لا يخفى ان الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني تعرض الى أزمات سياسية كبيرة خلال مراحل نضاله وخاصة منها أزمة انشقاق نوشيروان مصطفى في السنوات الأخيرة، ولكن الاتحاد تمكن من الخروج من كل تلك الأزمات سالما معافيا، وشكلت الاحتجاجات الأخيرة في مدينة السليمانية والتي كانت مدعومة من أحزاب المعارضة مشكلة ايضا للحزب بسبب مساحة الحرية الواسعة التي تتمتع بها منطقة نفوذ الاتحاد الوطني، ولكن بفضل الطالباني ونائبه كوسرت رسول تمكنا من السيطرة على الوضع والخروج برؤية حكيمة ومتوازنة وشفافة لمعالجتها والاستفادة منها لوضع عجلة الاصلاح على طريقه الصحيح لضمان ارضية مناسبة للتجديد تستوعب الواقع الجديد الذي اخذ طريقه الى الساحة السياسية بفعل دخول قوى فعالة للمعارضة مثل حركة quot;كورانquot; للتغيير، وامتلاك القدرة على التعامل مع الاحداث والوقائع في الاقليم بموضوعية وواقعية ومسؤولية، وهذا ما ساعد على اعادة الدور الحيوي للاتحاد الوطني الكردستاني وعودته الى حجمه الطبيعي لارساء ضرورة الوجود السياسي لهذا الحزب في الواقعين الكردستاني والعراقي.

هذه الأرضية الجديدة في تثبيت وجود الاتحاد الوطني المقتدر على الساحة السياسية ساعدته على تجديد روحية النضال التي غرسها في تنظيماته وكوادره وأنصاره وفق اطر جديدة مؤمنة بالحياة المدنية الحديثة المبنية على النهج والفكر الانساني، وهذه الاطر تسمح للتأمل بتقديم رؤية سياسية جديدة من قبل زعامة وأنصار الاتحاد لقراءة المكونات الجديدة في التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية لاقليم كردستان، والاستفادة منها في العملية السياسية والديمقراطية التي يمر بها العراق من سنوات لطرح برنامج ورؤية متميزة للاتحاد.

واحتفالات الذكرى التأسيسية للاتحاد الوطني في هذه السنة كشفت الكثير من الحقائق التي لم تكن متوقعة لا من قبل المراقبين السياسيين ولا من قبل بعض قيادات حزب الطالباني حيث خرج اعضاء وانصار وجماهير الاتحاد خروجا عفويا وبمئات الالوف في أغلب مدن كردستان، وشكل هذا المد الجماهيري الواسع للاتحاد حقيقة جديدة وكشفت عن وجود متميز وفعال للحزب في الحياة السياسية، وان دل هذا الحضور الكبير على شيء فانه يدل على أن جماهير الاتحاد بمستوى المسؤولية الاخلاقية تجاه الحزب وتجاه المهام الوطنية الكردستانية، ودل ايضا بكل قوة على ان الاتحاد الوطني ما زال حزبا قويا وفاعلا ومؤثرا كبيرا على الساحتين الشعبية والسياسية في اقليم كردستان.

وان كان لابد من بيان أسباب لهذا الحضور العالي والمتجدد للاتحاد فان الاسباب الموضوعية التي يفسر بها هذا الوجود الحيوي له يمكن تحديدها بما يلي:
1.الالتفاف الجماهيري الواسع والمعبر عن تجديد الثقة بزعامة جلال الطالباني وكوسرت رسول للاتحاد الوطني.
2.احتواء الأزمات الشديدة التي تعرض لها الاتحاد وخاصة انشقاق مجموعة كبيرة من قيادته ومن جماهيره بزعامة القيادي نوشيروان مصطفى.
3.تجديد الأمل بالاتحاد للقيام باصلاح جدي وفعال والعمل الجاد للقضاء على الفساد المالي والاداري على الصعيدين الحزبي والحكومي.
4.تجاوز المعاناة الكثيرة لانصار الاتحاد وأنصار الأحزاب المعارضة في مناطق نفوذ حزب البارزاني والتي تتسم بنظام أمني حزبي شديد مقيد للحريات العامة التي يقر بها الدستور الدائم ولوائح حقوق الانسان الدولية.
5.الصحوة العالية لشباب الاتحاد الوطني الكردستاني لتنظيم وجودهم الفعال لمنح الحزب دفعة قوية من الشحنات والنبضات الجماهيرية لتثبيت وتجديد دوره الشبابي على الساحة الكردستانية.

هذا باختصار أهم الاسباب المبينة للحضور الجماهيري والشبابي المتجدد لحزب الطالباني في الواقع الراهن، ولكن مع هذا البيان لابد من طرح رؤية على زعيم الاتحاد الوطني ونائبه لتبنيها كمشروع وطني لصالح الاتحاد بصورة خاصة ولصالح المجتمع الكردستاني بصورة عامة، وهي تتضمن ما يلي:

اولا: تبني نموذج سياسي واجتماعي واقتصادي من قبل الاتحاد الوطني لارساء الامتداد النسيجي التنوعي للتركيبة الكردستانية داخل بنية مكونات المجتمع لدفعها نحو مسار مدنية الحياة، لخدمة كافة المكونات القومية والدينية والمذهبية، وبكافة شرائح المجتمع وفئاته وتجمعاته.
ثانيا: اختيار المنهج الفكري الانساني وفق المنظورين الكردستاني والعراقي، كبرنامج عمل للاتحاد يستلهم اسسه من المباديء والحقوق الاساسية الواردة في الدستور الدائم والاعلان العالمي لحقوق الانسان واللوائح الدولية للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية.
ثالثا: تبني الفلسفة الوطنية الكردستانية للحزب كعقيدة فكرية بعيدا عن العقيدة الحزبية وعلى أساس الاشتراكية الديمقراطية وبيان المعالم الاساسية لها وفق اطر محددة ومفهومة ومقروءة لكل منتمي للاتحاد ولكل مواطن، وعلى ان تكون مبنية على اسس قادرة لكسب الفرد لدعم وترسيخ الانتماء الوطني استنادا الى المباديء الاساسية للحرية والحقوق المدنية لضمان حياة الفرد والعيش بكرامة.
رابعا: تبني برنامج اقتصادي على أساس شراكة المواطنة لانماء وتنمية الفرد الكردستاني اعتمادا على رؤى وبرامج اجتماعية واقتصادية يقوم بها حزب الاتحاد اعتمادا على كتلته المالية وبصناديق تمويل ممكن اطلاقها من خلال افكار مصرفية وتجارية واستثمارية، وبمشاركة جماعية لكل اعضاء الحزب وانصاره، من خلال ربط تلك المشاريع بتماس مباشر مع المواطن لكي تعود المنافع للجميع بطريقة مباشرة على اساس المساواة وتكافؤ الفرص والمنفعة المتبادلة المشتركة، واعتماد النهج الفكري العملي والتطبيقي المستنبط من الواقع الاكاديمي والاقتصادي والتجاري والاجتماعي في العمل الجماعي المشترك.
خامسا: تبني وثيقة لارساء العدالة الاجتماعية مستخلصة من دراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي للاقليم، وتدوينها برؤية تحليلية واقعية واكاديمية وبحثية، للاستناد اليها والاسترشاد بها في تنفيذ الخطط والبرامج التي يقدم عليها الاتحاد الوطني واعتمادا على مبدأ اساسي هو رعاية المصالح العليا لجميع افراد الشعب الكردستاني.
سادسا: تبني رؤية عملية للقضاء على ظاهرة الفروقات الطبقية الشاسعة بين المستويات الاجتماعية والمعيشية والحياتية المتابينة التي ترسخت داخل الحزب وداخل الواقع الكردستاني والمتمثلة بأقلية ثرية متسمة بالرفاه الخيالي وأغلبية فقيرة لا تتوفر لبعضها ابسط مقومات الحياة، ومنح هذه القضية الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الكردستاني حقها في البحث والدراسة والمعالجة لانها بدأت تستفحل وتسبب مشاكل وازمات اجتماعية كبيرة.

هذا باختصار تحليل متواضع لبيان تفسير الصحوة الجديدة التي نهض بها اعضاء وانصار الاتحاد الوطني بعد فترة السبات التي مر بها، وهي بمثابة كبوة جواد لفارس أصبل لا يمكن ان يطال بها الزمن، ولغرض استزادة التحليل طرحنا معه رؤية فكرية وسياسية امام الامين العام للاتحاد ونائبه لدراستها وتبنيها للخروج منها بمشروع نهضوي لاصلاح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم لضمان نموذج متقدم من الحزب السياسي المتجدد والمقتدر على ضمان البيئة السليمة لكل افراد الشعب في كردستان العراق.

[email protected]