منذ ثمانية أعوام والمشكلات البيئية، حتى الساخنة والخطيرة منها، ليست ضمن أولويات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق في عام 2003 ولحد اليوم. ولم تعد التبريرات مقبولة، بل ومرفوضة، خصوصاً من قبل حكومة المالكي، التي سجلت لحد الآن أطول فترة ( 5 سنوات متواصلة)..

لقد سمع وقرأ المتابع الجيد تصريحات رنانة للمسؤولين العراقيين بشأن التلوث الأشعاعي طيلة الفترة المنصرمة، وكانت متخبطة ومتناقضة.فمرة ينفون، ومرة يؤكدون التلوث الأشعاعي الناجم عن مخلفات الحرب. وأعلنت وزيرتان( البيئة وحقوق الأنسان) بأنهما،سيقاضيا بحكم مسؤولية كل واحدة منهما في الحكومة كل من تسبب بجريمة تلويث البيئة العراقية أمام المحاكم الدولية..

وكان مركز الوقاية من الأشعاع التابع لوزارة البيئة قد أعلن عن وجود أكثر من 315 موقعاً ملوثاً، بينما قدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ( يونيب) بأنها بالآلاف. لكن مركز الوقاية من الأشعاع نفى فيما بعد وبقدرة قادر quot;وجود تلوث إشعاعي في العراقquot;.وصارت وزارة البيئة كلما يكشف النقاب عن وجود موقع ملوث بالأشعاع تسارع الى النفي حد المسخرة، خاصة عندما كشف تحقيق لصحيفة بغدادية عن وجود تلوث إشعاعي في بناية المطعم التركي/ وزارة الشباب سابقاً، سارعت البيئة الى نفيه، ولكن، عندما طلب المستأجر الجديد للبناية من وزارة العلوم والتكنولوجيا فحص الموقع، ووجد خبراؤها طابقاً ملوثاً بالأشعاع عادت البيئة ففحصت الموقع وأكدت وجود التلوث الأشعاعي ليس في طابق واحد وإنما في ثلاثة طوابق، لكنها، كالعادة quot;أفتتquot; بأنه quot; غير خطيرquot; جاهلة بان العلم الحديث قد أكد بان لا مستوى من الأشعاع اَمناً مهما كان واطئاً..

ومن المهازل البيئية أنه في الوقت الذي أعلنت فيه مديرة مركز الإشعاع في الوزارة بشرى علي احمد بأنه وبحسب المسوحات التي أجريت quot; خلو العراق وبصورة كاملة من الإشعاعquot;، أفادت دراسة عراقية رسمية بان اكثر من 40 موقعاً في مختلف انحاء العراق ملوثة بمستويات عالية من الاشعاع، وان وزارة البيئة(ممثلة بمركز الأشعاع إياها) قد شاركت في اعداد الدراسة الى جانب وزارة العلوم والتكنولوجيا والصحة.وفي أواسط عام 2010، كشف مسح جوي أنجزه فريق الكشف عن الاثار المشعة للمخلفات العسكرية واثار الحروب على العراق، التابع لمنظمة حماية البيئة، بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية/ فرع العراق، وجود اكثر من 143 موقعاً ملوثاً باليورانيوم، في 7 محافظات، منها: 16 موقعاً ملوثاً باليورانيوم في محافظة ديالى، واكثر من 20 موقعاً في بابل،و 11 موقعاً في واسط،، و 14 موقعاً في ميسان، و 22 موقعاً في البصرة، و 20 موقعاً في الناصرية، وأكثر من 40 موقعاً ملوثاً في بغداد(ضياء ثابت السراي،quot;الحوار المتمدنquot;،العدد: 3106، 26/8/2010).

وفي أواخر عام 2010 صدرت عن منظمة الصحة العالمية تقديرات تؤكد تزايد الأشعاعات الناتجة من الحروب والمخلّفات العسكرية. أكدت ذلك وزارة الصحة العراقية، معلنة بانها تقديرات قريبة من الواقع. وجاء في تصريح لمصدر في الوزارة نقله المكتب الصحافي لرئاسة الوزراء، أن الدراسات والبحوث أظهرت تلوّث معظم محافظات البلاد، خصوصاً البصرة، بمخلّفات عسكرية ملوّثة بالمواد المُشعّة، الأمر الذي ترك أثراً على شكل إصابات بالسرطان. ولفت المصدر ذاته الى تقارب تلك النتائج مع تقديرات منظمة الصحة العالمية حول نِسب التلوث بالإشعاعات الناجمة عن الحروب والمخلّفات العسكرية التي تشمل اليورانيوم المُنَضّب. وتبيّن أن المنطقة الجنوبية من العراق، لا سيما الحدود الغربية لمحافظة البصرة، هي أكثر المناطق تضرراً بالمواد المُشعّة (المركز الوطني للإعلام،20/12/2010).

وأوضحت القياسات الأشعاعية لمواقع ملوثة في المحافظات العراقية باليورانيوم المنضب بان الإشعاعات المنبعثة منها تفوق المعدل المسموح به بأضعاف المرات.فقد أفاد مسؤول بيئي: بان المعدل المسموح به في العراق بالنسبة لأشعة غاما هو(0.75) ملي راد بالساعة، في حين سجلت قراءة التلوث 15ndash;30 ملي راد/ساعة. وإن المعدل المسموح به لأشعة ألفا وبيتا هو 40ndash;50 عدة بالدقيقة (cpm) في حين مسجلت المواقع الملوثة بالأشعاع ما بين 4000ndash;6000 عدة بالدقيقةquot;(quot;المدىquot;،11/5/2011).

وفي عام 2009،أجرى خبير من مركز الوقاية من الإشعاع عدداً من القياسات الإشعاعية، شملت المناطق الصحراوية جنوب البصرة، ومنطقة حفر الباطن، حيث تم قياس الإشعاعات على الآليات العسكرية بمحطة متعرضة لقذائف اليورانيوم المنضب، ومحطة ضخ خرنج،الواقعى قرب الحدود السعودية، والمتعرضة للقصف من قبل قوات التحالف.وأشار الخبير الفيزياوي محمد عبد الحليم في دراسته الى أنه توصل الى وجود زيادة في الخلفية الإشعاعية في منطقة حفر الباطن بمقدار 10 أضعاف مدينة بغداد.كما تم التوصل الى وجود علاقة بين التعرض للإشعاع المؤين والأصابة بمرض السرطان،وخاصة بين الأطفال الذين هم بعمر 11 عام، حيث كانوا أجنة عام 1991، وذلك لكون الإشعاع يؤثر بشكل كبير على الخلايا الحديثة التكوين.ودعا عبد الحليم الى ضرورة إتخاذ الإجراءات الأولية لحين إجراء إزالة للتلوث بشكل نهائي، من خلال تنظيف الأهداف المتعرضة للقصف،أو إحاطتها بشكل يمنع إنتشار التلوث،أو التقرب منها، فضلاً عن وضع العلامات التحذيرية قرب الأهداف المتعرضة للقصف، مع وضع حراسة مشددة على أماكن التلوث، حيث ان المخلفات الإشعاعية في هذه المناطق ذات نشاط إشعاعي عالي(،quot;البيئة والحياةquot;، السنة الثانية، العدد 29، 2009).

وأقر وزير العلوم والتكنولوجيا السابق رائد فهمي بان المواقع المشعة لاتزال تهدد حياة مئات العراقيين (quot; اَكانيوزquot;،29/8/2010).، مصححاً ما أعلنه قبل ذلك بان quot; التلوث الأشعاعي موجود ولا يشكل أي تهديد على صحة المواطنquot;(-quot;المدىquot;، 17 /12/2009).

وما أكثر المسؤولين الذين وعدوا مراراً وتكراراَ بان البيئة العراقية ستنظف quot; قريباًquot; من التلوث الأشعاعي..لكنهم فيما بعد ضربوا عرض الحائط بكافة تصريحاتهم ونسوا وعودهم..

أما ضحايا التلوث الأشعاعي، وفي مقدمتهم مرضى السرطان، الذي نبه الأطباء العراقيون الى تزايد أعدادهم عاماً بعد عام، فمرة أعلنت وزارة الصحة، بعد صمت طويل، بأن الأصابات السرطانية تتزايد، ولها علاقة بالتلوث الأشعاعي، منتقدة موقف وزارة البيئة منه، وطالبت بضرورة العمل الجاد للتخلص منه. وإنتهت مسؤليتها عند حد quot;الوعظquot;.. وياما إنبرى مسؤولون في وزارة البيئة،وغيرهم، ممن ليست الأمراض من مسؤوليتهم،لينفوا quot; حصول زيادةquot;، كاذبين مرات عديدة وبكل وقاحة بان معدلات الأصابة بالسرطان quot;ضمن الحدود الدولية quot;!!.

وكانت وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان قد أقرت، في نيسان 2009، بوجود مخاطر كبيرة ستنجم عن وجود المخلفات الحربية المشعة. وطالبت بوقفة جادة للاهتمام بالواقع البيئي والصحي وتخليص (ميسان) من مخاطر التلوث الإشعاعي.لكن خطوات جدية وفاعلة لم تتخذ، وواصلت الحكومة تجاهلها وتسترها على ما تعانية البيئة العراقية منذ نحو ثلاثة عقود من خراب وتلوث باصناف المخلفات والنفايات الخطرة.لم تتخذ لحد اليوم، متذرعة بحجج مختلفة، إجراءات جدية وفاعلة لتنظيف وعزل سوى 10 % فقط من المناطق الملوثة-وفقاً لتصريح الوزيرة.وأكدت مديرة مركز الوقاية من الاشعاع بشرى علي بانهquot; لم يتم مسح اكثر من 80 في المائة من العراق حتى الان. وقالت: ركزنا على المواقع التي اصيبت بالتلوث بسبب الحرب. والمشكلة الكبرى التي تواجهنا هي عند سحب الدبابة المدمرة نجد اثار اشعاع جلية. ويتطلب التخلص من التلوث في هذه المواقع وقتا غير قصيرquot;. وثمة قلق واسع بشأن مواقع الخردة، التي تكثر في بغداد ومدن اخرى بين العاصمة ومدينة البصرة(The Guardian، UK، 22 January 2010 ).

ومن نتائج هذا الإهمال إصابة مئات الآلاف من العراقيين وخصوصآ من سكان هذه المناطق بأمراض سرطانية فتاكة. وقد إرتفع عدد المصابين بالأمراض السرطانية إلى 640 ألف مصاب، والعدد يزداد- بحسب الدكتورة لقاء الياسين - رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب (quot;المواطنquot;، 7/5/2011). وقد مات منهم، خلال السنوات المنصرمة، عشرات الآلاف، وفي مقدمة الضحايا براعم حاضر ومستقبل العراق- أطفاله. إضافة إلى تكاثر الولادات المشوهه، والاجهاضات المتكررة، والعقم، الذي أصاب حتى من أنجبوا قبل الحرب، وعلل مرضية أخرى غريبة وغير قابلة للعلاج، ستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.

وما يزال معظم أولئك المسؤولين يشغلون مراكز رفيعة منذ 5 سنوات كاملة ولحد اليوم..

من نتائج الأنتخابات الأخيرة في اَذار / مارس 2009 تكليف المالكي للمرة الثانية قيادة دفة السلطة، وضمن نهج المحاصصة جرى تغيير وزراء: البيئة والصحة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارات أخرى ذات علاقة بالمشكلات البيئية وتداعياتها الصحية.وهم يمارسون مهامهم منذ عدة أشهر، بيد ان رئيس الوزراء لم يتخل عن موقفه الذي سلكه في حكومته السابقة، متجاهلاً المشكلات البيئية الساخنة، ولا أدل على ذلك من عدم إدراجها، بل ولم يفكر بها، ضمن أولويات حكومته..
فلماذا ولمصلحة من ؟!!

أمس أعلنت لجنة الصحة والبيئة بان المرحلة المقبلة ستشهد معالجة وازالة التلوث الإشعاعي المنتشر في بعض مناطق العراق.وقال عضو اللجنة النائب حبيب الطرفي انquot;العراق بحاجة الى ان ينظر بجدية لمثل هذا النوع من المخاطر التي تحيط به وألمت بالكثير من أبناء الشعب من خلال تفعيل عمل وزارة البيئة وتوفير جميع وسائل النجاح لهاquot;.وتابع بإنquot; البيئة في العراق تعتبر من الأمور المعقدة والتي يجب الاهتمام بها،مشيراً إلى إن الوزارة المختصة بذلك وهي وزارة البيئة لم تكن تحضى بالأهمية المطلوبة وبالتالي فان هذا يعتبر خطأ كبير وخلل غير طبيعي في عملية البيئة والاهتمام بها،لافتاً إلى ان تسلسلها بين الوزارات يكون في المرتبة الثانية والعشرين وهذا دليل واضح على عدم الاهتمام بهذه الوزارة التي تعتبر من أهم الوزاراتquot;.وأوضح انquot; وزارة البيئة يفترض ان تكون هي المقياس الحقيقي لأمور كثيرة ويجب أن يوفر لها المناخ الملائم لعملها ومفاصل الدولة بالكامل وتكون حاضرة في كل شئ،معتبراً عملية تهميش البيئة بهذه الصورة خطرة جدا ويجب إعادة النظر بالوزارة التي تعتبر من الوزارات المهمة جدا،وفي اغلب دول العالم المتطور تعتبر من الوزارات السيادية،أما في العراق فتعتبر في ذيل الوزارات وهذا أمر خطيرquot;(quot;الاخباريةquot;،4/6/2011
وقبل هذا، أقرت وزارة البيئة العراقية بوجود مناطق عديدة في العراق ملوثة بالإشعاعات. وقال وزير البيئة سركون لازار في تصريح للصحفيين خلال زيارته لمحافظة كربلاء ان quot;هناك العديد من المناطق في البلاد تعاني من مشكلة التلوث الإشعاعي ومنها محافظات كربلاء والبصرة والموصل وغيرهاquot;، مشيراً الى ان مخلفات الحروب التي خاضها البلد في السنوات السابقة من اهم مصادر التلوث الاشعاعي،. مبيناً بان القضاء عليه يحتاج الى وقت وامكانيات كبيرة(quot;اَكانيوزquot;، 12/5/2011).

فهل ستحقق الحكومة الحالية في ما تبقى من عمرها ما لم تحققه الحكومات السابقة لمرضى السرطان والتخلص من التلوث الأشعاعي ؟
شخصياً لا أعتقد !
وهل ستنجح لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي الحالي بطرح مشكلة التلوث الأشعاعي وإنتشار الأمراض السرطانية على مجلس النواب لمناقشتها وإتخاذ ما يلزم بشأنها تشريعياً،وإلزام الحكومة بتنفيذه، فتحقق منجزاً لم تفلح بإنجازه نظيرتها في الدورة السابقة، التي يوجد عدد غير قليل من إعضائها في الدورة الحالية..
الناخبون ينتظرون منها ذلك !