لكي تفوز على خصمك بلعبة الدومينو لابد أن تحرز 101 نقطة. وفي أحيان كثيرة يحرز أحد اللاعبين 100 نقطة وينتظر الواحد الذي ربما لايجيء حتى يكون الخصم قد تجاوز ال 101 وفاز. فنقطة واحدة ربما تكون حاسمة أذا ما أراد اللاعب الفوز. لقد انتهت المائة يوم التي منحها السيد المالكي لحكومته لتقييم أداءها. لكن اللعبة لم تنتهي بعد، فهو ربما بحاجة لنقطة واحدة ليحرز الفوز وتنتهي اللعبة. أو كما يبدو أن اللعبة لا تريد أن تنتهي، فهي إلى الآن تعادل. فعندما يتعادل الخصمان في الدومينو يمكن أن يتفقا على التمديد إلى 151 وهكذا.

هناك مثل عراقي يقول (يثرد بصف الماعون)، ويعني المثل من يثرد بجانب الصحن ويتركه فارغا ً نكاية عمن لايسمي الأشياء بأسماءها أو من لايضع أصبعه على الجرح. فالكل يعرف بأن المشكلة في العراق هي مشكلة سياسية في الأساس والتي تنعكس بشكل مباشر على شكل سوء خدمات، وتردٍ أمني، وفساد. فلانستطيع أن نطمر رؤوسنا في التراب لنتجاوز مشاكلنا ومن ثم نفتعل مشاكل غير موجودة أصلا ً لنلتهي بها ونقنع الناس وأنفسنا بأنها مشاكل حقيقية. فلا يستطيع أحد أن يقيم الأداء السياسي على إنه جيد في دولة فيها أكثر من أربعين وزيرا ً ورئيس بثلاث نواب بلا صلاحيات ومجلس نواب لايتعدى حضوره الثلثين في أحسن الحالات، في غياب متكرر للنواب وعدم حضور رؤساء كتل لجلسات النواب إلا مرات قليلة. الكل مشترك في تردي الأوضاع في العراق ولا إستثناء لأحد. ربما لايعي السياسيون العراقيون أهمية العراق على المستوى الاقليمي والدولي، ولا يعون بأن العراق بالثلاثين مليون فرد وبتاريخه العريق يمر بمرحلة خطيرة ومنعطف تاريخي، وربما سيكون من أكثر الدول تطورا ً من الناحية الإقتصادية إذا ما أتبع إستراتيجية صحيحة في معالجة مشاكله التي يبدو إنها مستعصية.

نعود للمئة اليوم التي منحها السيد المالكي لوزرائه من أجل تقيميهم. فمن الناحية المبدئية، موضوع التقييم هو موضوع يخص البرلمان وليس الحكومة. فواحدة من واجبات البرلمان في العمل الديمقراطي هو مراقبة الحكومة وتقييم أداءها من أجل الوصول إلى الأفضل. فأين البرلمان العراقي وأين أدائه كرقيب! يبدو أن البرلمان العراقي بحاجة هو الآخر لمئة يوم من أجل تقييم أدائه بإعتباره جزء من الحكومة إذا ما فهمنا بأن الحكومة هي حكومة شراكة، حيث إن كل الكتل في البرلمان مشاركة في الحكومة التي بقيت من غير رقيب ولاحسيب. ومن جهة أخرى، إن هذا لايمنع من أن يعطي المالكي مئة يوم لتقييم أدائه بعيدا ً عن رقابة البرلمان. ولكن، هذا لايتم من خلال الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام ولاينفع معه أن تنقل جلسات الوزراء على الهواء لمناقشة الموضوع، ولا حتى أن يكون الشعب منصفا ً في تقييمه لفترة المائة يوم. إن هذا خلط للأوراق للإستهلاك الإعلامي ومن أجل كسب الوقت لعبور فترة الصيف بحرها وجفافها، وللتمهيد للدخول في المرحلة التالية من اللعبة وهي حكومة الأغلبية.

إن عملية التقييم في الدول الديمقراطية تتم من خلال مؤسسات شبه مستقلة ترفع تقاريرها سنويا أو فصليا ً من أجل وضع صاحب القرار في صورة الواقع ومن ثم ترفع توصياتها لتحسين ذلك الأداء. ليس الشعب ولا النقل الإعلامي المباشر سيكون حاسما ً في موضوع التقييم والتقصير ولاتوجد آلية لمعرفة رأي الشعب بذلك عدا الخروج بمظاهرات والتي غالبا ً ماتكون ذات أهداف سياسية. فإشراك الشعب في تقييم عمل الوزارات والذي يختلف في الكم والنوع هو خلط للأوراق وهروب للأمام.

لامئة يوم ولا مئة عام من العزلة ستعيد الخدمات في العراق، الكل يعرف ذلك بما فيهم السيد المالكي. الحل واضح ومعروف لكنه بحاجة لشجاعة سياسية. الحل هو ترشيق الحكومة وجعلها حكومة تكنوقراط. محاربة الفساد من خلال محاسبة المفسدين وتقديمهم للقضاء وعدم التستر عليهم لأغراض سياسية، والإستعجال في تسمية الوزراء الأمنيين، والوصول لصيغة صحيحة في التفاهم بين الأطراف السياسية من أجل الوصول لعمل مشترك وليس التماهي الذي يجعل من يشارك في الحكومة يعمل كمعارضة، وإن كان الوصول لتلك الصيغة صعبا ً على الحكومة أن تعلن ذلك من أجل إيجاد حلول أخرى، وما ذلك إلاجزء من الشفافية في العمل الديمقراطي. هذا فيما يخص الحكومة، أما البرلمان العراقي فربما هو بحاجة لسبحة من مئة وواحد لحل مشاكله التي لاتنتهي. إن جزء من المشاكل التي تعاني منها الحكومة هي غياب الدور الرقابي للبرلمان، إلا أن الذي يبدو أن هناك إتفاق، بقصد أو بغير قصد، بين الحكومة والبرلمان لمتديد المهلة الممنوحة للمالكي إلى مئة أخرى بعد أن كانت النتيجة التعادل بينهما 100 مقابل 100 وهذا جائز في السياسة كما هو جائز في لعبة الدومينو.

[email protected]