كتب الكثيرون في الأسابيع الماضية عن قيادة المرأة السعودية للسيارة بعدما فجرت منال الشريف الملف بقيادة سيارتها في شوارع الخبر. إن الأمر لا ينحصر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وفي حقيقة الأمر أن للمرأة حقوق كثيرة تريد تحقيقها وإن تكن قيادة السيارة أو موضوع مواصلات المرأة واحدة من جملة تلك المطالب. إن التسويف بتعطيل تحقيق متطلبات المرأة وحقوقها يتطلب عقلانية بالتفكير ولم يعد مجديا تأخره ولنتذكر أننا دخلنا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

من المعروف أن المملكة العربية السعودية قد وضعت ثقلها وإمكاناتها في نشر التعليم في كل أرجائها وإن موقف الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وإصراره على فتح المدارس للبنات معروف فالبذرة التي زرعها ستظل باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن افتتاح جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات تعتبر ثمرة ماقام به الملك فيصل ناهيك عن برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للابتعاث الخارجي والتوسع في افتتاح الجامعات في الداخل والذي نالت المرأة السعودية حقها الوافي منه حتى صارت المملكة حكومة وشعبا يفتخران بنماذج الخريجات السعوديات من أكبر الجامعات في العالم وصارت المرأة السعودية تتبؤ مراكز مهمة في الداخل والخارج فهناك موظفة في مركز رفيع في هيئة الأمم ونائبة لوزير التربية والتعليم وهناك نماذج كثيرة أخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر الدكتورة أفنان الشعيبي التي حازت على جائزة دبلوماسي العام 2011 من قبل مجلة الدبلوماسي البريطانية وإشارة أخرى إلى الأستاذة منى خزندار كأول امرأة تشغل منصب مدير عام معهد العالم العربي في باريس وغير هؤلاء كثيرات ولكن في نفس الوقت إذا أرادت هذه المرأة قيادة السيارة في بلادها كالذين طالبن بذلك في 17 يونيو المقبل فإن مخلفات بقايا أنصار محاكم التفتيش من بقايا القرن السادس عشر فإن هذا القطيع يلوح بضرب المرأة بالعقال إذا خرجت بمطالبة كهذه. وكما أن كان هناك معارضين كان هناك مؤيدين للفكرة ككثير من الكتاب والمثقفين وحتى بعض الوزراء كالدكتور عبدالعزيز خوجة وبعض رجال الدين مثل الدكتور عائض القرني. إن هذه التناقضات وكثرة الآراء واختلافها في مواضيع خاصة بالمرأة تصيب المرأة بل المجتمع بأسره بالحيرة و انفصام في الشخصية.

أخي الكريم أختي الكريمة
إن قيادة المرأة للسيارة ليس الخطر الرئيسي الذي يهددنا اليوم ككيان وعلينا أن ننظر للمخاطر الحقيقية بشفافية التي تحيط بنا من كل مكان ولا يمكن والوضع كذلك أن نضع رأسنا في رمال الربع الخالي كالنعامة. من يجرأ اليوم أن يتجاهل مايجري في اليمن وسوريا وليبيا وماجرى بالأمس في تونس ومصر وعلينا أن ندرك مخاطر المد الشيعي الخميني الذي يسعى أن يجير مشاكله الداخلية إلى الخارج المحيط به بدءا في البحرين والعراق ولبنان وربما غيرهم ويجب كذلك ألا نتجاهل المد الإخواني الآخر والذي يريد أن ينقض على كراسي الحكم في أكثر من بلد عربي وفي كلا الحالتين فإنهما طالبان بقشيبة جديدة واسم مختلف.

أخي الكريم أختي الكريمة
خلال دراسة ميدانية قمت بها لإحدى القرى في جنوب المملكة حيث أظهرت تلك الدراسة أن 70% من نساء القرية التي أجريت عليهن الدراسة لم يتمكن من إكمال دراستهن بسبب المواصلات. أما اللاتي فاتهن قطار التعليم ويتطلعن إلى إقامة مشاريع تجارية صغيرة لسد رمق أنفسهن وعائلتهن فإنهن لا يستطعن تحقيق ذلك بسبب مشكلة المواصلات أيضا وهنا تجد أهل الحل والعقد يمنعون المرأة من قيادة السيارة أما كيف تعالج المشكلة وتحل المشكلة فإنسى فهنا تتعطل لغة المنطق والعقل والفهم وهنا نحوم حول المشكلة ولا نعرف أن نضع لها حلا.

أخي الكريم أختي الكريمة
في اجتماع سيدات الأعمال السعوديات في الغرفة التجارية في جدة تم التطرق إلى المشكلة الكبرى التي تواجه المرأة السعودية في التنقل وقد تظافرت الجهود والعمل على إيجاد حل لهذه المعضلة ومن أهم هذه التوصيات معالجة موضوع المواصلات فقد أجريت مقارنة إقليمية للخصائص والتحديات والتطلعات الذي قامت بإعداده الأستاذة نورة صالح التركي و ريبيكا برازويل وقد كان ذلك في يوليو عام 2010 حيث تمحورت الدراسة حول التخفيف من القيود على تنقل المرأة من حيث وسائل النقل العامة والقيادة والسفر الدولي للتمكن من مواجهة التحديات ووجوب دمج المرأة في عجلة التنمية من خلال مشاركتها السياسية والاقتصادية وكان من ضمن التوصيات أيضا إنشاء وزارة تعتني بشؤون المرأة وذلك للإشراف على تطبيق قرارات مجلس الوزراء وتعيين النساء أعضاء في مجلس الشورى لضمان تمثيل مصالح صاحبات الأعمال السعوديات وشؤون المرأة بوجه عام وكان التقرير تحت إشراف quot;Monitor Groupquot;، الغرفة التجارية بجدة ومركز خديجة بنت خويلد الذي شاركت بفعاليته صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز رئيسة المركز وقد ساهمت سموها في إعداد مقدمة التقرير الذي تمنت فيه أن يكون التقرير بمثابة إضاءة لكل صاحبة أعمال وإضافة علمية لكل باحث في شؤون التنمية المستدامة في وطننا الغالي.

أخي الكريم أختي الكريمة
خلاصة لما قيل، علينا أن ندرك أن المرأة في السعودية تعاني مشكلة كبرى تسمى المواصلات تتطلب تظافر الجهود بإيجاد حل جذري لها في ذات الوقت علينا أن نعترف أن هناك مشاكل جمة أخرى تواجه المرأة في السعودية فمنها على سبيل المثال لا الحصر كما ذكر في التقرير عن أحوال حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية في عام 2006: عدم تمكين المرأة الراشدة من التصرف في بعض الحالات إلا عن طريق ولي الأمر أو الوكيل مما يعمق النظرة الدونية لأهليتها الشرعية والنظامية، الاشتراط على المرأة أيا كان سنها ومؤهلها العلمي موافقة ولي أمرها على حصولها على بطاقة الأحوال الشخصية أو جواز سفر، الخلط فيما يتعلق بقدرات المرأة وكفاءتها بين أحكام الشريعة الإسلامية السمحة وبين العادات والتقاليد، المعاناة من تعسف الذكور في التعامل مع المرأة فبعضهن تجبر على الزواج أحيانا ويرفض زواجها بمن تريد أحيانا أخرى كما أن تعليمها وعملها ونشاطها العام وحركتها مرهونة بمحرمها الذكر مهما كان سنه أو مؤهله الدراسي ومهما كان سنها أو مؤهلها، المعاناة من العنف الأسري حيث يشير حجم القضايا الواردة للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان اتساع حجم هذه المشكلة مما قد يجعلها ظاهرة في المستقبل يعاني منها المجتمع السعودي وغير ذلك الكثير.

فهل هذه المشاكل يمكن تأجيلها إلى الأبد بدون حل؟ لقد أخذ موضوع قيادة المرأة للسيارة أقصى مداه السلبي حتى صار مجالا خصبا للرفيع والوضيع من أن يجعل مجتمعنا أضحوكة هذا الزمان كالذي حدث في البرنامج الكوميدي الذي أعده التلفزيون الفرنسي حول قيادة المرأة للسيارة في السعودية حيث ألبسوا السيارة عباءة سوداء وبرقع، فهل نفلح في حل مشكلة من مشاكلنا أم نظل ندور حولها إلى أبد الآبدين؟ إن التحديات التي تمر بها المنطقة والتي تواجهها المملكة تتطلب من كل فرد بتأدية واجبه ولذلك يجب أن تكون المرأة شريكة في حل تلك التحديات وليس آلة يتحكم بها الجميع. فدمج المرأة في العملية السياسية والاقتصادية من خلال إنشاء وزارة شؤون المرأة وتعيين النساء أعضاء في مجلس الشورى سيكون ضمانا لعلاج الكثير من قضايا المرأة وحمايتها من حيرة الآراء المختلفة والمتناقضة في أمور تخصها وبالتالي تكون ساعدا للرجل في مواجهة الأزمات، يدا بيد امرأة ورجل!

*باحثة في مجال الإعلام والتنمية