quot;فيما تعمل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في نيويورك على اقناع دول مجلس الامن بتمرير قرار أدانة ضد دمشق، اعلن الناطق باسم الخارجية الروسية ان موسكو laquo;تعارض بقوةraquo; أي قرار ادانة، مشيرا إلى ان من شأنه أن يزيد الوضع خطورة في سورية، وإلى أن سلطات دمشق تحتاج الى مزيد من الوقت لتطبيق الاصلاحات التي وعدت بهاquot;.

هذه التصريح تكثيف للموقف الروسي مما يدور في سورية من ثورة شبابية سلمية، ثورة من أجل حرية وكرامة شعبنا السوري، ومن نظام كشف عن وجهه الحقيقي مرة واحدة وإلى غير رجعة، وهو أنه ليس سوى عصابة عائلية، لا تخضع لمجريات التصانيف التي عرضها علم اجتماع الدولة والسلطة، كبقية دول العالم، ولكن السؤال الأساسي لماذا هذا الموقف الروسي الذي يدعم قاتلا؟

كان مفهوما أيام الحرب الباردة، وانقسام العالم بين معسكر شرقي وآخر غربي، أن يدعم كل طرف ما هو محسوب عليه من دول، مهما كانت طبيعة السلطات القائمة وهذا كان ينطبق على الشرق والغرب معا، فكان الاتحاد السوفييتي زعيم المعسكر الشرقي، لا تدخل قضايا الحريات وحقوق الانسان قاموسه، وليس خافيا على أحد لماذا؟

الدول مصالح بالتأكيد، ولكن هنا هل يمكن اعتبار هذا الموقف للحكومة الروسية ورئيسها والرئيس الروسي يدخل في حسابات مصالح الدولة الروسية؟

إن من ينظر إلى مشهد الشرق الأوسط، يرى أن الروس حاولوا الاستفادة من بقايا علاقات الاتحاد السوفييتي السابقة، وماكان منهم إلا أن ظلوا يساندون أنظمة- مافيوية كالنظام الليبي والنظام السوري، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء نشر التحول الكبير الذي جرى عندهم، من نظام شمولي إلى نظام لبيرالي، لكن لو أخذنا بعين الاعتبار، أن النخب الانتقالية الروسية، فيما بعد غورباتشيف ويلتسن والتي تصدرت المشهد السياسي الروسي، هي إما بقايا المخابرات السوفييتية أو منتجات فترة التحول الروسي نحو اقتصاد السوق والذي كان لدور الاقتصاد المافيوي حيزا كبيرا- وهذا ما يتداوله الشعب الروسي عن بوتين- مما أنتج نخبة سياسية تريد المشاركة بالوضع الدولي وفق منظور مافيوزي، أي تحقيق المكسب السياسي بغض النظر عن مشروعيته الأخلاقية والحقوقية والدبلوماسية حتى، ولهذا استمرت العلاقة مع أنظمة مثل نظامي دمشق وليبيا، إضافة لذلك كان من المفروض لهذه النخب أن تعيد صياغة علاقاتها الدولية بمايتناسب مع التحول الاقتصادي والسياسي الذي طال روسيا بالعمق، لكن التكسب السريع، والمعروف في الطريقة التي تعمل بها العصابات، هو ما ميز عمل النخب الروسية، لأنها لم تدخل إلى قاموسها السياسي بعد قضايا حرية الشعوب وقضايا حقوق الإنسان. لا بل لم تدخل في قاموسها بعد كيف يمكن لها أن تعيد علاقاتها مع شعوب المنطقة، بطريقة مختلفة عما كان عليه الأمر أيام السوفييت، ومع ذلك التغير الوحيد الذي حدث هو أن هذه النخبة المافيوزية الروسية قد أعادت علاقاتها مع دولة إسرائيل بطريقة مختلفة عن بقية دول العالم، فتحسنت علاقة روسيا اليوم مع إسرائيل نخبا وشعبا، وكانت على حساب موقف أقل دعما للشعب الفلسطيني، هذا التغير الوحيد الذي جرى على السياسة الروسية بعد انهيار السوفييت. لهذا هي الآن في وضع تعرف ما حاولت بناءه عبر العقدين الأخيرين، في الشرق الأوسط، وهي قد خسرت قلعة ليبيا القذافي، ولهذا هي تتمسك بالعصابة الموجودة في دمشق كآخر هذه القلاع.

وللعلم فإن الموقف الروسي الآن يستند على موقف كثير من نخب السياسة الإسرائيلية الداعمة لاستمرار النظام في دمشق. لنلاحظ أيضا أنها في موقفها من الثورتين التونسية والمصرية كان موقفا أقرب للحيادية لأنها لا تتمتع بنفوذ مافيوزي في مصر أو تونس.

الآن شركات السلاح الروسية الخاصة منها، تريد سوقا ولا تجده في حيز المنافسة في السوق العالمية، لذا تعتمد على هذا الشكل القديم من العلاقات مع الدول المشترية للسلاح الروسي. ولن تغير المافيا الروسية موقفها حتى يقدم لها الغرب رشوة أكبر من تمسكها بهذا النظام القاتل لشعبه، والشعب السوري لن ينسى بالطبع هذا الموقف، الذي لا يقيم أي وزنا للشعوب.

الروس لن يكون لهم بعد اليوم موطئ قدم في الشرق الأوسط على الأقل شعبيا.
أما الموقف الصيني فهو موقف قديم جديد، ومفهوم ولكنه ليس بنفس التشدد الروسي، وهذا ما يحتاج لقراءته في مقالة خاصة.
غسان المفلح