في قصر الإمارات بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي وعقب تغطيتي لاجتماع مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا يوم الخميس الماضي حضرت مؤتمرين صحفيين، الأول مؤتمر مشترك لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ quot;عبد الله بن زايدquot; ونظيره التركي quot;كمال الدين اوغلوquot;، والثاني لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، الأول ركز على آلية تقديم مساعدات مالية للمجلس الانتقالي بضمان الأصول الليبية المجمدة في الخارج والتي تصل إلى مئة وستين مليار دولار بحسب ما قال لي مندوب المجلس الانتقالي في الأمم المتحدة quot;عبد الرحمن شلقمquot;، لكن الأهم واللافت هو تصريحات quot;هيلاري كلينتونquot; بأن واشنطن تتحاور مع مساعدين مقربين من ألقذافي بشأن انتقال السلطة، وقد قال نفس الكلام quot;ألان جوبيهquot; وزير الخارجية الفرنسي وأشار إلى أن بلاده تعمل مع مقربين من ألقذافي لإقناعه بالتنحي وهي فكرة أيضا طرحها رئيس جنوب أفريقيا quot;جاكوب زوماquot; ورفضها ألقذافي.

واعتقد أن القذافي لن يتنحى، على الرغم من أن الدائرة تضيق عليه، ومعظم المقربين منه ينفضون من حوله، لكن تصريحات quot;كلينتونquot; وجوبيهquot; سابقة لأوانها، فلا يمكن الحديث عن انتقال للسلطة، أو التنحي في ظل وجود ألقذافي في سدة الحكم، ومواصلة كتائبه قصف وقتل الشعب الليبي خاصة في مصراته والزاوية، يؤكد تمسك العقيد الليبي بالسلطة، ذلك التسجيل الصوتي الأخير له، والذي أكد فيه انه سيبقى في ليبيا حيا أو ميتا، وللأسف ضربات حلف شمال الأطلسي لم تؤتي أكلها بعد، فلا هي نجحت في إضعافه حتى يستسلم، ولا دمرت مقره في باب العزيزية وقضت عليه، حيث لا يزال الشعب الليبي والعالم ينتظر خبراً ساراً حول اعتقال ألقذافي أو قتله.

هذا التباطؤ في مهمة الناتو أثار لدي الكثير من التساؤلات مع دخول عملياته شهرها الثالث حول المدى الزمني الذي يحتاجه الحلف، ما هو حجم الدعم المادي المطلوب لتحقيق النجاح؟، إننا نسمع يوميا صرخات استغاثة يطلقها الثوار الليبيون يطلبون الحماية من هجمات كتائب ألقذافي في مصراتة واجدابيا والرنتان ويفرن، ومدن الجبل الغربي، المنتفضة ضد حكم القذافي منذ أربعة أشهر، قتل خلالها ألاف الليبيين.

هل وصلت مهمة حلف شمال الأطلسي إذن إلى وضع حرج؟ وهل هناك خشية من نزاع بلا نهاية في ليبيا؟.
الواقع على الأرض يشير إلى عدم تغير كفة الموازيين العسكرية بين قوات ألقذافي والثوار، واستمرار تجزئة الأراضي الليبية إلى دولتين إحداها تابعة للقذافي، والثانية لمعارضيه، في وقت يشكو فيه الثوار من عدم فعالية هجمات الناتو، وعجز الحلف عن فعل الكثير، بعد أن تركت الولايات المتحدة قيادة العمليات لبريطانيا وفرنسا وهو ما أثار انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة.

واشنطن سبق وأعلنت انسحاب طائراتها الحربية بعد إن أخفقت في انجاز المهام المكلفة بها خلال أسبوعين، وتولي حلف الناتو قيادة العمليات في ليبيا، واستخدمت لندن وباريس طائرات مقاتلة في هجماتها على أهداف تابعة للقذافي، وبات عليهما العبء الأكبر في تدمير قوات القذافي وحماية المدنيين، ولما سارت الأمور ببطء، دعا حلف الأطلسي إلى إرسال مزيد من الطائرات المقاتلة، ولكن للأسف لم تلق الدعوة آذانا صاغية من دول الحلف الثمانية العشرين باستثناء بريطانيا التي رفعت عدد طائراتها من طراز تورنادو، ثم استجابت فرنسا بمقاتلات من نوع تيغر.

لقد شعرت في أحاديث مع صحفيين ليبيين بأنهم يريدون أفعالا لا أقوالا، وقالوا إن اجتماع الدوحة ثم روما، لم ينفذ الوعود التي قطعها على نفسه بمساعدة المجلس الانتقالي ماليا وعسكريا، الأمور تزداد تعقيدا إذا علمنا أن قبائل القذافي، وجميعهم من المرتزقة من مالي وموريتانيا والنيجر جلبهم القذافي إلى ليبيا، ومنحهم الجنسية والإقامة والسكن والعمل، واقنع الليبيين أنهم أبناء عمومة من أصول ليبية، هاجروا إلى بعض الدول الإفريقية منذ عقود، وعادوا مرة أخرى وهو كلام بعيد عن الحقيقة، فقد كان القذافي يدخر هؤلاء لهذا الوقت ليقمع بهم شعبه، ومع محاولة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا خاصة القرار 1970،1973، تسود أجواء متنامية من السخط داخل الناتو بسبب عدم تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الميدان. وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الأمريكي quot;روبرت غيتسquot; في بروكسل قبل يومين حين حذر من أن نواحي القصور المادية والسياسية لدى حلف الأطلسي، يمكن أن تهدد نجاح مهمته في ليبيا.

هل وصلت مهمة الناتو في ليبيا إلى وضع حرج؟ وماذا لو كنا بصدد حرب طويلة الأمد تزيد معاناة الشعب الليبي وثواره الشرفاء؟. لا سبيل سوى تسليح الثوار، حتى يصمدوا أمام قوات ألقذافي، لا نريد عمليات كر وفر تفتقر إلى التنسيق والخبرة، وهو ما قد يثير الشكوك في الجهود الدولية ويجعلها عاجزة عن تحقيق هدفها، وهو إسقاط quot;الدكتاتور الليبيquot; إن بقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن بين الطرفين المتقاتلين يظهر أن الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا دخلت مرحلة جديدة، وأن الثوار أقوياء لدرجة الاحتفاظ بسيطرتهم على مدينة بنغازي، وضعفاء في الوقت نفسه إلى حد العجز عن مواصلة تقدمهم نحو العاصمة طرابلس، وربما لا يمتلك أحد خطة ناجعة لوضع نهاية للأزمة الليبية، والرهان فقط هو على انتصار الثوار أو انهيار السفاح، وهو ما نتمنى أن نراه قريبا.

إعلامي مصري