إهداء إلى العزيز طارق صاحب الفكرة

منذ أن بدأت الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011 ونحن نشهد كل يوم عشرات الصفحات الجديدة على الشبكة أو على الإنترنت منها الجيد ومنها السيء، منها الموافق ومنها المعارض، منها من فيه عشرات الآلاف من المشاركين ومنها من فيه اثنان المشرف وزوجته أو المشرفة وزوجها وإن كانوا ثلاثة فيمكنك أن تضيف إليهم مولودهم الرضيع.

كل هذه الصفحات لا مشكلة في وجودها وكثرتها ولكل منها عذره وفكرته التي قد يخالف بها الآخرين ولكل هدفه ولكل وجهة نظره، وفي النهاية ستنتهي كل هذه الصفحات والمواقع إن لم يكن أثناء الثورة فبعد انتصارها بإذن الله تعالى.

المشكلة الأخطر بنظري هي التكتلات والتجمعات والتنسيقيات واللجان والائتلافات التي بدأت هي الأخرى تتكاثر كالفطر على أرضية الثورة، ففي كل مدينة صار هناك ائتلاف لدعم الثورة تنافسه تنسيقية (لا أدري من الذي اخترع الاسم ولكنه يذكرني دوما بالتسقية الشامية لا أعرف لماذا؟)، تليه لجنة ينافسها تجمع، ثم تبرز جمعية ينافسها منبر، وهكذا إلى ما لا نهاية.

حتى في المؤتمرات التي تدعو إلى تجميع الناس والائتلافات واللجان والأحزاب، شاهدنا على هامشها تشكيل لجان وائتلافات تحت أسماء جديدة تنبثق عن المؤتمر لتشكل شيئا جديداً بدافع التميز والتخصص، هذا التكتل الجديد يضم مثلا ثلاثين بالمائة من المجتمعين في المؤتمر الأصلي، فكيف ستُنفذ قرارات وتوصيات المؤتمر الكبير، إذا كان ثلاثون بالمائة من أفراده أصلاً ومن اليوم الأول سيلتزمون بالتشكيل الجديد إضافة إلى التزامهم بالمؤتمر الكبير، والله تعالى يقول: quot;ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفهquot; كيف سيعمل هؤلاء في الجهتين والتوصيات التي خرج بها المؤتمر تحتاج أصلاً إلى أضعاف الناس الحاضرين من المتفرغين لتحقيقها وتنفيذها على أرض الواقع؟

أعتقد أن حل المشكلة من أصلها، يكون بإنشاء ائتلاف تحت اسم quot;ائتلاف مجرة درب التبانة لدعم الثورة السوريةquot; بهذه الطريقة نثبت للعالم كله أننا الأكبر بين الائتلافات والتجمعات مما يدفع الجميع للانضمام تحت لوائنا، ولن ينافسنا إلا ائتلاف كوني غير واقعي، أو ائتلاف السماوات والآرض وهو يحتاج إلى ممثلين من عالم الجن والملائكة، ولا أعتقد أن أحداً من المنافسين سيستطيع أن يأتي بمثلهم، لأننا حاولنا عن طريق الإنترنيت والفيس بوك أن نجند أحداً منهم فلم نستطع. (لا أنصح باللجوء إلى محضري الجن لأن الأمر قد ينقلب على صاحب الفكرة إذا قرر الجني المستحضَر أن يصبح هو رئيس الائتلاف).

كلنا يعلم أن السوريين كلهم رؤساء وأنهم كلهم مغرمون بالقيادة، وأن هذا لم يكن ليظهر في ظل الدكتاتوريات والقمع المعروف والتفرد المطلق بالسلطة،ولكن الثورة كشفت المخبوء، وأظهرت الإشكاليات الحقيقية التي تعترض العمل الجماعي في بيئة وبين أفراد لم يتعلموا العمل الجماعي بحياتهم. لقد مارس بعض من يعيش منهم في أوروبا وأمريكا مثل هذا العمل ولكنه لم يستقر في عقولهم بعد، ولم يسر في دمائهم، ولم تتشربه قلوبهم. لا أدعي أنه لا يوجد استثناءات ولكنها فيما أرى قليلة، وتعاني من صعوبات جمة في إقناع الآخرين وتعليمهم وتدريبهم على العمل الجماعي، وأكثر هؤلاء نجاحاً هم الشباب الذين ولدوا في الغرب ولكنهم للأسف لا يستطيعون أن يستوعبوا الوضع في الداخل ولا تعقيدات الحالة السورية الاجتماعية والسياسية والدينية والتاريخية، لذلك تراهم بحاجة إلى نصائح وتوجيهات الجيل السابق الذي بدوره لا يفهم طرق وأليات العمل الجديدة، ولا طموحات وأفكار هؤلاء الشباب.

إن فداحة الأحداث والدماء ا لتي تسيل على أرض الوطن الحبيب تساهم جزئياً في لم الشعث وتوحيد الكلمة وتجميع ما لا يجتمع ولكن تحت السطح تغلي المياه الحمئة، وتظهر بين الحين والحين على شكل فقاعات من الصديد والقيح، نخشى أن تتحول إلى براكين مدمرة، خاصة إذا طال الوقت واحتاجت الثورة إلى المزيد من الدعم والتنسيق والعمل الخارجي والداخلي. هنا لابد أن نتخلص من أنانيتنا ولابد أن يعترف كل منا بحجمه الحقيقي وعمله على أرض الواقع وأن يُترك المجال للعاملين الحقيقيين والناشطين الفاعلين، بأن ننضم إليهم ونضع كل جهودنا في خدمتهم وعونهم وأن ندرك أخيراً أن تسعين بالمائة منا لايصلحون للقيادة ولو زين لهم الشيطان أنهم قواد العالم. إن ما شاهدناه في مجلس الكركوزات السوري عندما قال أحدهم للرئيس إنه يجب أن يقود العالم، يقبع في أعماق الكثيرين منا للأسف فنحن في معظمنا عندنا استعداد لا لقيادة العالم فحسب بل لقيادة مجرة درب التبانة.

ألمانيا

[email protected]