لم quot;يدللquot; النظام السوري أكراد(ه) الممثلين بأكراد الأحزاب، منذ أكثر من أربعة عقودٍ من احتكار آل الأسد لمقاليد السلطة في سوريا، مثلما هو quot;يدللهمquot; في هذا الزمان.
فهذا النظام الذي لم يعترف يوماً، بوجود الأكراد في سوريا، ولم يلتفت لقضاياهم(لا كمواطنين سوريين، ولا في كونهم قضية أرض وشعب، كما تقول دفاتر بعض الأحزاب الكردية)، ولم يدخّر جهداً، على امتداد الزمان والمكان الكرديين، في سوقهم إلى السجون والمعتقلات فرادى وجماعات، ولم يتوانى في مناسبةٍ أو بدونها، إلا وألصق بهم تهماً جاهزة، من قبيل quot;العمالة للخارجquot;، وquot;التخابر مع إسرائيلquot;، وquot;محاولة اقتطاع أجزاء من أراضي سورياquot;، هذا النظام أصبح الآن(من منظور دفاتر ما يسمى بquot;مجموع الأحزاب الكرديةquot; أو جلّها)، في أزمةٍ وضحاها، لكأنه quot;النظام الحلquot; للقضية الكردية، بعد أن كان طيلة أربعة عقودٍ من الديكتاتورية الصعبة، quot;النظام المشكلةquot; لا بل quot;النظام الكارثةquot;، ليس في حق الأكراد السوريين فحسب، وإنما في حق كلّ السوريين، بمختلف قومياتهم وإثنياتهم وطوائفهم، بما فيها الطائفة العلوية، التي يصرّ النظام على الإختباء وراءها، لجرّ البلاد إلى أكثر من حربٍ طائفية.
منذ اندلاع الثورة السورية في الخامس عشر من مارس الماضي، يحاول النظام quot;تحييدquot; الأكراد عن الثورة، في محاولةٍ منه لضرب الشعب بالشعب، وشق صفوف السوريين، إلى ملل وأحزاب وقوميات وطوائف، لا سيما وأن نظرية النظام قامت منذ البداية، على فزّاعة quot;الإمارات السلفية المدعومة من جهات خارجيةquot;. وكانت تلك إشارة ضمنية، من النظام المختبئ في quot;عباءة علويةquot; بأنّ الإسلام السلفي، الذي يستهدفه لا بدّ أن يكون quot;سنياً بالضرورةquot;. فكلّ معارض للنظام أو يريد إسقاطه، حسب فقهه، لا بدّ أن يكون quot;سنياً سلفياًquot;، لأن ثنائية النظام الأساسية التي يصرّ عليها في الحكم، منذ أكثر من أربعين عاماً، هي ثنائية quot;العلوي مع الحكم مقابل السني ضد الحكمquot;. علماً أنّ الواقع السوري على الأرض، كما أثبتت يوميات الثورة التي دخلت أسبوعها الحادي عشر، يقول العكس. فالكلّ السوري يردد الآن، من أقصى الثورة إلى أقصاها، بأن quot;الشعب السوري واحد، واحد..واحد..واحدquot;.
النظام السوري حاول منذ بداية الأحداث اللعب في المناطق الكردية، على الوتر القومجي، وذلك من خلال تسليح عشائر عربية وجرّها إلى صراع قومي مع الأكراد، كما فعلها في مناسبات أخرى. ففي انتفاضة قامشلو 2004 مثلاً، نجح النظام أيما نجاح في استمالة العرب السوريين(بمن فيهم معارضون معروفون) وتحريضهم ضد أخوانهم الكرد، بحجة أنهم يشكلون خطراً على أمن وسلامة أراضي البلاد، ويخططون لإقامة quot;إسرائيل ثانيةquot; في شمال شرق سوريا.
لكن النظام فشل هذه المرّة في اللعب على الوتر القومجي، فشعب سوريا اليوم ليس بشعب سوريا 2004، وما صدّقه البعض من الشعب السوري قبل سبع سنوات، ما عاد يُصدقه أحدٌ اليوم. انطلاقاً من هذه الحقيقة السورية، كان لا بدّ للنظام من أن يغيّر ألاعيبه وأكاذيبه وأساليبه ويلبسها لبوساً آخر، فبدّل عصاه الغليظة التي طالما استخدمها في ضرب القضية الكردية وأكرادها، بquot;وعود غليظةquot;، أطلقها في اجتماعات أمنية quot;غليظةquot;.
النظام أراد بذلك تحقيق أكثر من هدف:
أولاً: دعم روايته الرسمية التي تقول بquot;وجود محاولات لإقامة إمارات سلفية في سورياquot;. النظام حاول منذ البداية أن يركّز على quot;المكان السنيquot;(الجامع تحديداً) بإعتباره مهداً للولادة المفترضة لهذه الإمارات، وهو الأمر الذي بررّ به دخوله المدجج بالأسلحة الثقيلة والدبابات، في كلّ مكانٍ معارض، بحجة انتماء أهله إلى شعب هذه الإمارات السلفية المفترضة. في المكان الكردي، لا يمكن لأحدٍ تصديق هذه الرواية، وذلك لأكثر من سبب. فالأكراد بجميع أحزابهم وتياراتهم(حيث لا يوجد حتى الآن أيّ حزب ذات توجه إسلامي) رغم انتمائهم السني، يعتبرون قضيتهم في سوريا بالدرجة الأساس، قضيةً وطنية ديمقراطية ذات لبوس قومي، أي هي قضية quot;أرض وشعبquot; ضمن سوريا واحدة، أكثر من أن تكون قضية quot;أغلبية سنية محكومة ضد أقلية علوية حاكمةquot;. فالكذبة التي ركبها النظام وروّج لها في quot;الجامع العمريquot; بدرعا، كأول quot;مكان سنيquot;، اتهمه النظام بالإرهاب والسلفية، ما كان بإمكان النظام أن يروّجها بذات البروباكندا ويمررها على الداخل السوري وخارجه، في جامع قاسمو بقامشلو مثلاً، لأن أي حديث عن الإرهاب والإمارات السلفية، في المكان الكردي، سيقابل بالإستهجان والشطح وquot;خفة العقلquot; داخلياً وخارجياً، فقضية الأكراد كما هم يعرّفونها ومعروفون بها أيضاً، هي قومية(أرض وشعب)، لا دينية طائفية.
قضية الأكراد السوريين تشبه في هذا المنحى، قضية أخوانهم في كردستان العراق إلى حدٍّ كبير. فأكراد العراق رغم كونهم يشكلون غالبيةً سنية، إلا أنهم دخلوا في العملية السياسية في العراق الجديد، كطرف ثالث، أي كأكراد قوميين(لا كسنيين ضد شيعة)، ودخلوا في كلّ تحالفاتهم منذ 2003 حتى الآن، على أساس مصلحتهم كمكوّن عراقي quot;إثني قوميquot; أولاً وآخراً، لا كمكوّن quot;طائفي مذهبيquot;.
ثانياً: استمالة الأكراد للنظام، وذلك من خلال الغمز من قناة quot;الأقليةquot;. فالنظام حاول على الدوام إقناع الأقليات في سوريا كالأكراد والمسيحيين والدروز وسواهم، بأنّ لا بديل لهم عن النظام(الأقلوي)، الذي طالما علّق حكم العائلة على quot;الشماعة العلويةquot;. وربما من هذا الباب تحديداً، يمكننا فهم بعض قلق هذه الأقليات من القادم السوري، وتحفظاتها عليه، وخوفها بالتالي من أن quot;تبتلعهاquot; الأكثرية السنية، وتنقلهم الثورة من quot;سوريا تحت الدلفquot; إلى quot;سوريا تحت المزرابquot;.
ثالثاً: ضرب المعارضة بالمعارضة، وتقسيمها إلى معارضات: quot;معارضة وطنيةquot; تحت الطلب، تريد سوريا بقيادة النظام، وأخرى quot;لاوطنيةquot;، quot;مدسوسةquot;، quot;عميلة للخارجquot; تريد إسقاط النظام.
النظام نجح حتى الآن بالطبع، في تحييد أكراد(ه) الممثلين بquot;بمجموع الأحزاب الكرديةquot;(12 حزب كردي ناقص واحد، وهذا الواحد هو تيار المستقبل الكردي، حيث جمّد عضويته في هذا الإئتلاف، بسبب quot;المواقف المهادنة للأحزاب الكورديةquot;، حسب توصيفه). فمنذ اندلاع الثورة السورية، لم نرَ من هذه الأحزاب سوى البيانات والتوضيحات والتعقيبات والإجتماعات السرية والعلنية مع أجهزة السلطة هنا وهناك. لا تزال هذه الأحزاب تقف من المظاهرات والإحتجاجات التي دخلت إسبوعها الحادي عشر، موقفاً محايداً، كأنها quot;مظاهرات أجنبية أو مكتومةquot; لا تعنيها بشيء. هي لا تزال متمسكة رسمياً، بموقفها الرافض للمشاركة فيها بإسمها وشحمها ولحمها، كما تقول آخر بياناتها وتصريحات وكلاءها العامين.
على الرغم من محاولة بعض هذه الأحزاب الداخلة تحت مظلة quot;مجموع الأحزاب الكرديةquot; مسك العصا السورية من منتصفها، حيث تمشي برجلٍ مع النظام، وتمشي بأخرى مع الشعب السوري في المظاهرات، إلا أن هذه السياسة quot;الفاترةquot;، فيها من الديماغوجية أكثر من البراجماتية، وفيها من اللعب مع النظام أكثر من اللعب عليه.
اللافت في مواقف هذه الأحزاب التي اجتمعت لأول مرة في تاريخها منذ 1965(وهو تاريخ الأول من الإنشقاق الكردي السوري على نفسه)، تحت سقف بيان واحد أو صيغة إئتلافية واحدة، هو أنها تغني في هذا الزمان السوريّ الثوري الصعب، السياسة في وادٍ، فيما الشارع السوري يرفع ثورته على كتفه، في وادٍ آخر.
فالشعب(بمن فيه شعب قامشلو وسائر المدن الكردية الأخرى) يريد الآن إسقاط النظام، فيما هذه الأحزاب تريد الحوار مع النظام والجلوس إليه على طاولةٍ، لا يزال حزب البعث هو قائدها وسيد كل من حولها.
الشعب يريد سوريا بدون هذا النظام، فيما quot;مجموع الأحزاب الكرديةquot; لا تزال تريد quot;سوريا ضروريةquot; مع quot;النظام الضرورةquot;.
اليوم تناقلت بعض وسائل الإعلام أخباراً عن لقاءٍ وشيك سيجمع الرئيس الأسد مع وفد من أحزاب الحركة الكردية(وهي 10 أحزاب حتى الآن، حيث قرر حزبا تيار المستقبل وآزادي اليوم عدم المشاركة في هذا الحوار)، بالإضافة إلى شخصيات كردية أخرى مستقلة. متحدثون بإسم الأحزاب الكردية وافقوا بحسب الأخبار، على الطلب مباشرةً، وقالوا أنهم لا يرفضون الحوار مع النظام من حيث المبدأ، وسيذهبون إلى الأسد وquot;يتحاورونquot;(أو يلتقون) معه، في إطار quot;المبادرة الكرديةquot;، التي ستقدّم إليه كquot;خارطة طريقquot; لإنقاذ سوريا من أزمتها الراهنة.
الجدير بالذكر أنّ المبادرة الكردية التي وقعّ عليها 12 حزباً كردياً، في 14 مايو الماضي، كانت قد تضمنت 8 نقاط، لم يشر فيها الموقعون، لا من بعيد ولا من قريب، إلى ما مارسه(ولا يزال) النظام السوري من إرهاب منظم بحق المتظاهرين السوريين.
المبادرة لم تصف حقيقة ما يجري في سوريا، ولم تسمّ الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وإنما اكتفت بوضع نقطة في آخر سطر الثورة السورية ودمها المسفوك على أيدي النظام، مطالبةً الجميع البدء بسوريا جديدة للجميع، تبدأ من أول السطر.
أيّ ما فات مات، وعلى الكلّ أن يبدأ مع الكلّ من جديد، من دون أية إشارة، لا قريبة ولا بعيدة، إلى ضرورة محاسبة قتلة الثورة السورية وأهلها، الذين سقط منهم حتى الآن، حسب منظمات حقوقية، أكثر من 1270 شهيد على أقل تقدير، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين.
لا أدري ما هي الأوراق التفاوضية، التي ستذهب بها الأحزاب الكردية إلى quot;الحوارquot; مع الرئيس السوري، فيما نظامه لا يزال مصرّاً على quot;الرأي الواحد بقيادة الحزب الواحدquot;، ومتمسكاً بالخيار الأمني الأوحد، لتصفية الثورة وإبادة شعبها عن بكرة أبيه؟
أيّ حوارٌ سيكون هذا، مع نظامٍ فاشيّ لا يزال يركب خيار الزحف على المدن بالدبابات والقناصات، كخيار لا رجوع عنه؟
ثمّ هل بقي من حوارٍ أصلاً مع نظامٍ استبدادي كالنظام السوري، الذي لا يعترف بالآخر إلا في كونه رقماً معطّلاً يقوده القائد الأوحد، الذي لا رأي فوق رأيه؟
كيف الحوار معه، ولا تزال دباباته تقول للسوريين وثورتهم: quot;إما الديكتاتور أو الخرابquot;؟
الأحزاب الكردية تركض اليوم إلى quot;الحوارquot; مع النظام السوري، في وقت تُقتل سوريا يومياً، بأيدي شبيحته، وتُحاصر مدنها بدباباته وكتائب الموت المرخصة بإسمه.
العالم كلّه بات على قناعةٍ شبه تامة، بأنّ لا حوار مع نظامٍ يقتل شعبه، ويدوس على جثة مدنه يومياً بالدبابات، لا سيما وأنه بات مؤخراً، حسب آخر تصريح لسيدة الديبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون، قاب قوسين أو أدنى من السقوط في اللاشرعية، أو quot;بدأت شرعيته تنفذquot; حسب قولها.
فقط quot;ديبلوماسيةquot; الأحزاب الكردية، لا تزال تصدّق النظام، وتأتمن على النظام، وتعوّل على النظام، وتعطي الشرعية للنظام، وتهرول إلى الحوار مع النظام.
واهمةٌ هي هذه الأحزاب، إن ظنّت أنها تمارس السياسة بالسياسة، وتقايض المصالح بالمصالح.
واهمةٌ هي، إن صدّقت quot;شيوخهاquot; الذين أكل الدهر على سفسطاتهم السياسية وشرب، بأنهم يعرفون مصلحة الشعب الكردي السوري، أكثر من غيرهم.
واهمةٌ هي، عندما تقول كما قال النظام ولا يزال، بأنّ زمان سوريا ليس كزمان مصر ولا تونس ولا ليبيا ولا اليمن.
واهمةٌ هي، إذ تؤمن بحوارٍ مع نظامٍ، قتل ولا يزال كلّ ما يمكن أن يؤدي إلى حوارٍ أو شبيهه.
واهمةٌ هي، إن ظنت بأنّ الديكتاتور الذي لا شريك له في سوريا اليوم، سيشرك آخرين معه في ملكه.
واهمةٌ هي، إن أصرّت على لغطها وادعّت بأنها تفهم سوريا الثورة، الآن، كيف ستصير، ومن أين إلى أين ستسير، كما تقول دفاتر أخبارها العاجلة هذه الأيام.
واهمةٌ هي، أن صدّقت كذب النظام، بأنه فهم الأكراد الآن، وهو مع الحق الكردي، الذي كان باطلاً في فقهه، طيلة أكثر من أربعين عاماً.
واهمةٌ هي، إن صدقت quot;سوريا النظامquot;، أكثر من تصديقها لquot;سوريا الشعبquot;.
النظام السوري ساقطٌ لا محال، كما تقول شرعة الشعب السوري اليوم، ومن يريد الحفاظ على صعود حقه في القادم من سوريا الثورة، عليه تجنب الهبوط إلى باطل النظام، في quot;سوريا الأسدquot;.
التعليقات