حضر لمقابلتي في غير تزامن ضمن بعض المرشحين المتنافسين على مقعد نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. وكانوا يأتون إلىً ضمن جولاتهم للدعاية الانتخابية. كل منهم طلب الدعم والتصويت لصالحه حتى يفوز بمقعد في نادي أعضاء هيئة تدريس الجامعة عن أعضاء هيئة التدريس بالكلية التي ينتمي إليها. أحدهم ينتمي لجماعة الأخوان المسلمين والآخرون مستقلون.. جميعهم من أفضل أعضاء هيئة التدريس خلقا وعلما وكانوا من تلاميذي المجتهدين الناشطين ولهم في قلبي نفس المحبة وبنفس القدر فلم أفرق يوما بين أحدا منهم. البرامج الانتخابية التي عرضت متشابهة تقريبا.. شكرتهم جميعهم على الحضور وتمنيت لهم التوفيق بيد أنني لم أعد أيا منهم بالتصويت لصالحه واكتفيت بالرد quot;الله يولي من يصلحquot;.

بعدما أنصرف عضو هيئة التدريس الذي ينتمي لجماعة الأخوان المسلمين وجدتني مضطرا لأن أفكر جليا في دهاليز الحوار الذي دار بيننا. والسبب في ذلك أن بعض النقاط التي تناولها الحديث كانت عسرة الهضم الفكري والمعنوي بالنسبة لي ولهذا السبب ربما كان الحوار ملازما لي مدة من الزمن وتولدت بسببه في داخلي الكثير من التساؤلات والمنطقيات.

فقد تطرق الحوار إلى موضوع تولي الأقباط رئاسة الدولة والمناصب العليا وكان يدافع دفاعا شرسا عن رأي الجماعة المعلن عن عدم ترشيح قبطي لرئاسة الجمهورية ورفض إعطاء رأيه الشخصي معللاً ذلك بالقول أن رأيه من رأي الجماعة. وأيد رأي الجماعة بقوله أن الغالبية مسلمة وبالتالي فلن ترشح الجماعة قبطيا إيمانا منها بأن أحدا لن ينتخبه وبالتالي فلن يفوز فلماذا نضيع الوقت سدى؟ قلت له أنا أتكلم من ناحية الحقوق هل تؤمن الجماعة بأحقية المواطن المصري المسيحي أو البهائي أو الشيعي أو غيره في تولي رئاسة الجمهورية وأية مناصب عليا في الدولة مثله مثل المواطن المصري المسلم؟ هل هذا يجوز من الناحية العقائدية والأيدلوجية للجماعة؟ لأنه إن كان هذا يجوز فعلى الجماعة أن تدعم الشخص الذي يتمتع بكفاءة وقبول عند الناس بغض النظر عن الدين والعرق وعليها أن تبذل الجهد في سبيل ذلك إن كانت تجد أن في ذلك مصلحة للبلاد وشعب البلاد ولا تتعلل بحجة أن أحدا لن ينتخبه.

فكانت إجابته قاطعة.. بالتأكيد لا يجوز لأن حسب الدستور المصري فإن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام والغالبية من الشعب المصري مسلمين. قلت له إذن القول بأن الجماعة لن ترشح القبطي ولن تنتخبه مبني على أساس عقائدي ديني ويستند إلى المواد الدستورية.. وهذا يبرر الحاجة الملحة الآن لتغيير الدستور وحذف كل المواد الدستورية التي تؤدي إلى التفرقة بين المواطنين على أساس ديني.. قاطعني قائلا ولكننا لا نمنع الأقباط من الانضمام لحزب العدالة والحرية وأنت تعلم أن نائب رئيس الحزب هو قبطي. أجبته أولا هذا الوضع لم يرق لعموم الأقباط الذين أعرفهم ولم توافق عليه جموع الأقباط المسيحيين الذي تحدثت إليهم في هذا الأمر واعتبروا أن تصرف النائب القبطي تصرف شخصي وعليه الكثير من علامات الاستفهام وزادت علامات الاستفهام تعقيدا عندما صرح مؤخرا في أحدى مقالاته مستخدما لفظ الجماعة المسيحية في إشارة إلى الأقباط!! علاوة على شعور الأقباط بالمرارة من قبوله لمنصب النائب وهو يعلم أن ليس من حقه فقط رئاسة الحزب بل حتى الترشح للمنصب الأمر الذي يفهم على أنه نوع من التنازل عن الحقوق والقبول بالتعامل بكارت الدرجة الثانية وهو ما يتنافي مع حقوق المواطنة والدولة المدنية التي طالما تغنت بها الجماعة..

في الواقع أن هذا التناقض يبرهن على أن الجماعة تسير في اتجاهين متوازيين لا يلتقيان أبدا الطريق الأول هو طريق العمل والانتشار الخارجي والطريق الثاني هو طريق العمل والتكتيكات الداخلية السرية. في الطريق الأول تبذل الجماعة الجهد في صبغة أهدافها المعلنة بصبغة المواطنة وتلونها بكل ألوان حقوق الإنسان وفي الطريق الثاني تعتمد الأجندات السرية الخاصة والأيدلوجيات غير المسموح البوح بها.. هذان الخطان لا يلتقيان أبدا وبالتالي فلن يكون هناك حلا لهذه المسألة مطلقا لأن التقاطع لن يحدث ونقطة التقاطع سراب في وهم بل في أوهام.

عندما استوعبت جيدا هذا الحوار وتأكدت أن عضو هيئة التدريس الذي ينتمي لجماعة الأخوان المسلمين مهما كان لن يتبني رأيي ولن يدافع عنه، ولن يتبنى رأيه هو ولن يدافع عنه، بل دائما وأبدا سيتبنى رأي الجماعة ويدافع عنه وعنها.. لذلك قررت أن أعطي صوتي لإنسان مستقل من الممكن أن يتبنى وجهة نظري ويدافع عنها إن تلاقت مع طموحاته بدون الرجوع إلى جماعة ما أو أيدلوجية ما، وبدون الاعتماد على مرجعيات دينية ربما ترفضني أو تعتبرني مواطنا في الصورة ونصف مواطن في الأصل. الحمد لله فقد فاز المرشح المستقل الذي أعطيته صوتي وتأكدت أني لست وحدي في هذا الرأي بل معي كثيرين أيضا. التحية للجميع.

[email protected]