يذكرنا خروج تظاهرتين في ساحة التحرير في بغداد باجواء التظاهرات والتظاهرات المضادة التي سبقت سقوط نظام حسني مبارك في ساحة التحرير في القاهرة وماحدث وما آلت اليه الأمور في ساحة التغيير في اليمن. إلا أن هناك شيء مختلف فيما يخص مظاهرات ساحة التحرير في بغداد! إن تلك التظاهرات ربما ستؤدي بشكل أو بآخر إلى العودة لأجواء الطائفية قبل أربعة أعوام، والتي تخلص منها العراق على المستوى الشعبي ولكن هي مازالت باقية في العقلية السياسية التي تقود العراق.
نعم، يمكن لأي فرد أن يتظاهر ويعبر عن رأيه بكل حرية في النظام الديمقراطي ولا إختلاف على ذلك. ولكن، كيف ومتى وأين يتم ذلك التعبير له بالتأكيد مقاصد سياسية ويعبر عن إرادة سياسية وعقلية تريد أن توجه هذا التعبير بإتجاه معين. الكل يعرف أن العراق خرج من نفق كاد أن يودي به إلى حرب طائفية وتجاوز مرحلة خطيرة في تاريخ العراق. إن من يريد العودة لتلك الأجواء الطائفية فهو يلعب بالنار من حيث يدري ولايدري.
لقد صار معروفا ً بأن العاشر من حزيران هو الزمان الذي كانت ستخرج فيه مظاهرات في ساحة التحرير في بغداد، والتي تطالب بإصلاح النظام السياسي. ولكن، وفي المقابل أن يتم إخراج مظاهرة من قبل أطراف محسوبة على الحكومة وتحت شعار أعدام منفذي جريمة عرس التاجي فهي دعوة لشق الصف على خلفية طائفية. لقد أدى الإحتكاك بين التظاهرتين إلى إشتباك بالأيدي، وربما كان سيتطور الأمر لولا تدخل العقلاء في غياب واضح لقوات الجيش أو الشرطة. نعم، الجريمة التي حدثت في شمال بغداد من قتل سبعين نفرا ً من زفة عرس بينهم نساء أغتصبن وأطفال تم رميهم بالنهر أحياء بعد شدهم بأحجار ثقيلة وقتل الرجال ورميهم في النهر وقتل العريس والعروس في مشهد مأساوي لهو جريمة لاتغتفر. لكن المشكلة حين يتم إستغلال تلك الأحداث من أجل مكاسب سياسية ومن أجل التسقيط السياسي وعلى حساب الشعب العراقي فهي مشكلة بالتأكيد، وهو لعب بالنار لمن ليس لديهم وعي سياسي بعواقب تلك الأفعال.
لماذا تخرج المظاهرة المضادة في هذا الوقت بالذات! ولماذا في ساحة التحرير! ولماذا تقوم الحكومة بجلب المتظاهرين بباصات تابعة لوزارة النقل على حد تعبير مراسل الحرة! ولماذا يعطى تصريحين لمظاهرتين في وقت ومكان واحد! ليس من الصعوبة بمكان أن نفهم بأن هناك مقاصد سياسية تريد الحكومة منها تقسيم الجماهير إلى من مع ومن ضد الإرهاب، وكإنما تريد أن تقول لنا بأن من لم يكن معنا في إدانة جريمة التاجي فهو إرهابي وراض بها! أليس كذلك!
إن مامطلوب هو مظاهرات وشعارات وفعل سياسي يبعد العراق عن الأجواء الطائفية ولايجتر أفعال حدثت قبل سنوات ليتم إستغلالها إعلاميا ً وسياسيا ً. فجريمة التاجي مكانها القضاء العراقي وليس الشارع، ومن يدعوا إلى تنفيذ حكم الإعدام بالإرهابيين القتلة عليه أن يطالب أيضا ً بمحاكمة من شارك في تهريب الإرهابيين في البصرة وهو فعل لايقل دناءة عن الإرهاب إن لم يكن أبشع منه. والشيء بالشيء يذكر، هذا الكلام ليس موجها ً للحكومة العراقية فحسب، ولكن لكل الاطراف التي تشارك في العملية السياسية. فحين لانسمع شيئا ً من معارضي الحكومة ومن بعض الإعلام الذي يدعي بأنه مستقل أي خبر أو حديث عن الجريمة البشعة في شمال بغداد فئنه يتستر على فعل لأغراض سياسية. لقد شككت بعض القنوات بهذا الحدث، وسكتت كثير من القنوات عن ذكره فيما تذكر دبيب النملة فيما يخص المنطقة الخضراء، أليس هذا يصب في خانة الطائفية، وذلك من خلال تجاهل مشاعر عوائل الضحايا وذويهم!
كل شيء يمكن أن يحدث بالعراق، لكن الجريمة الكبرى هو إستغلال الحدث سياسيا ً من أجل التسقيط السياسي أو من أجل اللعب على عواطف الناس بطريقة تذكرنا بعهد النظام السابق حينما كان يجبر الناس على الخروج بتظاهرات مفتعلة، فيفرغ المدارس من طلابها ويعطي يوم عطلة للموظفين الذين سيشاركون بالتظاهرات إجبارا ً، ويستغل سيارات النقل لأصحاب النقل الخاص مجانا ً فيكون يوم صخرة، فترى السيارات حينها تخرج هرعة من الكراجات خوفا ً من الرفاق الحزبيين الذين يوقفون كل سيارات الأجرة مستخدمينها في التظاهرات وترى الركاب يدخلون الكراجات وهي خاوية على عروشها. أجواء لانريدها أن تعود في العراق، فلاتستغلوا مشاعر الإنسان لإستخدامها سياسيا ً، فللإنسان كرامة!
- آخر تحديث :
التعليقات