لا يكف البعض من الإعلاميين عن إطرائها على أنها الشخصية القدوة التي تركت رغد العيش لتفي بطموحات الشعوب العربية في الإنتقام من الغرب. السؤال الواضح هل حقا حققت أي من طموحات الإنسان العربي وحتى أي إنتصار؟؟؟ موضوعية بحته قد تصل إلى حد المرارة في تفعيل العقل النقدي لنقد التراث وغربلته، كما حدث في الأديان الأخرى. ليس فقط لتحسين صورة الإنسان العربي. بل وأيضا لتحسين صورة الدين نفسه من الشوائب التي علقت به ونفّرت العالم منه. إن أهم بعد في التغيير هو تغيير العقلية أو الذهينه العربية التي إستندت إلى ثقافة الخوف والخضوع، والتي أثبتت ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا بما لا يدع مجالا للشك بأن الرجل العربي كسر هذه الحواجز المعوّقة، ولكن الحقيقة الساطعة تؤكد بأن المنطقة بأسرها لن تحظى بإحترام العالم ونقل هذه الإنتفاضات إلى مصاف الثورات الكبرى بدون تغيير الذهنية العربية تجاه المرأة ومساواتها بالكامل مع الرجل وهو معيار مدى التقدم والتطور الذي علينا جميعا الترويج له. وهي المعضلة التي سيواجهها رجال الدين الذين روّجوا لدونية المرأة ولكنها هي أيضا المعيار لمدى صدق نيتهم في تقّدم وتطوّر مجتمعاتهم.. فمسئوليتهم تحتّم عليهم التحالف مع الإعلام ووضع خطة متكامله للقضاء على الثقافة الذكورية التي روّجوا لها خلال العقود السابقة.. إن حركة الإصلاح المطلوبة للأخذ بيد هذه الإنتفاضات يجب ان تتلاقى مع ثورة في التعليم تبدأ من الخروج عن مبدأي التلقين وحشو المعلومات الذي يفتقر إلى أية حرية فكرية، وعصرنة مناهج التعليم لتتوافق مع مناهج الدول المتقدمة بطريقة تخدم الإنسان العربي سواء بقي في مجتمعة أم قرر الإنتقال أو الهجرة إلى مكان آخر. ثم تشجيع وتنمية قدرة الفرد على التعاطي مع الآخرين بروح رياضية منفتحة للحوار وللعمل الجماعي لتجذير فكرة المسؤولية المشتركه عن التقدم وعن كل ما يعيق التطور المجتمعي. الترويج لقيم التقدم في المجتمعات العربية والخروج من ثقافة الإتّكال التي تعيشها الشعوب العربية، فليس هناك من مخلّص يمتلك معجزة الخروج من التخلف والفقر سوى الإرادة والعمل الدؤوب والخروج من سياج التوكل والإتكال.. باحثة وناشطة في حقوق الإنسان
الوعي للتغيير عبرت عنه الجماهير العربية بتضحيات لم يسبق لها مثيل في تاريخ المنطقة العربية، ولكن الواضح للعيان بأن غياب الإرادة السياسية عند الحكّام والمنتفعين من الأنظمة الحالية بما فيهم أصحاب المناصب والمّرّوجين لتلك الأنظمة وفقهاء الدين الذين إنتفعوا من الأنظمة الحاكمة، ومن الإبقاء على جهل وتجهيل الشعوب حفاظا على مصالحهم، هو ما يزيد من الدماء النازفة ولكن السؤال الذي يجب إعادة طرحه في كل الإتجاهات هل الوعي العربي في مستوى قادر على التعّرف على مايريده من تغيير يخدم أهدافة للتطور والتقدم؟؟ وما هو التغيير الجذري المطلوب للوصول إلى بر الأمان للإنسان العربي؟؟
أنا أعتقد بأن.. ما بين الحكام وتمسكهم بالسلطة، وفقهاء السلاطين وتمسكهم بمناصبهم. يبقى التنويريون وقادة الفكر والإعلاميون هم المسؤولون عن خلق الوعي الكافي لدى الجمهور للتغيير في الإتجاه الصحيح، لتوفير الوقت والجهد والأرواح.
الحقيقة تؤكد بأن طوفان الشعوب لم يكن من خلال أية تنظيمات معينه..بل من خلال الفيس بوك. ولكن الحقيقة تؤكد أيضا بأن التنظيمات الإسلامية تواجدت بعد الشرارة الأولى وأعتقد بأنها إستغلت الإنتفاضه للحصول على ثقة الشارع بتواجدها وتسييره بإتجاه إنجاحها في الإنتخابات المقبله. ولكن قناعتي أيضا تؤكد بأن القاعدة وتزمّتها لم يكونا مصدر إلهام لهذه الإنتفاضات الشبابية..
فبينما يريد شباب الإنتفاضات إضافة إلى وأد الفقر، التغيير لمواكبة العصر الذي يعيشون فيه، فإن مبادىء وأهداف هذه التنظيمات لا تختلف كثيرا عن أهداف تنظيم القاعدة التي تريد العودة إلى سالف الزمان، وإن إختلفت هذه التنظيمات في طريقة التعبير عنها مستخدمة المراوغه ومحللة التقية. وتبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق أحلام الشباب في العصرنة والتقدم وحتى التخلص من الفقر.. فالفقر تواجد على الأرض المصرية خلال نفس الفترة التي تصاعدت فيها التنظيمات الإسلامية، وأكبر دليل على ذلك العشوائيات التي ترعرت خلال النظام السابق على سمع ونظر التنظيمات الإسلامية بينما يرتع قادتها بكل ما يقدمه العصر الحديث من بذخ وكماليات. وعليه فالفجوة ما بين الأهداف كبيرة، والخوف الأكبر هو من إستغلال هذه التنظيمات للعاطفة الدينية لدى الشرائح الكبرى من الشعوب.. للوصول إلى كراسي الحكم التي حلمت ولا زالت تحلم بها..
فما هو المطلوب لخضخضة الواقع الراكد ولضمان سير هذه الإنتفاضات بما يتناسب مع المصلحة الجماهيرية العامة..
الإعتراف بأننا متفقون بأن الديمقراطية هي المطلب الأساسي والوحيد للتغيير، ولكننا مختلفون بشكل الديمقراطية التي نريدها ونتطلع إليها. كيفية خلق توازن ما بين الثوابت الخصوصية لمجتمعاتنا والحد الذي نستطيع فيه التوفيق ما بين الديمقراطية والإحتفاظ بهذه الثوابت، في عالم متغير لا يحفل بأية ثوابت. والثابت الوحيد فيه هو إحترام الكرامة الإنسانية لجميع مواطنية بلا تمييز ولا عنصرية.
أرى بأنه من مسؤولية الإعلام ورجالة الجرأة على التساؤل في كل هذه الثوابت.. توجية الشارع ليستطيع بالعقل الحر أن يختار ما يتناسب مع العصر.. وما يريد أن يصل إليه من تطور حقيقي في عالم يشهد تساؤلات عن كل بديهيات الحياة، في عالم أصبح بفعل الثورة المعلوماتية وثورة الإتصالات بلا ثوابت وبلا حدود..
تشجيع هذه الحرية الفكرية وحرية النقد يجب أن تتلازم مع تشجيع حرية التعبير والخروج من الأسطورة الوهمية التي غذتها الثقافة والعادات بأننا الأفضل والأصلح والأكثر تدينا. التاكيد على أننا بشر مثل بقية الخلق معرضون للصواب والخطأ في كل ما يتصل بثوابتنا.
توجيه العاطفة الدينية المتأصلة في نفوس الشعوب العربية، إلى النواحي الإيجابية الموجودة في مبادىء الأديان كلها، ولا تقتصر على دين واحد، وأنسنة هذه المبادىء لتتوافق مع مصلحة الإنسان وحقوقه التي ومن المفروض كفلتها كل الشرائع والأديان ولا تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
إن هذه الخطوات المطلوبه عاجلا ستعمل على توفير المناخ الفكري والثقافي الذي يعمل على مساعدة الإنسان العربي على الترشح والإنتخاب بوعي ومسؤولية، وتفويت الفرصة على الأحزاب الدينية للإحتفال بالنصر. النصر الوحيد في هذه المرحلة الحرجة هو للإرادة وللإنسان العربي في قدرته على إختيار ما يتناسب مع مصالحة في عالم مترابط المصالح والأهداف..
نعم الديمقراطية الحقة هي طريق الخلاص.. وفصل الدين عن الدولة هو أولى الخطوات التي يجب أن يتفهمها الإنسان العربي ويقتنع بها. ويبقى الإيمان مسأله روحانية خاصة يجب أن توجه للإيجابية في التعاطي مع مصالحنا جميعا بدلا من السلبية التي إعتمدها فقهاء الدين خلال العقود السابقة..
- آخر تحديث :
التعليقات