شن الدكتور إياد علاوي هجوما عنيفا على زميله في حكومة (الشراكة الوطنية) نوري المالكي، وتوعده بحساب عسير. وقال في خطاب وجهه إلى الشعب العراقي، من على شاشة قناة العربية إن رئيس حزب الدعوة نوري المالكي يمارس الكذب والنفاق وفبركة التهم والاعتماد على الأجنبي للبقاء في الحكم.

واتهم المالكي بتحريك quot;نفر من وزرائه ونفر من مجالس إسناده ونفر من أزلامه ليهيئوا لهذا اليوم من خلال البلطجية والأزلام والمرتزقةquot;.

وقال إن المالكي توهم أنه يستطيع تكميم الأفواه وقتل روح المواطنة وسحق الكرامة، وإنه لم يتعظ بثورة سيد الشهداء الحسين بن علي عندما أطلق صرخته التي دوت ولا تزال في أرجاء العالم، حين قال (هيهات منا الذلة).

وتعهد بألا يترك شباب العراق الثائر لوحده في مجابهة quot;من يحاول خلق دكتاتورية جديدة في العراقquot;.

الحقيقة هي أن أياد علاوي كان سيجد ملايين المواطنين، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، تهتف باسمه، وتثمن له غيرته وشهامته، وتثور معه ضد ديكتاتورية غريمه اللدود نوري المالكي، لو كان فعل بالأمس ولو قليلا مما يقوله اليوم. نعم كان سيُحمل على الأكتاف ويُفدى بالروح بالدم لو كان حاسب ولو وزيرا واحدا من وزرائه الذين دشنوا الفساد وقصوا شريط العبث بالمال العام وإهدار الثروات واحتكار الصفقات والعمولات، ولو أحال ولو واحدا من أقاربه أو من معاونيه في حركة (وفاقه) إلى القضاء بتهمة استغلال النفوذ وخيانة الأمانة.

إن حشود العراقيين الهادرة الغاضبة اليوم، من جنوب العراق إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، تتفق مع الدكتور أياد في تشخيصه لواقع حكومة رئيس حزب الدعوة، وتؤيد حكمه عليها بأنها باقية بحراب القوى الخارجية، وتبصم معه على فساد وزرائها ومستشاريها وأتباعهم الأبعدين قبل الأقربين.

وتتفق معه أيضا في استهجانه للعبة (المئة يوم) الشيطانية الخبيثة التي ابتكرها المالكي لامتصاص غضب الملايين من المواطنين على انعدام الأمن وتهالك الخدمات وانتهاك الحرمات والكرامات واغتصاب الحقوق والاعتداء على المتظاهرين واختطاف الناشطين المدنيين المسالمين وتسيير المظاهرات الانتهازية المفبركة للتشويش على هتافات الجماهير المطالبة بمحاسبة الفساد والمفسدين والمقصرين.

ولكن الدكتور أياد علاوي ينسى أنه الوجه الثاني من العملة الرديئة ذاتها، وأن كل حروبه ضد المالكي لم تكن وطنية ولا نزيهة، لأن هدفها كله كان اقتطاع أقصى ما يمكن من مكاسب ورواتب ومناصب، له ولأقاربه وأعوانه المقربين. فهو واحد من القادة الكبار الذين فرضتهم أمريكا ووزارة خارجيتها على الشعب العراقي، ونصبتهم زعماء وشركاء في مجلس الحكم سيء الصيت، وأباحت لهم احتلال المباني العامة، والوزارات، وتشكيل المليشيات، وتلفيق الانتخابات، وتزوير الشهادات. وينسى الدكتور أياد أن الخراب في العراق (الجديد) تأسس في عهد حكومته الأولى التي شهدت عشرات الملفات المتعلقة بالفساد، مثل الدفاع ووزيرها حازم الشعلان، والمواصلات ووزيرها لؤي حاتم سلطان العرس، والكهرباء ووزيرها أيهم السامرائي. والله وحده يعلم بما كان سيستجد من ملفات وملفات لو طال به العهد رئيسا للحكومة، كما طال بغريمه نوري المالكي.

فطيلة ثماني سنوات من هيمنة قادة المحاصصة الكبار، ومنهم بل من أهمهم وأقواهم أياد علاوي ذاتُه، لم يشهد العراقيون يومَ هناء ولا راحة. فمن خراب إلى خراب. ومن اقتتال إلى اقتتال. وحتى حين وضعت حروبهمُ الطائفية اللعينة أوزارها، وانخرطوا في حكومات (الشراكة الوطنية) لم يتوقف القتل بالمفخخات، ولا السرقة ولا الفساد ولا تزوير الشهادات.

أما ما يسميه أصحاب الشراكة الوطنية بـ (الديمقراطية الوليدة في العراق)، فليست سوى حالة فوضى إعلامية وحزبية ومليشياتية وتهريبية وتزويرية، وكذبة كبيرة دفع العراقيون ثمنها الباهض، وما زالوا يدفعونه، وسيظلون، إلى أن تسقط هذه العملية الفاشلة كلها، بدستورها وقوانينها ورئاسة جمهوريتها ورئاسة وزرائها وبرلمانها.

فهذه العملية السياسية الفاشلة التي دافع عنها وقاتل من أجل حمايتها وتثبيتها أياد علاوي وحركتُه الوفاقية وقائمتُه العراقية، مثلُه مثلُ حزب الدعوة الإسلامية تماما، حرمت العراق من الأمن والأمان، وأشاعت الفساد، ونشرت الجريمة، وأنتجت الإرهاب، وأنعشت قتلة القاعدة والبعث والمليشيات الشيعية المتطرفة، وقصّرت في أبسط واجباتها تجاه المواطن، ومنها توفير الحد الأدنى من الخدمات، وشجعت على سرقة المال العام، وتسترت على اللصوص والمرتشين والمختلسين، وفرطت بالسيادة الوطنية حين ارتضت بالتبعية لدول مجاورة، وحين استعان قادتها، في صراعهم الداخلي المصلحي، بدول وقوى من الخارج، وسمحت لأميين وجهلة ومزوري شهادات بأن يتقلدوا أعلى مراكز القيادة، فيكونوا وزراء وسفراء، وسخرت الدولة، بأموالها وثرواتها وجيشها وقوى أمنها وإعلامها ونفطها، لخدمة مصالح بعض قادتها، أو لمحاربة مخالفيه في رأي أو عقيدة.

ويبدو أنه، ومعه حركة (وفاقه) وقائمتُه العراقية، ينسى ويريد للشعب العراقي أن ينسى أيضا، أنه منذ نهاية انتخابات آذار من العام الماضي ظل يقاتل بضراروة من أجل الحصول على كرسي رئاسة الوزارة بأموال قوى خارجية أيضا، وبدعمها السياسي والإعلامي المفضوح. ويظن أن العراقيين يجهلون أنه قاتل بكل الأسلحة الممكنة من أجل ذلك الكرسي اللعين وفشل. غازل من هب ودب دون جدوى، من عمار الحكيم إلى مقتدى الصدر، ومن جلال ومسعود إلى صالح المطلق ومشعان الجبوري. طرق باب المرجعية. غازل إيران ولوح لها بالولاء. قام بسياحة مكوكية دائبة زار خلالها أمريكا والسعودية والأردن والإمارات والكويت ومصر ولبنان. تشرف بمقابلة بوتين وحسني وبشار. وحين فشلت هذه المحاولات البائسة كلها، واحدة بعد أخرى، هرول نحو أربيل، فكان أول الجالسين الفرحين على مائدة البرزاني المستديرة، قانعا راضيا، بل متعجلا في التفاهم والتناغم والتقاسم مع حزب الدعوة ورئيسه (حبيبه اللدود) نوري المالكي.

وبعد كل تلك الأيام الطويلة التب قضاها في أحضان (الشراكة الوطنية)، وبعد كل الرواتب والمكاسب والمقالب، وبعد كل ذاك الجدل العقيم حول رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية واختصاصاته وصلاحياته، وحول مخصصات رئيسه وحماياته وامتيازاته التي ألح على ألا تكون بأقل من مخصصات وامتيازات وحمايات نوري المالكي نفسه، وبعد كل الهجمات التي شنها ضد دولة القانون طيلة الأشهر الأخيرة واتهاماته لها بالتنصل عن تشكيل المجلس الذي وصفه أقطاب حزب الدعوة بأنه ldquo;ترضيةrdquo; لعلاوي، ولايمتلك الغطاء القانوني أو الدستوري لتشكيله، بعد كل ذلك يفاجؤنا الدكتور أياد بإطلالته علينا من شاشة قناة العربية، وخلفه العلم العراقي، ليعلنquot;أن المالكي قائد خفافيش ظلام، وأن حسابه سيكون عسيراً، وأنه رضخ لإيران حتى يبقى في منصبه، ثم يدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته لحماية العراق من تدخل إيران، وضمان التوازن للعملية السياسية التي فقدت توازنهاquot; على حد تعبيره.

المزعج أن بعض الناس، ومنهم أياد علاوي ونوري المالكي، يستغبون الجماهير ويظنون أنهم قادرون على غشها وبيعها اليابس على أنه أخضر، والأسود على أنه أبيض، والكذب على أنه صدق، والخيانة على أنها وطنية، واللصوصية على أنها نزاهة وهم واهمون. العراقيون لا يفرقون أبدا بين عصفور وزرزور، ولا يقبلون العبث بالأمور، جميع الأمور.