الحياة السياسية في اقليم كردستان بدأت بعد عقدين من الحراك تشهد فصولا من الربيع والخريف كنتيجة حتمية لسنة الحياة وكنتيجة طبيعية للتأثيرات الممتدة من ربيع الثورات العربية الى المنطقة، ونتيجة الاوضاع التي مر بها الاقليم وما نتج عنها من تطورات سلبية وايجابية، سجل الحضور القيادي للزعيمين الطالباني والبارزاني مشهدا ربيعيا للأول ومشهدا خريفيا للثاني، وبين المشهدين هناك رجل يرتكز عليه حالة السلام في كردستان.

وصف الطالباني في الإعلام وبعض الخطابات السياسية بأنه صمام أمان العراق وهو فعلا قد أثبت انه أهل له ولولا دوره القيادي الاعتباري بين الكتل والاطراف العراقية لانزلق الوضع السياسي في بغداد الى انحدار شديد ومن يعيش في العاصمة الاتحادية يلمس هذه الحقيقة على أرض الواقع، ولكن في اقليم كوردستان العراق لا ينطبق هذا الوصف الا على رجل واحد شاءت أقداره ان تضعه في صف القيادات الكردية الى تزعمت الحركة التحررية الكوردستانية طوال العقود الثلاث الأخيرة، وهذا الرجل ليس برئيس الاقليم مسعود البارزاني ولا بزعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني جلال الطالباني.

الحقيقة الساطعة في كوردستان ان أربعة من القادة الكرد لا يستهان برصيدهم الشعبي، ومهما تقلبت الظروف يبقى رصيدهم بين اوساط الشعب ثابتا وان اخذ بالتذبذب بين فترة وأخرى، وحجم هذا الرصيد يتراوح بين 15-25% لكل منهم على مستوى كل الاقليم، والمثير للاستعجاب من ضمن هذا الرصيد مجموعات من المؤيدين ممن هو على الاستعداد للتضحية والفداء بروحه من اجل القائد الذي يؤمن به، وهؤلاء القادة هم رئيس الاقليم مسعود البارزاني والرئيس العراقي جلال الطالباني ونائب الطالباني كوسرت رسول ورئيس حركة quot;كورانquot; للتغيير نوشيروان مصطفى.

ويتركز انصار البارزاني في دهوك وبعض اجزاء اربيل وكركوك، وانصار الطالباني في السليمانية وكركوك واربيل وبعض اجزاء دهوك، وأنصار رسول في أربيل وكركوك والسليمانية وبعض أجزاء دهوك، وأنصار مصطفى في السليمانية وبعض أجزاء أربيل وكركوك، ومن يريد ان يتحقق من هذه المعلومة عليه أن يراجع نتائج الانتخابات لرئاسة وبرلمان كوردستان وانتخابات مجلس النواب العراقي.

ويتبين من هذه المعلومة ان مدينة أربيل تحتل الأهمية الكبرى لرسم الخارطة السياسية في اقليم كوردستان، وتتضح ان مديات الرصيد الشعبي للقادة الكرد في هذه المدينة لا تميل لصالح أحد منهم بمستوى الأغلبية، ولكن الحقائق على أرض الواقع تشير الى ان الرصيد الجماهيري السياسي في عاصمة الاقليم ينحصر بين البارزاني ورسول، وهذه الحقيقة رسختها سنوات العقدين الماضيين بعد الانتفاضة واحتفالية حزب الطالباني بعيد تأسيسه في الاول من شهر حزيران هذا العام في اربيل كشفت وجه هذه الحقيقة من خلال خروج مئات الالوف من الاعضاء والانصار بعفوية للاحتفال بتاسيس الحزب وتجديد الثقة بزعامة الاتحاد الوطني، واطلقت الاحتفالية ربيعا متجددا للطالباني ونائبه رسول أمام خريف طالت ايامه قد يقود البارزاني الى الغروب من ساحة كردستان.

وفي حقيقة الامر فان الاحساس بشعبية القيادي نائب الامين العام للاتحاد الوطني في أربيل ليس وليد اليوم وانما وليد السنوات قبل الانتفاضة وخلالها وفيما بعدها، والسبب في ذلك ان القيادي رسول صنع بنفسه تاريخا وسجلا مشرفا لشخصه داخل الحركة التحررية الكردية كشاب ثائر وكبيشمركة وكقائد شجاع وباسل في الميدان وكانسان وكقيادي موصوف بالشهامة والنبل والرجولة والفروسية كما يذكر دائما على لسان انصاره ومحبيه في كوردستان، بينما البارزاني يعلل بأنه اعتلى زعامة الحزب الديمقراطي بارث من ابيه القائد مصطفى البارزاني وبتقليد لتوريث الحكم وليس بوضع من صنيع يديه، ولهذا يحس في عاصمة الاقليم وفي كركوك والسليمانية وأجزاء من دهوك بان القيادي المحبوب والأكثر قربا من قلوب الكثير من الكرد هو نائب الطالباني.

وبطبيعة الحال فان الاحداث والوقائع على ارض الميدان أثبتت ان الاقتداء بالنموذج الوطني للقيادات في العراق وكوردستان بحكم التجربة والممارسة الفعلية والاختبار على ساحة الميدان لم يشهد له نظير منذ الانتفاضة وسقوط النظام السابق سنة الفين وثلاثة الا في حالة واحدة وهي لشخصية قيادية عراقية كردية، وهو القيادي كوسرت رسول علي، وهذا ليس بغريب عنه حيث من المعلوم ان هذا القيادي وضع مصلحة اقليم كوردستان فوق كل الاعتبارات والمكاسب السياسية الشخصية التي كان يمكن ان يحققها في حالة تحالفه مع رئيس حركة التغيير الكردية نوشيروان مصطفى، وكان يمكن لهذا التحالف ان يغير الخريطة السياسية في الاقليم، ولكن بموقفه الوطني العالي النابع من الاحساس بالمسؤولية التاريخية تحول هذا القيادي الحكيم الى عامل حيوي للاحتفاظ بالأمن والاستقرار والسلام في ربوع الاقليم خلال الانتخابات الاخيرة للبرلمان الكوردستاني في 25 تموز 2009، وساعد في الوقت نفسه على بروز هاديء واستيعاب سلمي وايجابي لحركة التغيير الكردية المعارضة في الحياة السياسية الكوردستانية وامتصاص الآثار السلبية لظهور مثل هذه الحركات بممارسات مسؤولة لابعاد الوضع العام في الاقليم عن اي احتمال للتدهور.

وكذلك في فترة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مدينة السليمانية لعب نائب الامين العام للاتحاد دورا حيويا ورئيسيا في ابعاد المدينة وحماية اهاليها من وضع خطير كاد أن يخلقه التعامل غير الحكيم للحزبين الحاكمين مع المتظاهرين المدنيين، وبفعل هذا الدور خرجت المدينة آمنة سالمة لتعود الحياة فيها الى طبيعتها واستقرارها، وهذا ما دفع ان يواصل الشعب الكوردستاني التمتع بالاستقرار السياسي والبناء الاقتصادي والعمراني لتحقيق التنمية والنماء في كل مجالات الحياة.

لهذا ومن خلال استقراء هذه الوقائع والأحداث والأزمات التي مر به الاقليم في الواقع الراهن وطوال العقدين الأخيرين يتبين ان الرجل القيادي الذي لعب دور صمام الأمان في كوردستان خلال كل تلك المراحل هو نائب الطالباني، وهذا ليس بغريب عن كل مراقب محايد ان كان كرديا او عراقيا.

ولا يخفى ان الرئيس البارزاني كما يستشعر به يملك بعض سمات التنافر من الشخصيات والقيادات الوطنية الكوردستانية التي خرجت من متون العوائل الكادحة والتي بنت لنفسها تاريخا مشرفا من النضال القدير والجليل الذي يفتخر به كل الكرد ومن هؤلاء القيادي رسول الذي رفض البارزاني اعادة تكليفه نائبا لرئيس الاقليم بصلاحيات نافذة بالرغم من اصرار الاتحاد الوطني على ترشيحه، وهذا ليس بغريب عن رئيس الحزب الديمقراطي وكما هو ملموس من الواقع فقد فرض شروطا للتحرك على حزب الطالباني وعلى الاحزاب الاخرى داخل منطقة نفوذه في اربيل ودهوك، وقيودا على حركة نائب الطالباني، ولهذا توصف منطقة ادارة الحزب الديمقراطي بعدم احتوائها على أي مجال فعال لتنفيس المعارضة ولا لاصوات الاحتجاجات كالتي شهدتها مدينة السليمانية، وتصف الصحافة الاهلية هذه الإدارة بالمنطقة المغلقة المحكومة بقبضة من النظام الأمني والبوليسي للبارزاني.

ومن الجلي، مع كل القيود التي فرضت على حركة رسول نائب الطالباني من قبل البارزاني وحزبه، وأحيانا حتى من قبل بعض قيادات حزبه، فقد تمكن هذا القيادي من امتصاصها بحكمة وصبر شديد، وحال دون تحولها الى عامل بؤرة لخلق أزمة مفتعلة ومتقصدة من قبل الآخرين، وتعامل بروح نابع من المسؤولية العالية تجاه كل الممارسات الاستفزازية التي ارتكبت ضده عن قصد، وتمكن بكل اقتدار من سحب البساط من كل تلك القيود والممارسات غير الموزونة سياسيا التي وجهت ضده ليخرج منها منتصرا بحق ومكتسبا مكانة اكبر قوة وأكثر جماهيرية ليحظى بحب أوسع في قلوب شعب كوردستان.

نائب الطالباني اثبت انه حقا رجل السلام وصمام الأمان في الاقليم، ويا ليت كل القادة في العراق وفي كوردستان كانوا قدوة بهذا المستوى وبهذه الروحية والمسؤولية الوطنية، وما الحياة الا ربيعا وخريفا، وما عسانا الا ان نتأمل بالخير للجميع.

كاتب وصحفي - بغداد
[email protected]