يعاني الشعب السوري، عربا وكردا وقوميات مسيحية، قمعا رهيبا من قبل نظام الحكم برئاسة بشار الاسد والحاكم الفعلي شقيقه ماهر للقضاء على الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي تسود المدن السورية منذ أكثر من شهرين، وفي ظل صمت عربي ودولي عدا صوت الدولة التركية التي تدين النظام السوري بشدة، وفي ظل الأصوات الخافتة التي تبدر من الحكومة الأمريكية تجاه الثورة الشعبية في سوريا.

في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي يمر بها السورييون ومحاولاتهم السلمية لاسقاط النظام المستبد طلبا للحرية والكرامة، تقف حكومة العراق متفرجة دون القيام بأي دور لتأييد ودعم الشعب السوري، ولو ان المعلومات غير الموثوقة تشير الى تقديم بعض العون والدعم من خلال الأوساط الشعبية، ولكن الموقف الرسمي لحكومة بغداد الاتحادية أعلن بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وتأييد النظام السوري خوفا من أي رد فعل للتدخل في الشأن العراقي بالرغم من ان أحداث السنوات اللاحقة لسقوط نظام صدام تخللتها تدخلات سافرة من قبل أجهزة ومخابرات تلك الدول وما زالت.

ولكن البعد الراهن للأحداث والمدى الاستراتيجي لمستقبل العلاقة مع سوريا يحتمان على الحكومة العراقية تقديم كل أشكال العون والدعم المادي والمعنوي للشعب السوري لأسباب عديدة منها العمق الأمني والعلاقة الاقتصادية والتبادل التجاري والحدود المشتركة ومسألة حصة نهر الفرات والاطلالة على البحر الابيض المتوسط والسمات الثقافية والاجتماعية المشتركة بين الشعبين بالاضافة الى عامل الوجود القومي للكرد في البلدين.

والحقيقة ان الدوافع الاستراتيجية للعراق المتعلقة بالمنظور المستقبلي البعيد لرعاية مصالح البلاد تلزم الحكومة والبرلمان التفكير الجدي في اقامة مشاريع عراقية في سوريا لخدمة العراقيين خاصة في المجالات الاقتصادية والزراعية والتجارية والنفطية، مثل مد أنبوب نقل النفط العراقي عبر الأراضي الى الموانيء السورية، ومد خط سكة الحديد التجارية والسياحية الى البحر الابيض، وانشاء مشاريع زراعية عراقية داخل الاراضي السورية الواسعة لتوفير المحاصيل والمنتوجات الزراعية لضمان وتحقيق الامن الغذائي للعراق.

كل هذه الاهداف الاستراتيجية توجب على الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي ان تنظر بجدية الى العلاقة مع سوريا لتفرق بين نظام مستبد مائل للسقوط وشعب سيظل صاحب القرار السياسي في دمشق، لهذا عليها ان تقرر بجدية الوقوف الى جانب الشعب الثائر في الشام من خلال خطوات عملية تساعد السوريين على ازالة نظام الاسد بالوسائل السلمية لضمان نجاح ثورتهم الشبابية.

ولكي تكون الحكومة الاتحادية في بغداد قادرة على تقديم الدعم المادي والمعنوي بالوسائل المتاحة امامها، نطرح مبادرة عراقية لدعم الثورة في سوريا على أساس رعاية المصالح العليا للعراق، ولتكون المبادرة نموذجا لفتح الطريق أمام شعوب وحكومات الدول الديمقراطية الحقيقية في المنطقة لتقديم الدعم والعون الى الثورة السورية والى كل الثورات المندلعة ضد أنظمة الحكم المستبدة والتي غضبت منها السماء والارض والامم والشعوب والقبائل لطغيانها واستبدادها للانسان الحر الكريم، والمبادرة تتضمن ما يلي:
1.تبني اقامة مؤتمرات المعارضة السورية في العراق لتوحيدها واختيار قيادة موحدة مختارة من ممثلي الشعب السوري لقيادة الثورة السلمية قبل وبعد نجاحها مع سقوط نظام عائلة الأسد.
2.تشكيل هيئة مساندة من كل الاحزاب والأطراف العراقية لتقديم الدعم والعون المادي والمعنوي والاعلامي للسوريين وبدعم من الحكومة والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
3.تقديم الخبرة التشريعية والقانونية الى المعارضة السورية لسن دستور خاص بسوريا يناسب واقعها الجديد استنادا الى مباديء وقيم حقوق الانسان في اللوائح الدولية.
4.تقديم الخبرة السياسية والدستورية للمعارضة لحل القضية الكردية في سوريا.
5.تقديم الخبرة الكردستانية والعراقية في ارساء النظام الفيدرالي في حالة اختيار المعارضة هذا النظام لادارة سوريا بعد نجاح الثورة.
6.توفير طريق آمن داخل سوريا لايصال الجرحى والمصابين الى العراق والضحايا المدنيين للهجمات الوحشية للأجهزة الأمنية والعسكرية لبشار ونظامه المخابراتي، لمعالجتهم ومساعدتهم على العودة او البقاء لحين سقوط النظام.
7.تقديم الدعم المادي والسياسي لكل أطراف المعارضة السورية.
8.العمل على التنسيق الاقليمي مع تركيا لدعم الثورة السورية والثورات العربية في المنطقة ضمن اطار منظومة الدول الديمقراطية الحقيقية في منطقة الشرق الأوسط.

هذه النقاط بايجاز هي أهم المكونات الأساسية للمبادرة المطروحة أمام القيادات العراقية والحكومة الاتحادية ومجلس النواب والاحزاب لتبنيها رسميا وشعبيا ليكون العراق شعاع الامل الساند للتغيير في المنطقة لدعم الشعوب المتطلعة لنيل حريتها وكرامتها المسلوبة من الانظمة الدكتاتورية المستبدة التي تحاول بكل سلاحها وجيوشها وعدوانيتها الوحشية القضاء على آمال تلك الثورات الشبابية المندلعة ضد استبدادها وطغيانها، والشعب السوري أثبت شجاعته الباسلة وأنه مؤهل لتقديم هذا العون السياسي والمادي والمعنوي له من قبل العراق الجديد الذي أرسى بدستوره الدائم نظامه الديمقراطي المتميز لنقل السلطة عن طريق اصوات الناخبين، وبلاد الرافدين أهل لمد يد العون بكل المعاني الانسانية والوطنية لكل طالب حرية ايا كان ان كان شعبا او قوما او انسانا، مع أمانينا بتحقيق نصر الثورة السورية في القريب العاجل.

كاتب صحفي - بغداد
[email protected]